الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سانت كاترين: متخافوش على مصر

فاطمة ناعوت

2019 / 10 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أتصوّرُ مصرَ "عسراءَ". بيُسراها قلمٌ تكتبُ تاريخَها العريقَ في دفترٍ غزير الأوراق، ويُمناها مشغولةٌ بتشييد آثارِها الخالدة التي صنعت مجدَها وحيّرتِ العالمين.
ونقفُ اليومَ على شرف بقعة ثرية؛ شرَّفها اللهُ بقداسةٍٍ فريدة؛ فتجلّى للنبيّ "موسى" عند جبل الطور، وطوَّبها عديدُ الأنبياء والرُّسل بالزيارة والمُقام والحلول، عليهم جميعًا السلامُ؛ حتى غدت نقطةَ نورٍ يتشوّفُ لزيارتها المؤمنون من جميع العقائد في جميع أرجاء العالم. خلّدها القرآنُ قائلا: "إذْ ناداه ربُّه بالوادي المقدَّس طُوًى" و "إِنِّي أنا ربُّك فاخلع نعليكَ إنك بالوادي المقدّس طُوًى" و "والتين والزيتون وطور سينين" و "لمّا قضى موسى الأجل وسار بأهله آنسَ من جانب الطُّور نارًا قال لأهله امكثوا إني آنستُ نارًا لعلّي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلّكم تصطلون”. وخلّدها الكتابُ المقدس في "سِفر الخروج" بالحديث عن شجرة العُلّيقة التي اشتعلت بالنار ولم تحترق، لكي تستقطبَ موسى النبيَّ لحديث الله: "وظهر له ملاكُ الربّ بلهيب نار من وسط عُلّيقة. فنظرَ وإذا العليقةُ تتوقد بالنار، والعليقةُ لم تكن تحترق، فقال موسى: أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم. لماذا لا تحترق العليقة، فلما رأى الربُّ أنه مال لينظر، ناداه الله من وسط العليقة وقال: موسى، موسى. فقال : هأنذا. فقال: لا تقترب إلى ههنا. اخلعْ حذاءك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقفٌ عليه أرضٌ مقدسة.”
نحن اليوم على شرف تلك البقعة الثرية التي التقت في باحتها الرسالاتُ الثلاث، نشهدُ بفخرٍ فعاليات "مُلتقى سانت كاترين للتسامح الديني"، الذّي دشّنه منذ سنوات محافظُ جنوب سيناء، اللواء أركان حرب خالد فودة، تحت رعاية السيد الرئيس، داعيًّا سفراء من مختلف دول العالم مُمثّلين دولَهم ليشهدوا كيف تنشرُ مصرُ الجديدةُ رسالةَ السلام والسماحة وتُحاربُ التطرّف في جميع صوره وتداعياته: التي تبدأُ بالنفور والإقصاء والتشرنق، وتنتهي بالبغضاء والعنف وإزهاق الروح.
(متخافوش على مصر)، عبارةٌ عميقة قالها المحافظُ، فوقعت في قلوب جميع الحاضرين وعقولهم. فالبلدُ الذي خصَّه اللهُ بكل تلك الثراءات والأمجاد والفرائد والقداسات، مستحيلٌ أن يسقط؛ فهو محميٌّ بأمر ربّ العرش العظيم.
(هنا نُصلّي معًا)، شعارُ الملتقى الذي أتمّ اليومَ عامَه الخامس. نخلعُ نِعالَنا، لنُصلّي معًا؛ في الوادي المقدّس الذي باركته السماءُ. نخلعُ نِعالَ الطائفية والبغضاء. ونقفُ في حضرة الرحمن نعتذرُ له عن كلّ نقطة دمٍ أهدرها الإرهابُ على أرضنا الطيبة. نقفُ في باحة دير سانت كاترين، الذي ترعاه قبائلُ مسلمةٌ من شرفاء المصريين، ويحتضن بين جدرانه الجامعَ الفاطميّ. لنُصلّي معًا على اختلاف عقائدنا وأعراقنا، مع وفود أجنبية جاءت لتشهد أثرًا مصريًّا من أقدم خوالد الدنيا، ويشهدوا الحفل الجميل الذي أهدته وزارات الثقافة، والشباب والرياضة، والهجرة، للملتقى. في الندوة الصباحية، أنصتنا إلى كلمات الوزراء المثقفين: د. محمد مختار بالأصالة عن "الأوقاف"، ونائبًا عن رئيس الوزراء، د. أشرف صبحي/ "الشباب والرياضة"، د. نبيلة مكرم/ "الهجرة"، اللواء محمود شعراوي/ "التنمية المحلية"، د. إيناس عبد الدايم/ "الثقافة"، د. خالد العناني/ "الآثار"، والأب ديمتري دميانوس مطران الدير اليوناني المصري، على شرف مؤتمر أشرق من مذبح الدير على وجه الأرض.
تلك فرادةُ مصرَ التي خَصَّها اللهُ بما يليقُ بها من خصوصية واستثناء. مصر التي كتبت السَّطرَ الأولَ في كتاب التاريخ، تحملُ مِسطرةَ مهندس، وإزميلَ نحّاتٍ، وريشةَ رسّامٍ، وقيثارةَ موسيقيٍّ، وقلبَ شاعرٍ لا يعرفُ إلا الحبَّ والخيرَ والجمال. وعلى ظهرها مِخلاةٌ من الكتّان المصري داخلها ورقةُ بردي مُدوّنٌ عليها معادلاتِ تركيب إكسير الخلود وحجر الفلاسفة. وكان كتابُ "الخروج إلى النهار”، وكان على مصرَ نهارٌ، فكان على الدنيا نهار.
أسجِّل على التاريخ أنني شهدتُ في هذا المكان لحظة إطلاق "ميثاق سانت كاترين للسلام العالمي"، الذي يؤكد على أن "السلام" رسالةُ الأديان كافّة ووصيةُ الله للإنسان. وأن لا بناء ولا حضارة إلا حيث يعمُّ السلامُ الذي يقضي باحترام آدمية الإنسان كونه إنسانًا، أيًّا كان دينُه أو عِرقه. نباركُ السلامَ الذي ينصُّ على احترام مبدأ المواطنة المتكافئة وإعلاء شأن الدولة المدنية التي لا تعرف العصبيات العرقية أو الدينية أو المذهبية، التي تدمّر الشعوب وتطوي الحضارات. السلامُ خصيمُ فيروس الإرهاب الذي يجوب الجغرافيات يهدد البشرية ويطعن خِصر المنجز الحضاري. وليس من سبيل للتخلص من الفيروس القاتل إلا باتحاد جميع بني الإنسان يدًا واحدة قوية تقفُ في وجه داعميه ومموليه وحاضنيه.
شكرا للقوات المسلحة العظيمة وللشرطة المصرية اللتين منحتانا التأمين الكامل في هذه البقعة الجبلية المقدسة من أرض مصر، طوال أيام الملتقى وعلى مدار الأيام والأعوام. ودائمًا "الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن”.

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا