الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقف عقيدة ( الحياة المعاصرة ) من مسألة نشأة الحياة وفكرة التطور والارتقاء / 4

رياض العصري
كاتب

(Riad Ala Sri Baghdadi)

2019 / 10 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ثانيا ) التكيف هو نوع من التغيير في الشكل الخارجي لغرض مقاومة ظروف البيئة الصعبة .. وهو تعبير عن الصراع من اجل البقاء .. لان البيئة القاسية تشكل عامل تحدي ضد بقاء الكائن الحي .. وعندما يتمكن الكائن الحي من الحصول على التكيف المناسب لمقاومة تحديات البيئة فان هذا التكيف ينتقل الى أجياله اللاحقة ، عمليات التكيف هي نتاج سلوكيات معينة تمارس بشكل دائم وفقا لظروف البيئة ، وهذه السلوكيات يمكن لها ان تنتقل الى الاجيال اللاحقة طالما انها تمارس بشكل يومي ، الافعال التي تمارس بشكل يومي ولفترة طويلة فانها تدخل في الجينات الوراثية بصيغة شفرة وراثية وفقا لمبدأ ( تكرار الحركات السلوكية لفترة طويلة يؤدي الى تشفيرها في الجينات الوراثية ) ، كما ان اي عضو يتم استخدامه بكثرة ومن خلال سلوك يومي متكرر فانه سوف يقوى ويشتد ويزداد حجما وتعقيدا .. فيتشفر هذا التحول في الجينات الوراثية ، وعن طريق التزاوج والتلاقح بين الكائنات الحية فان الجينات الحاملة لهذه الشفرات الوراثية تنتقل من الجيل السابق الى الجيل اللاحق ليعيد الخلف نفس سلوك السلف مع امكانية التعديل والتغيير في السلوك ليتكيف حسب متغيرات البيئة وفقا لمبدأ ( الاجيال تزداد تكيفا مع بيئتها ) ، وكذلك اي عضو في جسم الكائن الحي اذا لم يتم استخدامه باستمرار في الحياة اليومية فانه سوف يصاب بالضمور ويتشفر هذا التحول في الجينات الوراثية ، الضمور لا يعني الاختفاء الكامل وانما هو صغر حجم وضعف اداء او عجز ، هذا وان ضمور الاعضاء سينتقل الى الاجيال اللاحقة وفقا للشفرة الوراثية ... هذا مع العلم بان الكائنات الحية التي تتصف بصفات تعيقها عن التناسل والتزاوج فان صفاتها تلك تنتهي عندها بسبب عدم وجود اجيال لاحقة لهذه الكائنات لكي تنتقل اليها تلك الصفات ، وهكذا سادت صفات الكائنات التي تمتلك القدرة على التناسل والتزاوج والتكاثر ، وقد يتسائل البعض من علم الطير ان يبني عشه ؟ ومن علم الدجاجة ان تجلس على بيضها ؟ من علم الطفل الرضيع ان يمص اي شيء يوضع في فمه ؟ جوابنا على هذه التساؤلات المنطقية هو انها كانت سلوكيات عشوائية للاسلاف كانت تمارس بشكل متكرر واثبتت نجاحها في اكساب الكائن الحي البقاء والديمومة فتم نقلها الى الاجيال اللاحقة عن طريق التناسل والتزاوج كميراث ينتقل جينيا من السلف الى الخلف ، اما من يتصف بصفة العجز او عدم الرغبة بالتصرف بموجب تلك السلوكيات التي حققت النجاح في البقاء فان صفته تلك تنتهي عنده حيث لن يكون له خلف ، مثال اخر عن الكائنات التي كانت تمشي على اربع ثم تعلمت المشي على اثنين من خلال ممارساتها اليومية فاصبحت لديها اليدين غير صالحة لاستخدامها للمشي وهذه الصفة انتقلت الى الاجيال اللاحقة .. وهذا يقع ضمن عمليات التطور للاجيال اللاحقة ، مثال اخر عن ظهور الاجنحة لدى الطيور فان هذه الكائنات لم تظهر فجأة باجنحتها وانما مرت بمراحل تطور على مدى مئات الملايين من السنين وقد انقرضت اسلافها التي تمثل المرحلة الانتقالية من البر الى الطيران في الجو ، وان انقراض الاسلاف كان بسبب عدم القدرة على المنافسة مع الاجيال الجديدة من الطيور التي تمتلك مواصفات افضل في المنافسة ومقاومة التحديات ، فالطيور مثلا التي تواجدت في بيئة تحتوي على حيوانات مفترسة فان من تمتلك قوة اجنحة تساعدها على الطيران السريع والهروب من الاعداء فازت بالبقاء ونقلت صفاتها تلك الى اجيالها اللاحقة ، اما التي فشلت في الطيران السريع فانها اصبحت فريسة سهلة للاعداء فماتت وانقرضت ، اما اجيال الطيور اللاحقة التي تواجدت في بيئة خالية من التحديات ومن الخطورة على حياتها ، والتي كانت تجد غذائها في بيئتها دون الحاجة للطيران فقد ضمرت عضلات اجنحتها وازداد وزنها واصبحت حيوانات برية كالدجاج والبط والنعام ... الخ ، والموضوع لا علاقة له بوجود مصمم ، وانما طبيعة الظروف الجغرافية في البيئة ومدى توفر الغذاء في البيئة مع عدم وجود خطورة على الحياة هي العوامل التي تؤدي الى تكاثر وتنوع اشكال الكائنات الحية ، ولو كان هناك مصمم لهذه الطيور فما هي غايته من تصميم اجنحة لتلك الطيور ( النعام ، البط ، الدجاج ... الخ ) وهي لا تستخدمها في الطيران ؟ وما غايته من تصميم بعض الحيوانات تتغذى على افتراس البعض الاخر ؟ قد يتسائل البعض : كيف علمت او اهتدت الحويصلات المنوية في الحيوان الذكر الى انتاج حيوانات منوية تؤدي وظيفة خارج حدود جسد الكائن الحي الذكر؟ من اخبرها انها يجب ان تنتج شئ سيستعمل لاحقا خارج الحدود ويقوم بوظيفة محددة وهي تخصيب بويضة الانثى ؟ نجيب على هذه التساؤلات بان هذه العملية لم تحدث بشكل مفاجيء وانما هي نتاج مئات الالوف من المحاولات المختلفة على مدة مئات الالوف من السنين حتى نجحت عملية ارسال حيوانات منوية خارج الحدود ليحصل التكاثر ، وان كل الصفات والخصائص التي تحملها الحيوانات المنوية حاليا انما هي صفات وخصائص السلف البعيد ، اي الحيوانات الاولى التي حققت النجاح فنقلت تلك الصفات والخصائص عبر اجيالها اللاحقة حتى وصلت الينا ، وان اتجاه حركة الحيوانات المنوية باتجاه البويضة هو سلوك فيزيائي بحت وفقا لقوانين التجاذب نتيجة اختلاف الشحنات الكهربائية حيث تتجاذب الشحنات المختلفة ، واما الشكل او التصميم الذي يتصف به الحيوان المنوي فهو نتاج عملية الاصطفاء والانتقاء الطبيعي ، لابد ان هناك مئات الملايين من الحيوانات المنوية بمختلف الاشكال كانت تواجه الفشل في مهمة تلقيح البويضات الى ان ظهرت حيوانات منوية بالشكل والمواصفات المتعارف عليه حاليا فنجحت عملية التخصيب وانتقلت هذه الصفات الى الاجيال الناتجة عن عملية التخصيب ، اذ ان اي شكل لا يتصف بالمواصفات المناسبة لاداء المهمة فانه سوف يفشل وينقرض .. اما من ينجح في مهمته فانه ينقل صفاته وشكله الى الاجيال اللاحقة ، ان حصول تخزين الشفرات الوراثية في الخلايا الجنسية انما هو ناتج عن العمليات العشوائية العديدة والتي ادى نجاح عملية التخزين الى انتشارها وانقراض ما يخالفها .. هذه الامور ليس مقصودة من قبل جهة ما وانما هي نتاج طبيعي تلقائي لفعاليات المادة والطاقة مع الاقرار بتأثيرات العشوائية والصدفة ، خلاصة القول ان منتوجات الطبيعة من الكائنات الحية لا تخلو من الانحرافات والشذوذ عن القوانين العامة ، الكائنات المعاقة بدنيا او ذهنيا هي منتوجات منحرفة عن القوانين العامة انتجتها الطبيعة بحكم وجود العشوائية ، ثم تخضع تلك المنتوجات الى امتحانات البيئة لتقرر من الذي ينجح ويفوز بالبقاء ومن الذي يفشل ويخسر البقاء ، ونحن البشر الحاليين وكذلك جميع الكائنات الحية في عصرنا الحالي ننتمي الى ذلك السلف البعيد جدا الذي نجح في اختبارات البيئة في البقاء .
يتبع الجزء الخامس والاخير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن


.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال