الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدستور وثلاثية ( الفقر والجهل والفوضى)

سالم روضان الموسوي

2019 / 10 / 16
دراسات وابحاث قانونية


الدستور وثلاثية (الفقر والجهل والفوضى)
إن جميع الثورات والاحتجاجات في كل العالم وعلى مر العصور كانت انطلاقتها من الشعوب والجماهير المضطهدة سياسيا أو اقتصاديا وكان الفقراء هم مادتها ووقودها وأسباب هذه الثورات هو الجهل المتفشي والفقر المدقع والفوضى التي تتيح للجريمة وجود بيئة تسهم في تفاقمها، وبذلك فان الأسباب الرئيسية تكمن في ثلاثية (الفقر والجهل والفوضى) وهذه الثلاثية متلازمة لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى ويبدو إنها تتوالد من بعضها ولا يمكن قطع دابر أحداها إلا إذا تم القضاء على الأخرى، وحاول المنتفع منها أن يربطها بقوى غيبية مثل الطبيعة والإله حتى يتمكن من السيطرة على مقدرات تلك الشعوب ونجد جذرها المتأصل في كل المرويات التاريخية ويروجون إلى إن المجاعات على مر التاريخ بسب كوارث الطقس والبيئة، لكن يرى احد الكتاب (فرانسيس مور لابيه) في كتابه الموسوم (صناعة الجوع ، خرافة الندرة) إلى إن تلك الكوارث لا تحدث ويتكرر وقوعها وتفاقمها، لولا تصرفات البشر المهيمن عليها، ويشير أيضا إلى أمثلة من تلك المجاعات مثل المجاعة في الهند فإنها تشكلت بعد الاستعمار البريطاني، وكذلك فترة شح الغذاء في فرنسا أبان العصور الوسطى فإنها كانت من جراء النظام الاجتماعي والاقتصادي الفاشل، كذلك بالنسبة للجهل فانه نتاج منظومة متكاملة ومنهج تبنته الفئات الحاكمة بمقدرات ومصير الشعوب سواء كانت حكومات أو مؤسسات أخرى لا تقل عنها سطوة وشوكة بل إنها كانت أقوى من الدولة أحيانا، ويشير الكاتب سلام حربه في مقال له في صحيفة المدى عن تاريخ الجهل (هناك مؤسسات تشكلت عبر التاريخ وحتى يومنا هذا تقوم باستنهاض روح الجهل المستمكنة بين طيات جلد الماضي وهي روح فتاكة عمياء تسري في المجتمعات ،كما تسري بموضوعية روح المعرفة التاريخية البصيرة) لذلك نجد إن الجهل ممنهج لأنه يوفر الغطاء للفاسدين بالحصول على اكبر قدر من المنافع عبر تحريك أدواتهم من الجهلة الذين يصورون لهم الحياة بأنها دار جلاء وان الإنقاذ والرخاء في مرحلة ما بعد الموت وان سبيلهم الوحيد إليه هو طاعتهم العمياء لتلك الطبقة المهيمنة والمسيطرة ، أما عن الفوضى فإنها أفضل سبيل لتحقيق غايات الفاسدين في التحكم بمصائر الناس عبر وجود قوى منفلتة تطبيق نواميسها على الأفراد دون رادع أو خوف، لذلك نجد إن جميع الشرائع السماوية كان منهجها محاربة هذه الثلاثية وان الأنبياء الذين ظهروا هم في حقيقتهم ثوار يقودون الضعفاء ضد هذه الثلاثية، وانعكس ذلك على إعلان حقوق الإنسان الأول الذي صدر عقب الثورة الفرنسية ثم تلته المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان وجميعها تدور في فلك مكافحة هذه الثلاثية ومن ثم تمكين الإنسان من النهوض والارتقاء بمستواها الإنساني، ودستور العراق لعام 2005 النافذ قد اتخم بعبارات الحقوق والحريات وحمايتها وكفالتها وجعل من كل كيانات ومفاصل الدولة خادمة وعاملة لتحقيق فك شفرة ومتلازمة ثلاثية (الفقر ، الجهل، الفوضى) حيث أورد عدة مبادئ أساسية وجعلها من مبادئ حقوق الفرد العراقي التي لا يجوز تعديلها أو المساس بها لان هذا النهج بتعزيز الفقر والجهل والفوضى هو ليس وليد اليوم بل انه متراكم من سياسات حكومية سابقة ومن آثار الحروب الخاسرة التي دخلها العراق في العقود الماضية، ومن هذه المبادئ المتعلقة بمكافحة هذه الثلاثية ما جاء في المادة (30/أولا) من الدستور التي أكدت على إن الدولة تكفل للفرد والأسرة وخاصة المرأة والطفولة التامين الصحي والعيش في حياة كريمة وتؤمن لهم الدخل المناسب والسكن الملائم وهذا أصبح إلزام على الدولة بكل مفرداتها ومفاصلها وانه يتعلق بمحاربة الفقر وعلى وفق النص الآتي (تكفل الدولة للفرد وللأسرة وبخاصة الطفل والمرأة الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الأساسية للعيش في حياةٍ حرةٍ كريمة، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم) كما ألزم الدولة بحماية الأفراد من الجهل ومن الفوضى وعلى وفق ما ورد في نص الفقرة (ثانياً) من المادة (30) من الدستور التي جاء فيها الآتي (تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو التشرد أو اليتم أو البطالة، وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة، وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم، وينظم ذلك بقانون.) ومواد دستورية كثيرة اغلبها تدور حول هذا المحور، وبما إن جميع السلطات في العراق غايتها تحقيق تلك الرغبات الدستورية للمواطن فانه هو برنامجها التنفيذي او التشريعي وحتى القضائي ولا حاجة للنص عليه بوثيقة إنشائية خطابية فإذا ما ظهر إن المواطن ما زال يعاني من هذه الثلاثية المتلازمة، فإننا أمام فشل الدولة في أداء واجبها والاحتجاجات المتكررة التي تظهر بين الحين والآخر دليل على إن ثلاثية (الفقر والجهل والفوضى) ما زالت قائمة وإنها تنخر في جسد المجتمع، ويعزز هذا القول ردة الفعل التنفيذية او التشريعية التي اقرت بكل ما طالب به المحتجون وإنهم اقروا بصريح العبارة بوجود الثلاثية المتلازمة (الفقر والجهل والفوضى) ووليدها الفساد الذي ترعاه يد المتنفذين ويكبر في أحضانهم.لذلك فان الدستور قد تضمن أهداف لإزالة ثلاثية (الفقر والجهل والفوضى) إلا أن القائم على أمر البلاد ما زال عاجز عن المعالجة، بسبب نظام الحكم فيه وتفكيك وتعدد مصادر القرار وارى المعالجة من خلال إعادة النظر في قانون الانتخابات وكذلك في بعض المبادئ الدستورية الواردة في الدستور النافذ.
القاضي
سالم روضان الموسوي


1








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح المجاعة يخيم على 282 مليون شخص وغزة في الصدارة.. تقرير ل


.. مندوب الصين بالأمم المتحدة: نحث إسرائيل على فتح جميع المعابر




.. مقررة الأمم المتحدة تحذر من تهديد السياسات الإسرائيلية لوجود


.. تعرف إلى أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023




.. طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة