الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرهانات السلطوية للتحولات الدستورية في الجزائر الجديدة: قراءة في مضامين المسوّدة المقترحة للدستور الجزائري 2020.

عصام بن الشيخ
كاتب وباحث سياسي. ناشط حقوقي حر

(Issam Bencheikh)

2020 / 5 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


الرهانات السلطوية للتحولات الدستورية في الجزائر الجديدة:
قراءة في مضامين المسوّدة المقترحة للدستور الجزائري 2020.
د/ عصام بن الشيخ – الجزائر- 29/06/2020
****************************************************
نشرت رئاسة الجمهورية الجزائرية "المشروع التمهيدي لتعديل الدستور الجزائري" خلال الشهر الجاري (مايو/أيار 2020)، وتحدثت الوثيقة عن مفهومي "الأمن الديمقراطيّ" و"الأمن القانونيّ" بوصفهما "مكمنا قصديا" و"غاية منشودة"، وناقشت اللجنة المسؤولة عن الصياغة العديد من الشواغل الخاصة بالهوية والمسائل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فغالبا ما يتساءل القانونيون عن مستويات "تنزيل الإصلاحات" وتحقيق الإرادة الشعبية؟، ويبحث الساسة عن قواعد اللعبة الديمقراطية الجديدة لتحقيق مكاسب حزبية وتموقعات مؤثرة؟، وينتظر الرأي العام مستويات تنفيذ الوعود الانتخابية التي أطلق عليها الرئيس عبد المجيد تبون التعهدات والالتزامات الـ: 54، غير أنّ "المجتمع الجيني" (الباحثون) يترقبون انعكاسات التحولات الدستورية الجوهرية الكفيلة بمحايثة وتحيين حياة جيل الأبناء مع قيم الألفية الجديدة، لكن بـ:"الحفاظ على الثوابت الوطنية"، و"أخلقة الحياة السياسية" بما يحقّق مصالح الدولة والأمة، ويصون النظام الجمهوري والعدالة الاجتماعية.
تطمح مؤسسة الرئاسة إلى تأسيس محكمة دستورية بتشكيلة وصلاحيات أكبر من المجلس الدستوري الحاليّ، لا ينتمي أعضاؤها إلى أيّ حزب سياسيّ، تمارس الرقابة بكلّ حياديّة، تحسم قضايا الفساد من البداية وتعطي حقّ حلّ الجمعيات للقضاة. كما ناقشت الوثيقة معضلات تقويض آليات إخطار المجلس الدستوريّ، ومشكلة إحالة القليل من القوانين على المجلس الدستوريّ دون إلزام أو إجبارية، ومسألة عدم منح المجلس فرصة للبت في دستورية القرارات، ومشكلة عدم لعب البرلمان دوره المنشود كسلطة مضادة تقوم على النيابة والوكالة والتمثيل. كما تضمنت المسودة طموحا ثوريا سيتمّ مناقشته على نحو مستفيض، لما له من أهمية في استقطاب الآراء وتحقيق التوافق والإجماع، ويتعلق الأمر بإزالة المانع الدستوريّ لتدخل الجيش الجزائري خارج الحدود، للإسهام في حسم النزاعات المنتشرة في دول الجوار.
أكتب هذه المقالة السريعة بعد اطلاع سريع على مضمون الوثيقة المنشورة، فلقد أعجبت مبدئيا بالنقاش الذي أرفق بالمشروع، لأنه تضمن تشخيصا للأمراض التي تعيشها الدولة والمجتمع، فقد ناقشت لجنة صياغة المشروع الدستوري مسألة تعارض نشاطات الأعوان العموميين مع النشاطات الخاصة بوصفها أول مدخل للفساد، واستندت في منعها على دعم أسس الحكم الرشيد وانضمام الجزائر إلى الاتفاقيات الأممية والإفريقية للفساد عام 2003، وواجه التقرير المرفق مسألة عدم تفعيل دور مجلس المحاسبة ومواجهتها بإعادة النظر في القانون التنظيمي للمجلس، ودوره ووظيفته المأمولة. كما ناقش التقرير مسائل الأمن القانوني في باب الحقوق الأساسية والحريات العامة واقترح تجريم التعذيب والاتجار بالبشر والعنف ضد المرأة، والحق في سرية المراسلات والاتصالات الخاصة، حرية الاجتماع والتظاهر، وحرية التوصل إلى المعلومات والوثائق والمعلومات. تكريس مبدأ حيادية المؤسسات التربوية وتحقيق مشاركة حقيقية للشباب في الحياة السياسية. غالبية هذه الطموحات تعكس بالفعل المشكلات التي وقعت فيها الحكومات السابقة قبل حراك فبراير 2019، حين كان الفساد والاتجار بالبشر وعدم سرية الاتصالات ومنع التظاهر وتسييس المدارس والجامعات، كانت أحد أهمّ أسباب انسداد حياتنا السياسية.
يقول مثل قانوني: "الإصلاح دواء مرّ". لقد ازدادت خشية الجزائريين على قيم الجمهورية الجزائرية خلال ضغوط انسداد حياتنا السياسية خلال الفترة (2010- 2019)، حيث كنا تحت ظلّ "هيئات" لا ترقى إلى مصاف "السلطات". لذلك تحول "الفصل بين السلطات" إلى ديماغوجيا وحلم بعيد المنال طوال تلك الحقبة. كما انفجر الحراك الجزائري في (22 فبراير/شباط 2019) ضدّ السلطة غير الدستورية "غير محدّدة الهوية" التي كانت تمارس الحكم في الخفاء، دون ترخيص أو أهلية، وترفض أية رقابة قبلية أو بعدية على صناعة القرار أو اقتراح مشاريع القوانين، وكانت تخضع أعمدة الأمّة "الحرية، الاستقلال، والسيادة الوطنية" لوظيفة غير رسميّة، مورست علينا دون ترخيص أو تمحيص.
"الشعب ليس سهلا، لكن العوام تنسى كلّ ثلاثة أيام". لقد دمجت مثلين سياسيين في سطر واحد، للتعبير عن حالة الرأي العام المحليّ وطبيعته، فلقد صاغت لجنة تعديل الدستور نصا قانونيا قابلا للنقاش العمومي في كلّ المستويات الرسمية وغير الرسمية، ويذكرني اهتمام شعبنا في هذا التعديل المرتقب، بالحقب السابقة التي مرّت عليها الجمهورية الجزائرية وهي تراهن على الدفاع عن هيبة الدولة والخلاص من حالات الفراغ الدستوري والانسداد السياسي. لقد تساءلت حين تأسست قضايا محاكمات الفساد إن كنّا سنعيش ضغوط "الضيفنة" (نسبة لأوضاعنا في ظلّ سياسة الرئيس الراحل محمد بوضياف) وهل نجحنا في تحرير العدالة "دار الشرع" آنذاك؟. وتساءلت إن كان الضغط لتعطيل الدستور قد يقودنا إلى وضع "الزرولة" (نسبة إلى سياسة الرئيس السابق اليامين زروال) حين حافظ بدستور 1996 على التعددية السياسية التي جاء بها دستور 1989 مع منع استخدام الدين في السياسة. وتساءلت أن كنّا سنعيش سياسة "الشذولة" (نسبة إلى الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد) حين أطلق بن جديد حريات غير مسبوقة حرّرت الصحافة والرأي العام. وأنا أتساءل الآن عن "المواد الصماء" في دستورنا المقبل، وهل سنحاكي "البوتفليقية" في "دسترة الأمازيغية" وجعلها من المواد الممنوعة عن التعديل مستقبلا. لقد تسببت الأيديولوجيا وصراع المصالح في نشر خلافات تاريخية ترقى إلى التحريض على الكراهية، فتحت الأبواب أمام التدخلات الأجنبية السافرة، حتى أدى ضعف أوضاعنا الداخلية إلى تراجع سياسة البلاد الخارجية.
"الدستور كريم، والقوانين بخيلة"، ليت الدستور الجديد محلّ إجماع حتى يتسنى لنا مناقشة مشكلة "بخل القوانين العضوية" الأقل درجة في تشريعات الوطن. لازلت أتذكر تماما ما كان يعاب على دستور 2016 من نواقص وما يعتوره من آليات حتى نفرض سرعة في الإصلاح الفعال، رغم ما قدّمه دستور 2016 من ايجابيات. فلقد كانت صياغته مقلقة بسبب "الإطناب الديماغوجي" والحشو اللغويّ، الخلط في ترقيم المواد الدستورية للدستور السابق 2008 المعدّل، وما أعطاه من أهمية للمعارضة داخل البرلمان (فقط)، وكيف أنشأ مادة دستورية تمنع ظاهرة التجوال السياسي بين الأحزاب استجابة لضغوط حزب العمال PT.
دستور 2016 صاغته لجنة بقيادة الوزير الأول السابق أحمد أويحي أمين عام حزب التجمع الوطني الديمقراطي القابع في سجن الحراش حاليا، تم تحميله رغم عمره القصير، وزر مرحلة خطيرة من الانحراف القانوني بسبب تغوّل السلطة التنفيذية وتهميش القضاء، ونتأمل أن يكون المستقبل أفضل بإذن الله، لأنّنا أكثر وعيا بأن رغبة الشعب الجزائري في مشاهدة دستور جديد معبأ بالحريات والحقوق لا يمكن أن تتحقق عبر الدستور وحده، بل بكرم تشريعي يتبعه لتجسيد هذه الوعود في أرض الواقع.
رغم ذلك، مسكين هذه الدستور الجديد، فقد سبقه صراع سياسي محتدم، وتمّ تقديمه في مرحلة جديدة من حكم البلاد، يعد فيها الرئيس عبد المجيد تبون بالتغيير الشامل لنمط الحكم، فما هو مصير منصب الوزير الأول، وما هو الدور المختلف الذي سنعرفه في البرلمان الجديد، وما هو الدور الحاسم للمحكم الدستورية والقضاء، وكيف ستصبح الأحزاب السياسية أحزابا برامجية يمكن تمكينها وإسقاطها باسم القانون لضمان عدم ارتهان مصير الأمة لتفاهمات القوى السياسية المختلفة. لقد تابعت بعض الأنباء حول إقدام النقيب شوشان على اقتراح عنوان حزب سياسي برامجيّ يعوّض كلّ من أقصي من الحياة السياسية سابق، ويقدّمه كطليعة قيادية للحكومات المرتقبة، ولا أجد أنّ هذا التفكير سيجد السهولة التي يعرض بها على وسائل التواصل الاجتماعي، وإلاّ فاننا سنكون أمام خديعة "مسدوريّة" جديدة. فلقد تابعت في المقابل ما يحدث في جريدة الخبر، وكيف يتم التعامل مع الصحفي سعد بوعقبة، لأنّ الصراع مع الفرقاء يكشف عن استمرار صراع الأجنحة وأصحاب اللوبيات والمصالح على حساب الشعب.
لا حياة سياسية دون أحزاب سياسية، ولا حياة سياسية في الجزائر دون إصلاح لحزب جبهة التحرير الوطني حتى لو انهزم في الانتخابات التشريعية المقبلة، فالأفلان "كهرباء الأمة" كما يقول كبارها، والجيش عمودها الفقري، والرئيس رمز وواجهة الجمهورية الجديدة، التي أزاحت مخاطر فرض "الجمهورية الثانية بيد خارجية". فلقد رافق الحراك طرح تساؤل مهم:
هل كان بلدنا على موعد مع التاريخ؟،
وهل تستطيع الجزائر ضبط ساعتها لتكون على موعد مع التاريخ؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل