الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شبكات التواصل الاجتماعي: هل عقلنتها ممكنة؟!

حمّودة البريني
كاتب

(Brini Hamouda)

2020 / 6 / 11
العولمة وتطورات العالم المعاصر


لا يختلف اثنان، حول ماهية شبكات التواصل الاجتماعي منذ مبعثها الأول، من حيث مشروعيتها والدافع إليها والغاية منها، إضافة إلى ما تحتكم إليه من آليات و"ميكانيزمات" داخلية تنظم عملها.وهو موضوع دراسة ليس هذا مجالها.
و إنه لمن دواعي التبسيط، أن ننطلق من تعريف لغوي أساسه ما تحوزه من حقل دلالي واسع يمكن أن نختصره في وظيفتها المعلنة لفظا وهي: " التواصل الاجتماعي".
إن هذه الضرورة الاجتماعية " التواصل" جاءت لتجيب عن حاجة انسانية ملحه من دونها لن تكتمل انسانية الانسان باعتباره كائنا اجتماعيا ومدنيا بطبعه..ومن هذا المنطلق اتخذ من هذا الفضاء مجالا خصبا لتطارح الأفكار قصد مناقشتها ونقدها إثراء وتعديلا وتطويرا ومن ثمة اعتناقها أو دحضها.. وهو طريق إلى الإنماء و الرقي محوره الانسان في البدأ والمنتهى. تنحت على دربها الأفكار وتصقل حتى ترتقي إلى مستوى المبادىء والمقاييس فتعتمد.

إنها لمن الغايات السامية والنبيله وستظل كذلك..لكن شيئا من الخوف والقلق يظل يساورنا في حضور عديد المحاذير التي باتت تحف بهذه الفضاءات..حتى نالت من سمعتها ولم تبق على رصيدها الذي حظيت به وهي لا تزال تخطو خطاها الأولى..وحتى يكون استخدامنا لهذه الفضاءات استخداما مدركا و واعيا لا يجب أن نغفل ولا أن نتساهل مع هذه المحاذير:
* إذا كانت شبكات التواصل الاجتماعي فضاء عاما يشبه كل الفضاءات العامه التي يشغلها كل البشر..على اختلافاتهم في الدوافع والمنطلقات و الميول والمناحي والأهواء والغايات..و ومن ثمة لا بد أن ننتبه إلى أن هؤلاء يقتحمون هذا الفضاء محملين بمآثرهم الخاصة و نقاط قوتهم ونقاط ضعفهم ليبثوا فيه جل تناقضاتهم وحتى أمراضهم..ومن هنا قد يتحول هذا الفضاء إلى فضاء موبوء تتسمم فيه الأفكار وتعتقل فيه الإرادات بعد ما تتعرض له الأدمغة من غسيل وهي وظيفة انتبهت إليها التيارات الإرهابية وشبكات الإجرام ورواد الجريمة المنظمه و تجار الممنوعات والمهربين..فلم تتردد في استغلالها من أجل تجنيد عملائها والاستثمار فيهم. و هذا أخطر المآخذ باعتباره مهددا مباشرا لأمن الأفراد والمجتمعات و وجودها.
* إذا كان اختطاف الفكر والتحليق به في عالم الإرهاب والجريمه المنظمة والاتجار الممنوع والتهريب يشكل تهديدا مباشرا للأفراد فإن تسطيح الفكر والنزول به إلى القاع لهو أشد خطر كذلك، فالابتذال والتفاهة عاملان كفيلان بشحوب الفكر البشري وضحالته إلى حد تلاشيه فهل ثمة ما يفقد الانسان شخصيته وانسانيته أكثر من فقدانه لعقله و فكره..؟فإن تتحول فضاءات التواصل الاجتماعي إلى فرص مبتذلة يخبر فيها عن مسائل خصوصية وشخصية كإشهار لطبق أكل تم إعداده أو إشهار غرض شخصي كلباس أو قطعة أثاث تم اقتناؤه أو التبليغ عن نشاط ما وهي كلها مسائل لا تهم الآخرين في شيء سوى أنها مجاراة لبعض الأمراض والعقد النفسية ربما الغاية منها حب الظهور أو التعويض عن نقص ما كشكل مشوه من أشكال إثبات الذات. إن سلمنا بهكذا تطارح لسهولة تمثله واستيعابه..والعقل البشري سرعان ما يصيبه الخمول والكسل فهو ميال بطبيعته لكل ما هو سهل فإن الضمور والتلاشي مآل محتوم في هذه الحالة حيث ستعم التفاهة ويفقد الإنسان إرادته على التفكير الجاد والبناء في علاقة بقضاياه الملحه والمطروحه بإلحاح.
* إذا كان الناس لم يستفيقوا بعد من صدمةالثورة المعلوماتية التي أوجبتها محركات البحث النفاثة من "غوغل" إلى "فايرفوكس" إلى "أمازون" ..وغيرها عديد و هي كلها في الحقيقة واجهات لشركات مالية بعثت لتستثمر في هذا المجال ..صدمة أملاها التدفق المعلوماتي عالي الجهد حتى انجر عنه فقدان الانسان لحريته في الفرز والتنقية والاختيار كما يفقد في بعض الأحيان حاسة الشم أو التذوق - وهي حالة مرضية بالطبع- مازال الناس لم يستفيقوا من هذا الدوار..حتى تأخذهم شبكات التواصل الاجتماعي هذه في منحى تفاعلي تواصلي لا يكتفي بتقديم المعلومة فقط بل قد يلح عليها بشتى الوسائط معتمدا آخر تقنيات الإشهار والدعاية من اللون والصورة و الضوء والخطوط والتقديم والتأخير والإخراج..وهو علم مستقل يدرس في حد ذاته. غايته تعليب الأفكار ومصادرة حق الانسان في الاختيار بحرية و وعي. ومن ثمة مصادرة انسانيته كإنسان في عالم متبدل متغير معولم امحت فيه الخصوصية والتمايز وبات الفرد متقبلا سلبيا سليب الإرادة والفعل من دون هوية ولا ماهية وسط سوق مفتوح كل شيء فيه ليس سوى سلعة،استبدلت فيه العلاقات الانسانية المباشرة بأخرى رقمية تفاعلية مختصرة في الزمان والمكان إنها العولمة يا سادتي.

إنه ولا شك منحى تصاعدي عبر الزمن ليست من الممكن إطلاقا العودة فيه إلى الوراء..و مع ذلك يحق لنا أن نتساءل من باب التنبيه بالشيء:
إذا كانت السباحة عبر شبكات التواصل الاجتماعي أمرا محتوما قد أملتها ضرورة مسايرة نسق العصر فهل من الممكن عقلنتها من أجل التحكم بها حتى لا ندعها تتحكم فينا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا