الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرية الصحافة بين الشخص الطبيعي والشخص الاعتباري في فكر المفكر المنبوذ - معمر محمد عبد السلام أبو منير القذافي (1942-2011)-

لحسن وحي

2020 / 6 / 27
الصحافة والاعلام


تعتبر الصحافة مجالا واسعا وفضاء خصبا للتعبير عن الرأي، ويقصد بذلك أنها تقوم على استطلاع الحياة البشرية العامة والخاصة، في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحياة اليومية للإنسان بوجه خاص، اعتمادا على مجموعة من الوسائل والوسائط التي يتبلور فيها تطور النشاط الصحافي للإنسان فكرياً ومعرفياً ومهنياً وتقنياً إن لم نقل انطولوجياً، وحضور الصحافة في الوجود الإنساني ومرافقتها له في تاريخه الإعلامي، فرض عليه التعبير عن رأيه اتجاه مجتمعه وموطنه وكذا البوح بما في داخله. إلا أن الإنسان المعاصر أصبح يفكر ويعيش بواسطة الإعلام والصحافة، وهذا أمر جعل من الصحافة محط حديث ومجال فكر يمكن لأي مفكر أن يكتب فيها وعنه كذلك، سواء أكان صحفياً مرموقاً أو إعلاميا ساذجاً أو غير ذلك، لكنها في حقيقة الأمر تبقى مجالا يضم فئات المجتمع بمختلف درجاتها الطبقية والمادية والبيئية والفكرية.
يمكن إذن أن نتساءل عن دلالة ومعنى الصحافة في فكر المفكر المنبوذ " معمر محمد عبد السلام أبو منير القذافي (1942-2011)" ضمن كتابه المسمى ب " الكتاب الأخضر":
بأي معنى يمكن الحديث في عصرنا الراهن عن حرية الصحافة؟
بأي معنى يمكن القول أن الصحافة عنصر حاسم للتعبير عن أراء الجماهير؟
هل ينحصر دور الصحافة والإعلام في الكشف عن الواقع أم أنهما وسيلة في يد تتحكم فيهما لتقلب الواقع وتشوهه وتبرره في الأخير؟
إن المجتمع في نظر " معمر القذافي" يتكون من عدة أشخاص طبيعيين، ومن عدة أشخاص اعتباريين، لكنه يميز بين النوعين ، فيعتبر الشخص الأول بمثابة الشخص الطبيعي الحر الذي يعبر عن نفسه بحرية تامة ولا يمثل في تعبيره داخل المجتمع إلا نفسه فقط، أما الشخص الثاني فهو شخص اعتباري حر في تعبيره عن شخصيته الاعتبارية ويمثل في المجتمع مجموعة من الأشخاص الطبيعيين المكونين لشخصيته الاعتبارية، وفي هذا الصدد يقول " معمر القذافي" ضمن كتابه المسمى بالكتاب الأخضر:" تعبير شخص طبيعي عن أنه مجنون مثلاً لا يعني أن بقية أفراد المجتمع مجانين كذلك."[1] ما يقصده " معمر القذافي" من هذا القول أن الشخص الطبيعي يعبر عن نفسه فقط في المجتمع ولا يعبر بالضرورة عن باقي أفراد المجتمع، في حين يعبر الشخص الاعتباري عن مجموعة الأفراد الطبيعيين المكونين لشخصيته الاعتبارية وذلك كله قصد مصلحة ومنفعة لهم، إذ يقدم لنا " معمر القذافي" مثالا على هذا الأخير قائلا: " فشركة إنتاج أو بيع الدخان لا تعبر مصلحياً إلا عن مصالح المكونين لتلك الشركة . . أي، المنتفعين بإنتاج أو بيع الدخان حتى وهو ضار بصحة الآخرين." [2]
ليس هناك اتفاق على ماهية الصحافة، وعلى قيمتها وتأثيرها في المجتمع، فإما أن يتوقع الإنسان منها كشف الواقع كما هو، وإما أن يعتبرها مجال صراع وتضارب للمصالح، والواقع أن الصحافة نشاط إنساني يستقي جدوره من المجتمع الذي يعبر عنه بطريقة ما، مجال يتيح تفسيرات وتأويلات عدة حول المجتمع نفسه، سواء أكانت تأويلات متناقضة ومتضاربة أو متآلفة ومتماثلة متطابقة. فآن للقذافي أن يبدي وجهة نظره ويقف وقفة فلسفية عند ماهية الصحافة، يتصور " معمر القذافي" الصحافة وسيلة تعبير للمجتمع، وليست وسيلة تعبير لشخص طبيعي أو معنوي، ولا يمكن أن تكون ملكاً لأي منهما (الشخص الطبيعي والشخص الاعتباري (المعنوي)) إذا نظرنا إليها من الباب المنطقي الديمقراطي.
كما يصر " معمر القذافي" بأن امتلاك الفرد صحيفة خاصة لا تعبر بالأساس عن الرأي العام بقدر ما تعبر عن صاحبها بوجه خاص، ولا يمكن ادعاء ذلك أبدا فما هو خاص يبقى في دائرة الفرد الواحد ولا يتعداه، فالشخص الاعتباري يعبر في الواقع عن رأيه أو عن رأي الجماعة التي شكلته وينتمي إليها.
وعلاوة على ذلك، لا يحق في نظر " معمر القذافي" للفرد الطبيعي امتلاك منبر عام أو وسيلة عامة واحتكارها لنفسه فقط، في حين يحق للفرد أن يعبر عن نفسه بأي وسيلة جنونية ليبرهن على جنونه الخاص لوحده، ويقدم لنا " معمر" مثالا عن ذلك قائلا: " إن الصحيفة التي يصدرها حرفيون مثلاً هي وسيلة تعبير لهذه الفئة من المجتمع فقط."[3] ما يفهم من هذا القول، أن صحيفة لفئة معينة لا تعبر بالتحديد عن وجهة نظر الرأي العام ككل، بل مقتصرة على الفئة التي صدرتها، ونفس الشيء ينطبق على جميع الحالات المكونة للأشخاص الاعتباريين وللأشخاص الطبيعيين في المجتمع.
وفضلا عما للصحافة من فائدة في فتح أفاقٍ جديدةٍ للإنسان للتعبير عن رأيه وأراء مجتمعه بصفة عامة، فإنها تساهم بشكل خاص أو عام في تكريس نظرة موحدة عن الواقع إذا ما وجدت في يد تحتكرها بطريقة بشعة استغلالية سوقية، إلا أن هناك تباين بين الصحافة الناجحة والصحافة الفاشلة، وفي ظل هذا الاتجاه، نجد " معمر القذافي" أجاز هو الآخر بأن الصحافة الناجحة هي الصحافة المكونة من كل طبقات المجتمع، وهي التي يمكن أن نطلق عليها اسم الصحافة الديمقراطية المعبرة عن المجتمع ككل، والحاملة أيضا لوجهة نظر كل الفئات في المجتمع، تحت ما يسمى بالإعلام الديمقراطي. وما يبدو مؤكدا، في وقتنا الحاضر، هي الحدود الفاصلة بين التفسير والتأويل الذي تقدمه الصحافة عن الواقع وبين ما يحدث في الواقع ذاته، هذا ما جعل " القذافي" يلغي إمكانية الشخص الطبيعي في التعبير عن رأي للآخرين، مفسرا ذلك بأن الشخص الطبيعي لا يحق له ديمقراطياً التعبير عن أكثر من رأيه ، أي بمعنى أدق لا يحق للإنسان التصرف والتعبير عن رأيه مدعيا أنه رأي عامة الأفراد المجتمع، ونفس الشيء ينطبق على الصحيفة الخاصة، إذ لا يحق لها إلا أن تكون رأي صاحبها ومصدرها.
ما دامت الصحافة في ابتكارها وتطورها، تشير إلى علاقة الإنسان بالمجتمع وإلى وظيفة الإنسان كإعلامي وصحافي، فكان لزاما عليها أن تحاول تحليل هذه العلاقة، على اعتبارها ذات بعد توجيهي تأثير في الإنسان في علاقته بالمجتمع. ولا مناص إذا من وجود مشكلة تواجه الصحافة والصحافين، ألا وهي مشكلة حرية الصحافة، ويربط " معمر محمد عبد السلام أبو منير القذافي " مشكلة حرية الصحافة بمشكلة الديمقراطية، معتبرا أصل مشكلة حرية الصحافة راجع إلى مشكلة الديمقراطية نفسها، فتحقيق حرية الصحافة رهين بتحقق الديمقراطية.
يمكن القول إذن أن الصحافة تشكل المنبر الإعلامي العام في بعده التاريخي وفي بعده المكاني أيضا، وهذه الأبعاد تجعلها محطة تعبير ومنصة إبداء الرأي العام والخاص (الشخصي)، ولا يقبل ديمقراطياً أن تكون في يد محتكرة لها، سواء أ كانت أقلية أو فئة أو فرد واحد، المهم أن تبقى وسيلة تعبر عن آراء كل فئات المجتمع، من صغيرهم الضعيف إلى كبيرهم الأقوى دون احتكار أو هيمنة أو اقصاء.
المصدر المعتمد والإحالات:

معمر القذافي، الكتاب الأخضر، منشورات المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر، طرابلس- ليبيا، 1975.
[1]: معمر القذافي، الكتاب الأخضر، الفصل الأول: حل المشكل الديمقراطية: سلطة الشعب، منشورات المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر، طرابلس- ليبيا، 1975، ص 67.
[2]: المصدر السابق، ص 68.
[3]: المصدر السابق، ص 69.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل