الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العادة السرية والمسألة الجنسية عند - إيمانويل كانط-

لحسن وحي

2020 / 7 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


العادة السريّة والمسألة الجنسية عند " إيمانويل كانط (1804 – 1724م)"
إن الإنسان كائن كغيره من الكائنات الحية، غير أنه ينفرد عن سائر الكائنات الحية بملكة العقل، فهو ليس مجرد كائن حي وحيوان عاقل بقدر ما هو كائن مريد ومفكر وواع، إضافة إلى كونه كائناً راغباً. ومن البديهي إذن أن له حاجات ورغبات، قد يتشابه في بعضها مع جل الكائنات الحية أو يختلف عنها باختلاف في النوع وفي طريقة العيش، وقد تكون هذه الحاجات والرغبات فطرية فيه أو مكتسبة إما عن طريق التلقين، وإما عن طريق التعلم والتكرار، ومن بين الرغبات التي لا تقل أهمية عن الأكل والمسكن، نجد الرغبة الجنسية أو الغريزة الجنسية والتي من خلاها يحافظ الإنسان عن نوعه ويضمن استمراريته، عن طريق التوالد، فالغريزة توجد في الإنسان كما توجد في سائر الكائنات الحية من حوله، لكنها تختلف اختلافاً واضحاً بين الإنسان وباقي الكائنات الحية، بحيث نجد الإنسان يتعدى حدود رغبته الجنسية إلى محاولة امتلاك الطرف الآخر والظفر بحبه: أي يريد أن يصير محبوبا لدى الطرف الآخر[1].
ولأن الإنسان هو الكائن والحيوان الوحيد العاقل والواعي فهو يسعى إلى تحقيق نشواه الجنسية سواء بممارسة الجنس تحت المؤسسة الزوجية الشرعية أو بممارسة الجنس خارج إطار الزواج، إلا أن الجانب البهيمي في هذا الإنسان ميوله إلى ممارسة الجنس بالخلو سرياً بذاته أو بما يُعرف بالعادة السرية لدى عامة الناس، إلا أن مسألة الجنس والعادة السرية عموماً، مسألة نادرة التناول برغم من أهميتها البالغة، ومن خلال هذا المنطلق ألا يحق لنا أن نضع جملة من التساؤلات:
- كيف تنظر فلسفة" كانط" إلى العادة السرية؟ هل كفعل شنيع وفظيع وغير مقبول أم كفعل لا أخلاقي يلزم التعامل معه بحذر وتريث والإفصاح عن خطورته؟ وما البواعث التي تؤذي بالإنسان لممارستها؟ وهل من سُبل للحد منها؟ وهل يمكن أن يحقق لنا الإشباع الفعلي ما تصبوا إليه رغبتنا الجنسية؟ وفي الأخير، ما آفات الاتصال غير الشرعي بالآخر وممارسة العادة السرية على صحة الإنسان في بعده الجسمي والأخلاقي، من منظور"إيمانويل كانط"؟
قد تبدو هذه التساؤلات في ظاهرها، حديثة راهنة تتعلق بالواضع الجديد للمراهق بوصفه محور حديثنا وللإنسان بصفة عامة، إلا أنها في جوهرها، تنبش في ما هو كائن ومعاش في الأوساط الاجتماعية الانسانية مادامت تنطلق من الإنسان إلى ذاته وإلى أغياره. وفي نفس السياق؛ فإنه لا يمكننا أن نستغني عن الفكرة القائلة بوجود وتفشي فعل العادة السرية في أوساط المجتمعات البشرية، كما لا يمكننا نفي أثارها الوخيمة على صحة الإنسان، باعتبارها فعل لا-أخلاقي، يستهدف الإنسان في تكاثره ويخل بالنظام الطبيعي الوجودي الإنساني، بل ويستهدف أيضاً النظام الأخلاقي.
يعد "كانط" من أعظم البنية الفكرية التي صاغها العقل البشري، فلا زال يشكل تلك الطفرة الجوهرية في الفكر الفلسفي العالمي عامة والفكر الفلسفي الحداثي خاصة، وقد سعى "كانط" إلى دراسة وتحليل المسألة الجنسية ومشكلة العادة السرية من منظور نقدي حداثي مبرزا خطورة هذه الفعل اللا-أخلاقي على جسد الإنسان وعلى مدى تأثيره على صحته بصفة عامة، وما يؤكد ذلك قول "كانط": «ولا شيء يضعف عقل الإنسان وجسده من التمتع المّوجه على الذات»[2]وبهذا؛ يتصور"كانط" فعل العادة السرية كفعل دنيء يتناقض بل ويتنافى مع الطبيعة الإنسانية، ولا يجوز اخفاءه وكثم الحديث عنه سواء للأطفال المراهقين وكل الفئات الشابة، بل يلزم شرحه والوقف عنده، لتفسير كل ما فيه من أمور تثير الاشمئزاز والغثيان، نهيك عن كونه فعل مشروط بالفراغ يسلب للإنسان قواه الحيوية بمجرد التفكير فيه فقط.
يميز "كانط" بين نوعان من الميل، الميل الأول: هو الميل نحو الجنس الآخر، قد يتعرض الإنسان فيه لشيء من المقاومة والقمع، الذي يبديه الآخر اتجاهه وبذلك فليس بمقدره إشباع رغبته الجنسية، وهذا الميل يتم تحديداً في نطاق ما هو لا شرعي، أما الميل الثاني: فهو الميل نحو الخلو بالذات وممارسة العادة السرية، ومن خلال هذا الميل على الذات يتم إشباع المراهق والإنسان بصفة عامة رغبته، في كل وقت رغب في ذلك، ويتم هذا الميل في نطاق ما هو محرم ومنبوذ.
لذا، يرى" كانط" أنه من الواجب إخبار كل من سولت له نفسه إقامة هذا الفعل، أنه بشكل واضح، يصبح غير مفيد في تكاثر النوعي للبشر، ومن آفات هذا الفعل أولاً: هلاك القوى الجسمية للإنسان وفناءه، ثانياً: يصبح الإنسان معرضا للشيخوخة المبكرة، ثالثاً: انهيار قواه العقلية بشكل جزئي أو كلي. ومن حيث النتائج فمن المؤكد أن "كانط" أظهر أثار العادة السرية على جسم الإنسان مؤكداً أن لها أضراراً خطيرة جدا على القوى العقلية والجسمية، لكن من الناحية الأخلاقية فلها أشد سوءً إذ يتجاوز الإنسان حدوده الطبيعية إلى الميل الاندفاعي البهيمي الغير المبرر، فالإنسان بممارسته الرذيلة (العادة السرية) لا يحظى بإشباع حقيقي لرغبته بل يزداد تعاسة برغم من ممارسته المتكررة لها والنتيجة ميوله نحو الخمول والكسل.
كل هذا بلا ريب، دفع " كانط" إلى وضع توجيهات وأسس بيداغوجية لمعالجة هذا الفعل المنحط، والحل في نظره يقتضي إقامة مراسم يومية تُشغل الإنسان عن نفسه، وتلهيه عن الخلو بذاته والجلوس لمفرده، بمعنى أخر ضرورة ممارسة نشاطات متنوعة بهدف طرد مثل هذه الأفكار ومنع تكريس كل الوقت في النوم والفراش أكثر مما هو ضروري عند الحاجة.
لكنه؛ في نظر "كانط" كان لزاما علينا بل وجب أن نناقش مع أطفالنا المراهقين البالغين الأمور الجنسية، ومن العيب في اعتقاده أن نتركهم في دائرة الجهل والغموض بمثل هذه الأشياء التي من المفروض أن نقولها لهم وهم في الثالثة أو الرابعة عشر من أعمارهم، وفي اخبارهم بمثل هذه الأمور الجنسية وجب أن يكون الكلام في غاية الجد وبصورة واضحة حازمة دون مراوغة ودوران أو لفّ، لأن في تناول مثل هذا الأمور بشكل جزئي لا يفيد شيئاً، فقلّ ما نقول لهم التفاصيل المهمة أو نضللهم بطريقة غير مباشرة وإن كان من الواجب الإفصاح لهم عن مثل هذه الأشياء بدقة لإرشاد سلوكاتهم.
لقد حاول "كانط" إذن أن يكشف لنا البعد السلبي للعادة السرية وأثارها الوبيل على القوى الجسدية والقوى العقلية للإنسان، في مقابل ذلك دعانا إلى ضرورة الحديث والتكلم مع مرهقنا في الأمور الجنسية لكن بطريقة لائقة يكون فيها نوع من الجدية ومراعاة مراحلهم العمرية. وما يترتب عن هذا كله، إدانة "كانط" للعادة السرية، وذلك لتناقضها مع طبيعة الإنسان، التي تبتغي التكاثر النوعي والحفاظ عليه، يرد "كانط" قائلا في مشكلة العادة السرية: «فتقوم في سوء استعمال ملكة الجنسية دون أي غرض (...) ولا شك في أن هذا مضاد لغايات الإنسانية، بل وأيضا مضاد للحيوانية. إن الإنسان بهذا الفعل يتجرد من شخصه، وينزل إلى أحط من مستوى الحيوان»[3] وما يفهم من هذا القول[بالنسبة لي]، اعتبار فعل العادة السرية فعل لا غرضي ولا هادف يتنافى مع إنسانية الإنسان، ويحط الإنسان في أدنى رتبة وإلى مستوى يمكن أن يكون الحيوان أشرف منه منزلة فيه. وباختصار فالعادة السرية هي استعمال غير الطبيعي لملكة الجنسية، استعمالاً يُسيء لإنسانية الإنسان، في بعده الأخلاقي، ملحقاً أضرار وخيمة على الجسم والعقل، على النحو الذي عبّر عنه"كانط" في قوله أعلاه.
فالطبيعة غرست في الإنسان حب الجنس بغية المحافظة على نوعه، وهي غاية طبيعة وليس مجرد وسيلة لإشباع رغبة حيوانية، وبالتالي فعندما نمعن النظر في ما يرمي إليه "كانط" في هذه المسألة نلاحظ أنه، يشير بدقة إلى اعتبار الجنس غاية تمنحها الطبيعة للإنسان قصد الحفاظ عن نوعه، وبذلك يرى أنه لا يحق للإنسان استخدم شخصا آخر لتحصيل وتحقيق اللذة إلا بموجب عقد قانوني يوضع بينهما، لغرض إنساني. ولأن الشهوة الجنسية هي استسلام لإغراء حيواني في الإنسان، فهي مضادة للطبيعة وللمهمة التي خُلق بها الإنسان إذ ما تم استعمالها بشكل خاطئ، بهدف تحقيق للذة فقط دون السعي للحافظ عن نوع ولا حتى على تكاثر البشري، وفي هذا الصدد يدرج "عبد الرحمن بدوي" قول "كانط" في مذهب الفضيلة ( الترجمة الفرنسية ص 99): « إن الشهوة مضادة للطبيعة إذا لم يكن دافع الإنسان إليها هو الغرض الحقيقي، بل تخيل هذا الغرض الحقيقي تخيلاً من عنده مضاداً للغاية الحقيقية (من هذا الفعل). والواقع أن الرغبة تثير حينئذ رغبة مضادة للغاية التي تستهدفها الطبيعة، وهي رغبة أهم من حب الحياة، لأن هذا الأخير لا يتعلق إلا بالمحافظة على الفرد؛ بينما الأول يتعلق بالجنس البشري كله» [4].
من هنا يتجلى واضحا، أن كل استعمال للعادة السرية هو مضاد للطبيعة للملكة الجنسية وانتهاك لكل ما هو فضائلي أخلاقي في الإنسان، وانتهاك أيضاً للواجب نحو الذات وللغرض الطبيعي الذي وُجد الإنسان لأجله، وبهذا الفعل يسلب الإنسان الاحترام لذاته أولاً ويجعلها موضع استمتاع واشمئزاز ثانياً، ويسيء لأخلاقيته ككائن أخلاقي ثالثاً، إذ يكون الإنسان بشكل ما قد تخلى عن شخصيته ذلك لاستخدامها كوسيلة لإشباع نوازعه الحيوانية، لا كغاية إنسانية نبيلة، لكن في ما هو أخلاقي على الإنسان ألا يفعل ما يتنافى مع غاية وجوده؛ ففي بعض الأحيان يكون الميل الجنسي حباً وهو أعظم لذة جنسية، لكنه ليس مجرد لذة حسية ذوقية، بل هو لذة شعورية ينعم بها الإنسان فور لقاءه بمن يحبه ويبادله نفس الشعور، وتنسب لذة الحب إلى ملكة الرغبة أي إلى الوجدان العاطفي للإنسان، وبالتالي فلا يمكن أن يكون موضوع إحساس أو موضوع إشباع وإرضاء بل هو لذة من نوع نسيج واحد.
[..] والأفضل، بل هذا هو واجبه، أن ينتظر البالغ حتى يتيسّر له أن يتزوج على نحو معقول، آنذاك لن يتصرف فقط بوصفه رجل خير، بل هو أيضاً بوصفه مواطناً صالحاً[5] هذا هو التعبير الأدق الذي يخلص ما نود قوله في خاتمتنا، ولعل الإنسان الخيّر[بالنسبة لي/من خلال ما فهمته من "كانط"]هو الذي بوسعه الانتظار لبعض الوقت لتتهيأ له الظروف للزواج الشرعي، بعيدا عن الاتصال الغير شرعي بالجنس الآخر أو ممارسة الرذيلة (العادة السرية)، لأن في هذين الأخيرين كثير من الأذى للنفس وللجسم وانتهاك للنظام البشري في هيكله الطبيعي والمدني أيضاً، وأكيد أنه إذا ما اعتبارنا المسألة الجنسية مسألة غائبة في النقاشات العامة، بل منعدمة بشكل تفصلي استقصائي، وإذا ما اعتبارنا الجنس غريزة تنمو وتتطور في المراهق دون معرفة موضوعها، فإنه يلزم بل ويجب التكلم عنها دون حشمة وخجل أو تحفظ، فالمسألة خطيرة جدا تستدعي توعية وتعريف إن لم نقول تتطلب تربية جنسية صارمة.
إن الشيء الوحيد الذي ينبغي قوله كخلاصة تتويجيه لما سبق، هو ما إذا اعتبارنا الإنسان كائناً أخلاقياً خُلق كغاية لا كوسيلة، فإن العفة واجبه نحو ذاته للحفاظ على نفسه وللحفاظ على نوعه وضمان صحة نفسية وجسمية سليمة، إلا أن العادة السرية(مسألة الجنسية) تبقى إشكالية اجتماعية وسيكولوجية تحتاج بحثا فلسفيا عميقا ومزيدا من التعريف والكشف.

المصادر والمراجع المعتمد والإحالات:
 الدكتور عبد الرحمن بدوي، فلسفة الدين والتربية عند كنت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت، الطبعة الأولى ١٩٨٠.
 إمانويل كانط، الأخلاق عند كنت، عبد الرحمان بدوي، الناشر وكالة المطبوعات ٢٨ شارع فهد السالم- الكويت، ط ١٩٧٩.
Eric Weil Logique de la philosophie ،Vrin 1967pp.7_8[1]:
[2]:الدكتور عبد الرحمن بدوي، فلسفة الدين والتربية عند كنت، القسم الثاني: فلسفة التربية، الفصل الرابع: التربية الدينية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت، الطبعة الأولى ١٩٨٠،ص١٦٢.
[3]: إيمانويل كانط، محاضرة عن الأخلاق، ص٢١٤.
[4]:إمانويل كانط، الأخلاق عند كنت، عبد الرحمان بدوي، الباب الأول: الواجبات الكاملة نحو الذات، القسم الأول: واجبات الإنسان نحو ذاته بوصفه كائنا حياً، ب: دنس الشهوة، الناشر وكالة المطبوعات ٢٨ شارع فهد السالم- الكويت، ط ١٩٧٩،ص ١٨٧.
[5]:الدكتور عبد الرحمن بدوي، فلسفة الدين والتربية عند كنت، القسم الثاني: فلسفة التربية، الفصل الرابع: التربية الدينية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت، الطبعة الأولى ١٩٨٠، ص١٦٢.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي