الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النفط وكورونا والنصف الثاني من عام 2020.

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2020 / 7 / 6
الادارة و الاقتصاد


لا أحد ينكر أن الأزمة العالمية الي ضربت مفاصل الأقتصاد العالمي منذ أواخر العام الماضي 2019 وما زالت تتفاعل بمردوداتها السلبية، تشكل أكبر انتكاسه عالمية وضربة في صميم عملية التطور في بنية الأقتصاديات العالمية، ومنها الأقتصاديات الوطنية التي كانت تعتمد على النفط كمصدر رئيسي أو مهم في بناءه، وخاصة في تلك الدول التي لم تستكمل في الحقيقية مستلزمات وشروط الأقتصاد الحديث متعدد الجوانب، كما هو الأقتصاد العراقي ريعي أحادي التوجه والاتجاه ويشكل النفط ما نسبته 98% من مدخولات العملة الصعبة و93 بالمائة من إيرادات موازنة الدولة، وربما وصلت النسبة الأولى إلى 99.9 بالمائة حسب المؤسسة الألمانية للتجارة والاستثمار GTAI. مثل هذه النسب إن دلت على شيء فعلى ارتهان اقتصاد العراق بشكل شبه أعمى وكامل لريع سلعة واحدة هي النفط، فكيف إذا تدهورت أسعار هذه السلعة بنسبة تزيد على الثلثين في غضون أسابيع بسبب جائحة كورونا وفشل الدول المنتجة في وقف التدهور، ولا شك أيضا أن الأثار المدمرة ضربت بقوة هذا البنيان الأقتصادي الهش، كما أثرت بشكل واضح على الكثير من البلدان حتى الأكثر تطورا وأستقرار بالجانب السياسي والأقتصادي، تأثرا بالجائحة العالمية وأثارها المدمرة على كل جوانب الحياة بما فيها وبشكل رئيسي قطاع الأقتصاد الأساسي وصناعة النفط وتصديره تحديدا.
يواجه العراق هذه الأيام موجة من الاهتزازات البنيوية متعددة الجوانب والأسباب والعلات إلى جانب الفوضى السياسية الضاربة بأطنابها منذ سقوط بغداد بيد قوات التحالف، وأيضا تأثيرا بما قبلها من أثار صفحات الحرب السياسية والعسكرية والأقتصادية منذ عام 1980 ولليوم، مما نتج وبالتراكم الطبيعي والمتوقع مواجهة جملة من التحديات الأقتصادية تصل إلى حد العجز عن دفع رواتب موظفي الدولة وحصول نقص خطير حتى على صعيد توفير مستلزمات عيش أساسية لمواطنيه، ومع استمرار جائحة كورونا وتبعاتها الكارثية على سوق النفط يصبح استيراد الأغذية والأدوية صعباً، لا بل غير ممكن حتى ولو توفر المال اللازم لذلك بسبب العراقيل المتزايدة أمام التجارة الدولية، وتوجه الكثير من الدول إلى تخزين منتجاتها من الحبوب والزيوت والأغذية الأخرى والأدوية ووسائل الوقاية الصحية وغيرها بدلاً من تصديرها في زمن جائحة كورونا.
هذا الوضع الكارثي لا ينتهي في هذه النقطة تحديدا والعالم يتوقع الأسوأ مع أحتمالية تجدد في ما يسمى الموجة الثانية من وباء الكورونا وما يشكله من عبء أضافي على الأقتصاد العالمي عموما، كل التوقعات بالأرقام والمعطيات لا تبشر بحالة من الأستقرار الأقتصادي بالرغم من معاودة أرتفاع أسعار النفط العالمية ولو بشكل تدريجي ومتباطئ، فقد صرح بيورنار تونهوغن رئيس أبحاث سوق النفط في مؤسسة "ريستاد إنرجي" في بيان له إن "المخاوف من مواجهة موجة ثانية من الوباء تسيطر على أسس التجارة في جميع أنحاء العالم، بدءا من بكين وصولا إلى فلوريدا، الأسواق تتخبط في موجات من الخوف والجشع، وبدأت تشعر بالتهديد مرة أخرى، ومما يشار إلى أن أسعار خام برنت زادت في هذه الأثناء فوق 42 دولارا للبرميل بعد امتثال الدول لاتفاق تخفيضات الإنتاج، لكنها تراجعت بشكل كبير عن مستويات بلغتها في وقت سابق من الجلسة، وذلك على خلفية مخاوف من أن استمرار انتشار فيروس كورونا المستجد قد يقوض التعافي الاقتصادي للولايات المتحدة، مما أستدى أيضا أن يخفّض صندوق النقد الدولي توقعاته الاقتصادية عندما يصدر بيانات جديدة كان قد أعلن عنها من أن الناتج المحلي الإجمالي العالمي قد ينكمش بنسبة 3% هذا العام، وهذا ما صرحت المديرة التنفيذية للصندوق كريستينا جورجيفا أخيرا بأن هذا الوباء كان ولا يزال ينتقل إلى البلدان بشكل تسلسلي ومستمر، مع إدراك أن الوباء لن يختفي تماما "حتى نضمن خلو جميع البلدان منه"..
هذه الصورة القاتمة والمشوشة قد تنذر حقيقة بما هو أسوأ على الأقتصاد العراقي تحديدا وعلى أقتصاديات المنطقة بشكل عام، ويشكل قلقا حقيقيا على مدى قدرة هذه الأقتصاديات بالصمود والتوائم مع متطلبات الحياة اليومية لمواطنيها، فضلا عن قدرتها على مواجهة التحديات المرتبطة بالجائحة بشكل خاص، ويرى مراقبون أنه لا حل كبيرا لقطاع النفط ما لم ينته هذا الوباء، وقال الخبير الأستراتيجي في الأسواق في مجموعة "آي جي" جينغيي بان إن "المسار التراجعي العلني قد يبقي الأسعار منخفضة في الأمد القريب إلى أن نرى الضوء في نهاية النفق مع استئناف تدريجي للنشاط الاقتصادي المتوقف في جميع أنحاء العالم"، عليه لا بد للعراق من التفكير بطريقة أخرى ومختلفة في التعامل مع هذه الأثار الكارثية وليس أنتظار الحل من خارج الواقع العراقي بأعتماد فرصة تدعيم وإعادة هيكلة الأقتصاد العراقي وتنويعه وتشجيع جوانب معطلة ومعزولة بفعل قرار سياسي محلي، وأقصد به الجانب الزراعي والصناعي والخدمي تحديدا لما يملكه من قوة حقيقية غير مستغلة يمكنها أن تعوض ولو جانب مهم من بنية الأقتصاد العراقي المدمر أصلا.
ولعل أهم درس تعلمه العراق من أثار الجائحة هو أن إنتاج السلع الضرورية من أغذية وأدوية ووسائل الوقاية من الأمراض والأوبئة ينبغي أن يتم بشكل محلي دون إعطاء عاملي الربح والخسارة الأولوية، ومما يعنيه ذلك أن دوراً أكبر للدولة في الاقتصاد قادم لا محالة على حساب الرؤية القديمة التي مكنت النفط ولوحده من تأمين الموارد المالية ليتم لاحقا إنفاقها بشكل غير مدروس ولا منضبط تحت رؤية أستراتيجية تدعم الأقتصاد المحلي وتهتم بالبنية التحتية التي تمكنه من أن يكون بديلا فاعلا في ظل أزمات تتلاحق واحدة بعد الأخرى، العراق البلد الذي كاد أن يتحول من بلد زراعي- صناعي إلى بلد نفطي بسرعة تحبس الأنفاس على حساب زراعته وصناعته التي أصابها الإهمال والخراب والجفاف والحروب والزحف العمراني وتجريف الأراضي والفساد وقلة الحوافز المقدمة للمنتج الزراعي، لا بد له الآن وحفاظا على وجوده السياسي والأقتصادي أن يعيد ترتيب أوراقه الأقتصادية من جديد، لا سيما أن هذا التدهور يأتي أيضاً في وقت وضعت فيه الحكومة ممثلة بالهيئة الوطنية للاستثمار خططاً طموحة لتنويع مصادر الدخل الوطني، من خلال عشرات المشاريع التي ينبغي أن تساعد على النهوض بالخدمات المذكورة وصناعة البتروكيماويات وزراعات الحبوب والنخيل والخضار والصناعات الغذائية والدوائية.
الخلاصة التي ينبغي الإيمان بها أن مشكلة العراق الأساسية ليست في النفط ومشاكله وحدها بل بفقدان الرؤية والتخطيط والحرص على الأنفتاح على أحتمالات التغيير وتوقع الأسوأ دائما، وذلك لكونية أن الأقتصاد الوطني لأي دولة بما فيها الدول الأكثر تطورا وسعة في مجالات التحرك ووجود البدائل الجاهزة والمهيأة، هي ترتبط حقيقية بنظام أقتصادي عالمي موحد، من حيث أنماط التصرف والأسعار وتأثر ذلك كله بما يعرف أقتصاديا بالعوامل المشتركة الخفية، ومن هنا فنجاح العراق في معالجة وضعه الخاص يجب أن ينظر له من منظار أستراتيجي أكبر وعميق وحقيقي تدعمه الدراسات المحدثة وأن يقوده الكادر المهني المحترف والمدرب والمتخصص وأن يخرج من دائرة التأثير السياسي المحلي مراعاة للوضع الحزبي وصراع القوى الذي أوصله لهذه النهاية السيئة بالتأكيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إنتاج الكهرباء في الفضاء وإرسالها إلى الأرض.. هل هو الحل لأز


.. خبير اقتصادي: الفترة الحالية والمستقبلية لن يكون هناك مراعي




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 26-4-2024 بالصاغة


.. أمين عام -الناتو- يتهم الصين بـ”دعم اقتصاد الحرب الروسي”




.. محافظات القناة وتطويرها شاهد المنطقة الاقتصادية لقناة السو