الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحراك بين حلم جزائر الغد ومخاوف السقوط في الدولة الاسلامية (الجزء الأول)

مصطفى صامت

2020 / 7 / 11
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


لقد حافظ الحراك الوطني على نوع من التوازن بين تياراته الفكرية منذ بدايته، وقد ساهم القمع الذي مارسه النظام القائم على جميع الحراكيين دون استثناء الى خلق نوع من الوحدة و التوازن بين تيارات الحراك الى درجة بعث احساس واعتقاد جماعي لا شعوري بضرورة تجاوز كل ما يمكنه زعزعة هذه الرابطة والتجانس، فقد شهدنا في مسيرات الحراك صور جميلة ومعبرة، غير معهودة، جمعت الجزائري الاسلامي بقميصه ولحيته بالجزائرية العلمانية بلباسها العصري الغربي... ، لكن سرعان ما تسببت الاستراحة المؤقتة للحراك التي فرضها الحجر الصحي بعودة الصراع العلماني/ الاسلامي في وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأ معه تلاشي تدريجي ونسي لذلك الشعور الجماعي الاول حول ضرورة تجاوز الخوض في الايديولوجيات.

وقد بدأ مباشرة بعد الإعتداء الذي تعرض له عراب التيار العلماني بالجزائر الدكتور سعيد سعدي في فرنسا من طرف شخص يحسب على التيار الاسلامي حسب أفكاره التي روج لها على النت. الاعلام المأجور استغل القضية وروج لها بقوة لغرض تقسيم الحراك الشعبي، وسعيد سعدي ادان سكوت فصيل من التيار الاسلامي الممثل في حركة رشاد عن ذلك الفعل واتخذ من ذلك الصمت دليل ادانة وتواطؤ ، وبعد سلسلة من المقالات التي وجه فيها سعدي سهامه الى هذه الحركة خرجت رشاد وأتباعها للرد عليه.

يرى بعض من التيار العلماني أنه من الضروري وضع حد لتوغل الفكر الاسلامي الذي تروج له حركة رشاد، التي هي فرع من تنظيم الإخوان ويكون الفيس جزء منه كذلك، في اوساط الشباب خاصة من الجيل الجديد الذي لم يعش العشرية السوداء ولا تأثيرات ما سمي بالصحوة الاسلامية على المجتمع الجزائري الذي كانت له صورة عصرية جميلة في اوائل السبعينيات قبل أن يحل عليه السواد في الثمانينيات، فالتاريخ يذكر كيف استغل الفيس أحداث 5 أكتوبر وركب موجتها حتى وان كان جزء منها. وان كان تيار سعيد سعدي الذي بادر بقصف خصومه عبر مقالاته يدعم حتى الآن الحراك الوطني و منذ بدايته ، بل يُشهد له أنه كان من المفكرين القلائل الذين كانوا يخلقون ويغذون الحراك بالافكار السياسية العميقة والتنويرية ، يوجد هناك تيار آخر بتوجه علماني أكثر تطرفا قاطع حتى الحراك الوطني بحجة أن نتيجته ستكون احلال الدولة الاسلامية محل النظام القائم وهو ما سينقل حالهم من السيئ الى الأسوء، حسبهم، ويعتمدون في طرحهم هذا على فكرة أن اغلبية الشعب على ثقافة وتوجه اسلامي وأن الديمقراطية في نظهرهم هي حكم الاغلبية للاقلية وليس الحكم الذي يرعى ويصون حرية وحقوق كل الشرائح الاجتماعية دون اقصاء .

التيار الاسلامي من بقايا الفيس ورشاد ، حسب ما يعرف عن تاريخهم وفلسفتهم يمكن أن نقول أنهم اعتمدوا استراتيجية التقية (كتمان النوايا الحقيقية الى حين بلوغ الهدف ) التي تعتمد عليها كل التيارات الاسلامية لما تكون في موضع الضعف، أو أن ثقافة المجتمع الجزائري اليوم الأكثر تفتحا من سنوات التسيعينات لا تسمح لهم بالكشف عن أفكارهم الاسلامية الحقيقية، فقد حاولت تجنب الدخول في هذا الصراع قدر الامكان، حتى وإن قامت مؤخرا بالدفاع عن نفسها لكن عن طريق ممارسة اسلوب التخوين والتشويه والتسفيه المعروف عنها ضد خصومها بوصف سعيد سعدي مثلا بعميل الجنرالات وأن ما يقوم به تياره هو لحساب النظام قصد تحطيم وحدة الحراك . بدل مناقشة أفكاره خاصة من موضعها كحركة سياسية.

رغم هذا فيشهد للتيار الاسلامي، الذي هو تيار معارض، أنه اعتمد على خطاب وسطي منذ بداية الحراك قبل عودته الى اسلوب التخوين مؤخرا من بعض رواده . وقبل ذلك تسائل البعض إن كان علي بلحاج قد تَعَلْمَنَ بسبب تصريحاته الوسطية وهو الذي كان يكفر بالديمقراطية في التسعينات. فهل هو تغيير حقيقي تطوري أم مجرد خطاب سياسي مؤقت فرضته الظروف والمعطيات الراهنة سرعان ما سيتراجعون عنه بعد تغيير المعطيات ؟

لا ريب أن الخبرة قد جعلت التيار الاسلامي يدرك أن بلوغ السلطة في المرادية لا يمكن أن يتحقق إلا بتوحيد الصفوف وخاصة التحالف مع خصمه الايديولوجي من التيار العلماني الذي إن حدث وأن وقف في وجهه فلن يحصل على شيئ، وهو ما جعل تيار الفيس ورشاد يبالغ في مغازلة منطقة القبايل التي تعتبر معقل التيار العلماني بالجزائر بل وصل ذلك الى فتح قناة تلفزيونية بالقبائلية ( المغاربية2) . ويظن هذا التيار أن اسقاط النظام الحالي واجراء انتقال ديمقراطي بانتخابات شفافة مع الدعم المالي والسياسي الخارجي الذي تحضى به منظماته سيفضي دون شك الى حكم اسلامي اخواني في الجزائر يقدمه لهم الشعب الجزائري الذي يرون أن اغلبيته لازالت على القناعات السياسية في التسعينات.

من جانب آخر هناك تيار حراكي ثالث وهو الأكبر حجما والأكثر تأثيرا حتى الآن، اغلبية رواده من الجيل الجديد، مشكل من كل الشرائح الوطنية تقريبا، يرى أن حراكهم قد تجاوز هذه الحساسيات التي غالبا ما تكون المادة الدسمة التي يستثمر فيها النظام لنقل الصراع من الصراع العمودي (شعب/سلطة) الى الافقي (شعب/شعب) ، وأن السبيل الوحيد لبناء جزائر لكل الجزائريين هي توحيد الصف عبر حراك وطني سلمي يطالب بتغيير جذري يحقق دولة العدالة والمؤسسات المستقلة، جزائر الحريات والديمقراطية التي تصون حقوق وكرامة الجميع، جزائر الشعب والسيادة لا جزائر اللوبيات والجماعات والعمالة للقوى الأجنبية.
يرى هذا التيار أن اقامة دولة العادلة والمؤسسات المستقلة سيتقضي على مشاكل الهوية العالقة والأيديولوجيات المفتعلة لأغراض سياسية

وهذا التيار الأخير أصبح اليوم يحمل على عاتقه عبء ثقيلا يتمثل في ضرورة حل معادلة معقدة للرد على أسئلة التيار العلماني والاسلامي معا وأهم هذه الاسئلة هي:

- على أي أساس يطلب من الجزائريين تجاوز او السكوت عن هذه النقاشات الايديولوجية لحماية وحدة الحراك ونحن نعلم أن النظام الذي يناضل الحراك لعزله هو أصلا صاحب مبدأ تجاوز الحديث في الايديولوجيات والافكار المختلفة لحماية وصون الوحدة الوطنية، ثوابت الامة، الدولة، النظام، السلطة ... وكانت نابعة من فكرة احتقار لقدرات الشعب الذي قيل عنه " ميعرفش صلاحوا" ونتيجة ذلك كانت الحزب الواحد ونصف قرن من الركود . كما أن فكرة " ce n est pas le moment" التي تم اعتمادها في 1949 و 1962و 2014 ... هي سبب كل مآسي التيار التقدمي والديمقراطي ؟

- كيف يمكن أن تتحقق أهداف الحراك في ظل وجود اختلاف فكري عميق بين التيار العلماني و الاسلامي الاول يرى أن الدولة يجب أن تكون علمانية محايدة تحمي حقوق وحرية جميع الأفكار والتيارات بما فيها الافكار التي تعارض مبادئ الجماعات الاسلامية كحرية الضمير و فكرة المساواة بين الجنسين ... والحراكات الاسلامية التي ترى أن الديمقراطية هي حكم الاغلبية وبالمنظور الديني الذي لا يمكن للتيار الاسلامي أن يحكم دون أن يطبق أفكار الشريعة الاسلامية بما أنه يُعرف نفسه كحامي لهذه القيم الدينية كحزب اسلامي مثل التحكيم للشريعة وللفقه بدل الاحكام المدنية ؟

يتبع ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا