الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى إبنة الذئب .. الشهيدة الحية

كريم عامر

2006 / 7 / 11
العلاقات الجنسية والاسرية


قررت اليوم أن أكتب عنك ...
لا أعرف لماذا تأخرت فى إتخاذ هذا القرار ...
ولكن الصدمة التى تولدت عندى عن مأساتك التى قصصت علىَّ طرفا منها جعلتنى عاجزا عن مجرد التفكير فى أى شىء ...
هل هو منهار إلى هذا الحد ؟؟!!! ..
كنت أدرك ذالك منذ فترة طويلة ...
ولكن صدقينى ... إنها المرة الأولى التى ألتقى بها بإنسان يحكى لى عن مأساته بهذا الصدق وهذه الشفافية ..
لم أكن أعلم أن الذئاب تلتهم أبنائها ... إلا عندما أخبرتنى عن هذا الذئب الذى يدعونه والدك ..
إعذرينى إن كنت قد تجاوزت حدودى ... ولكننى لا أستطيع كتمان ما فى داخلى ..
صدقينى ... إننى أكرهه وأمقته وأبغضه أكثر منك .. على الرغم من أننى لا أعرفه ولم أراه ولا أعتقد أننى سألتقى به يوما ما ...
صعقت عندما أخبرتنى عن إعتداءه المتكرر عليك ..
وصعقت أكثر عندما أخبرتنى عن رد فعل عائلتك السلبى تجاه ما يحدث ...
وإنتابتنى حالة من الذهول عندما حدثتنى عن حادث إغتصابك وأنت لا تزالين طفلة فى بداية عقدك الثانى ..
هل إلى هذا الحد إنهار مجتمعنا ؟؟؟!!!
الحيرة تتملكنى لأننى لا أستطيع التعايش مع ما يحدث حولى ...
ولا أستطيع تقبل فكرة أنه أمر واقع ينبغى أن نتعامل معه ..
قتلوك وأنت على قيد الحياة ...
وياليت الجانى هو إنسان غريب لا صلة لك به ...
إنه - مع الأسف الشديد - أحد أسباب مجيئك إلى هذه الدنيا ..
تبا له من ذئب !! ..
كنت أنتوى الكتابة عن هذه الظاهرة ...
ولكن مالذى سيحدث عندما أكتب عنها ؟؟
هل سيتغير العالم ؟؟
هل سيلتفت هؤلاء الذئاب الى ما أكتبه ويعيدون النظر فى أفعالهم العدوانية تلك ...
لا أعتقد ..
فأخلاق الذئاب لا تتغير ... سوى إلى الأسوأ ...
ولا يؤثر فيهم سوى ما يجعلهم أكثر وحشية ...
وأشد إجراما ...
فلم أستغرب كثيرا عندما قلت لى أن هذا الذئب مسلم متدين ...
فلا أعتقد أنه بأفعاله تلك قد خالف تعاليم دينه الأصلية ...
فأنت وماتملكين ... ملك له ...
" أنت ومالك لأبيك " .. نص حديث منسوب إلى محمد ! ...
مشكلتك تكمن فى أن والدك لا يوجد قانون يردعه ...لا يوجد من يعاقبه أو يزجره ...لأن المنظومة الإجتماعية تشجعه على هذا ..ولأن تدينه الظاهرى يحول بينه وبين مجرد الشك فى سلوكه اللاأخلاقى الأرعن ...
* * * * * * *
أكتب عنك أنت ... ولا أريد أن أذكر حرفا يشير اليك ....
على الرغم من أنك لا تمانعين ذالك ..
فخوفى عليك من تعرضك لخطر أكبر أشد الف مرة من خوفى على نفسى ...
لقد زال بعض همى عندما أخبرتنى أنك تفكرين فى ترك المنزل والبحث عن عمل تساعدين به نفسك وتنفصلين عن هذا الواقع المر ..
ولكن همى زاد عندما وجدتك تعدلين عن هذا التفكير ..
أعرف أن الظروف أكبر منك ...
ولكن كان يجب أن تقهريها ...
إن كنت تعيشين فى مجتمع يحترم حقوق الإنسان ويقدس المرأة ... لكان مصير هذا الذئب هو السجن مدى الحياة ...
ولكنك وياللأسف ... تعيشين معنا ...
فى هذه البقعة الخربة المسماة مصر ..
مصر التى خربها العرب والمسلمون بعد أن كانت إحدى أهم حضارات العالم القديم ...
مصر التى هدمت بمعاول البداوة ....
مصر التى أصبحت ذكرى ... ولا أعتقد أنه ستقوم لها قائمة أخرى فى مستقبل الأيام ...
يقتلنى يأسى مما يحدث .. على الرغم من إيمانى العميق بأنه لا يأس مع الحياة ...
أجدنى متناقضا مع ذاتى ...
ومالذى يمكننى أن أفعله ؟؟؟
هل أنتحر ؟؟؟
لولا أننى أرى فى الإنتحار هروبا من المواجهة ... لإنتهى أمرى منذ زمن ..
ولكننى سأظل أؤرقهم ...
لن أدعهم يعيشون فى أمان وطمئنينة ...
على الرغم من قلى عتادى فى مواجهتهم ...
قلم يواجه قنبلة ...
لكنه لن يكسر بيدى يوما ما ...
لن يكسره سوى خفوت ضوء العين ..
وزوال حرارة الحياة ...
* * * * * * *
صدقينى ...
أرى فى مأساتك صورة ضوئية لنكباتنا ...
وأذوق فى مرارة ما تعانينه جميع ما نعانيه ونكابده ...
ونصبر عليه ...
نظن أن صبرنا سيؤدى إلى بلوغ المرام ...
تسكرنا هذه الخديعة ...
ونردد فى بلاهة منقطعة النظير ..
" إن الله مع الصابرين " ...
نظن أنه سيهبط من عليائه لينضم إلينا فى محننا ...
هل تصدقين هذه الأكاذيب ...
هل هناك من يترك الملك والسؤدد والسلطان والألوهية ...
ليعالج الناس .. ويشفى عاهاتهم ... ويغنى فقرائهم ..
أفكار مثالية لا وجود لها فى عالم الواقع ..
ولا حتى فى العالم الغيبى الذى يؤمن به الأغبياء ...
* * * * * * *
مأساتك هى مأساة هذا العالم ...
مالك ومملوك ...
الكل يرى فى من تحته عبيدا له ...
يريد أن يخضعهم ويذلهم ...
يسلب أموالهم .. وينتهك أعراضهم ...
هل تعرفين ماذا تذكرت عندما حكيت لى عن مأساتك ..
تذكرت ما قرأته عن المجاعة التى إجتاحت مصر فى أحد العهود المنصرمة ...
لدرجة جعلت الناس يأكلون أولادهم ...
هل تعلمين أن والدك هذا أسوأ الف مرة من هؤلاء ؟؟!!
بالطبع ..إنه أسوأ ...
بل هو الأسوأ على الإطلاق ...
والد يعتدى على إبنته فى المنزل ؟؟!!!
أين الحد الفاصل بينه وبين الحيوانات العجمى ؟؟!!!
أعتقد أنه قد زال تماما !!..
أعرف أن حالتك ليست فريدة ...
وأعرف أن أبواب المنازل المغلقة تخبىء خلفها الكثير من الأسرار والفضائح ..
فضائح لهذا المجتمع الشاذ المزدوج المتباين الوجوه ...
فضائح لا حد لها .. ولا أعتقد أنه سيكون لها حدود ...
صدمتنى صراحتك ... على الرغم من أننى أتمنى أن يكون الجميع مثلك ...
كنت أريد أن أغلق أذنى عن سماع هذه المأساة على وجه التحديد
أب يعتدى على إبنته ؟؟!!!!
إن كنا سنفقد الأمان فى منازل آبائنا ...
فهل يمكننا أن نعثر عليه فى أى مكان آخر ...
مستحيل ! ..
علينا أن نكف عن إنتقاد السلوكيات الجنسية المتحررة السائدة فى الغرب ...
وعلى مصطفى بكرى أن يكف عن النيل من " عمارة يعقوبيان " ...
وعلى نواب " الفضيلة " أن يحتجبوا فى جحورهم ...
فأنت لست فيلما سينمائيا مثيرا ...
ولست رواية قد نتهم كاتبها بالمبالغة ...
بل أنت حقيقة ماثلة أمامنا ...
نراك ونحاول أن نغمض عيوننا خجلا من الإعتراف بوجودك ...
ولكن إلى متى ؟؟؟
* * * * * * *
عندما إلتقيتك فى القاهرة قبل أسبوع ...
رأيت فيك إنسانة لم أتوقع أن التق بمثلها يوما ما ...
رأيت التمرد متجسد فى كيان بشرى يقف أمامى بكل رفضه وثورته ...
لم تبد لى وديعة مستكينة كما كنت أتوقع ...
وكما كنت أرى معظم نساء بلدى المنكوبة ...
تشبهيننى كثيرا يا ( ... ) ...
لن ينزلق لسانى لأكتب إسمك ...
فخوفى عليك يحول بينى وبين ذالك ...
أزداد إعجابى بك عندما أخبرتنى أنك أقنعت شقيقتك بأن تخلع الحجاب ...
خطوة لم أستطع أن أفعلها مع أقرب المقربين إلىَّ الملفوفين فى الأكفان السوداء ..
وهن على قيد الحياة ...
لمحت ما يشبه الصليب متدل من عنقك ...
إستغربت فى البداية ...
فكما أخبرتنى عن نفسك ..
أنت ملحدة ...
ولكن إجابتك شفتنى ...
شعار نسوى ...
فرحت أكثر ..
وإنتظرت أن ترافقيننا فى الرحلة كما وعدتنى ...
ولكنك تغيبت ...
شعرت منذ البداية أن هناك ثمة شىء قد حال بينك وبين ذالك ...
ولكن تخمينى لم يستطع أن يتجاوز دائرة المعوقات البسيطة إلى المآسى الجارفة ...
رسالة إعتذارك لا تزال فى صندوق رسائل هاتفى ...
رسالتك لا تزال فى جيبى ...
كدت أبكى عندما قرأتها ...
بل بكيت دون أن يشعر أحد ...
أدميت قلبى يا ( ... ) ..
هل إلى هذا الحد قد إنهار ؟؟!!!
هل إلى هذه الدرجة أصبح لا فرق بيننا وبين العجماوات ...
هل أصبحنا نستسهل الإعتداء على من هم أقل منا قوة ؟؟!!
هل أصبح قانون الغاب هو القانون الوحيد الذى يحكم علاقاتنا وسلوكياتنا ؟؟!!!
هل تردينا فعلا إلى هاوية زوال الفروق بين والد الإنسان ووالد الحيوان ؟؟!!!
تعجز الكلمات ...
وتتهاوى مقدرة الحروف ...
عن التعبير عن ما يحدث ...
فنحن فى زمن ساد فيه النفاق ...
وأصبحت الحقيقة ثقيلة على العقل ...
قبل أن تكون غير مؤهلة للنطق بها على أطراف اللسان ...
* * * * * * * * *
نعيش فى زمن الرِدة ...
وياليتها رِدةٌ إلى زمن قريب ...
إنها رِدةٌ إلى مرحلة ما قبل التطور البشرى ...
مرحلة القرد الذى تطور نسله ليكون العائلة البشرية ...
* * * * * * *
مالفرق بين والدك .. وبين مغتصب الفتاة العراقية ؟؟!!!
ذئبان ...
فرقهما الدين ...
وشتت شملهما إتساع الكرة الأرضية ...
وجمعت بينهما أخلاق الذئاب ...
ولكن الذئب الأمريكى ...
إفترس فتاة قد يعدها من أعدائه ...
والذئب المصرى العربى المسلم ...
إفترس من يفترض أنه قطعة منه ...
هل رأيت إنسانا يلتهم جزءا من جسده ؟؟!!!
إنه أباكِ !! ..
* * * * * * *
أعرف منذ فترة أنه منهار ...
ولكننى أبيت أن أقبل بذالك ...
وهربت من الإعتراف بأن أنفاسى ستكتمها يوما ما أنقاضه ...
ولكننى الآن مجبر تحت ضغط صداقتك وحبى الشديد لك على الإعتراف بذالك ...
ولكن ... هل سيجدى الإعتراف بمشاكلنا شيئا ..
ربما ! ..
صدى يتردد داخلى ...
أن السبب فى نكباتنا هو تهربنا من الإعتراف بحجم مشاكلنا ...
ترين هذا صحيحا ؟؟!!
وهل هذا دافعك لتكونى صريحة معى فى هذا الأمر الذى ينظر مجتمعك إليه على أنه حساس وشائك ؟؟!!!
أعتقد ذالك ...
* * * * * * *
نهايتنا قد أزفت ...
فنحن - مع الأسف الشديد - على شفا هاوية ...
أكرر هذه العبارة كثيرا ...
وأنا أتقطع من داخلى ...
لأننى أعلم جيدا أننا نتردى ...
ومن حولى يجهلون ذالك ...
يظنون أن وضعهم هو الأفضل ...
ويرون وجوههم فى المرآة الأجمل ...
وهم أقبح من المشوهين ...
هل هو منهار إلى هذا الحد ؟؟!!!
أجيبك يا ( ... ) وكلى حزن وأسى وألم ...
نعم ...
لقد إنهار ...
ولا أمل فى إصلاحه وإعادته إلى سابق حاله ...
الأمر قد يحتاج إلى عقود ...
إن لم يكن قرون ...
وأعتقد أن منيتنا سيمضى عليها الكثير عندما نعود آدميين كنا ...
فمجتمعنا فى حاجة إلى أن يتطور مرة أخرى كما تطور أسلافه القرود ...
ولا أستبعد أن يظهر عالم آخر يؤسس لنظرية جديدة عن " تطور الإنسان المرتد " ...
ولكن عظامنا ستكون قد تحللت وشبعت تحللا وقتها ...
* * * * * * *
نعم ...
مع الأسف الشديد ..
لقد إنهار مجتمعنا ...
ولا أمل فى إصلاحه وإعادته إلى سابق حاله .. كما كان ! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإعلامية دانيا جمال


.. الناشطة المدنية ورئيسة مجلس إدارة منظمة هيروديت للتنمية المس




.. رئيسة منظمة مراس للتنمية بسمة الورفلي


.. لوحة الرحلة الأخيرة




.. -الإشهارات تسيء وتهمش دور المرأة المغربية-