الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتى أنت يا أسامه

عبد المجيد راشد

2007 / 6 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


أتى على أسامة أنور عكاشة حين من الدهر كان مقاتلا من الشارقة عن الهوية الحضارية لأمتنا من قطر عربى شقيق ، إحتضن إبداعه وقت أن كان مخطط عزل مصر عن أمتها فى ذروة الدراما أواخر سبعينيات القرن العشرين ، بث فى حواراته كل معانى العزة و الكرامة ، تطرق للحديث على لسان شخصياته الدرامية بكل ما يجيش فى صدور شعبنا العربى من ماءه الى ماءه ، و من جبال طرطوس إلى كردفان .

درس الدارسون و بحث الباحثون فى شفرات نصوصه ، و حللوا مضمون و محتوى الدراما التى برع فيها و لم يتجاوزه فى إبداعه إلا نفر قليل لا يتجاوزون أصابع خمسه فى يد أحدنا ، و هبطوا من سماء شام العروبة ، أجمع الباحثون و الدارسون و النقاد و جماهير المشاهدين من ماء الأمة المالح الى ماءها الأملح ، على أن العروبة كهوية حضارية و ثقافية لأمة توحدت عليها بلسان عربى مبين ، بعد أن كانت شعوبا و قبائل و عشائر ، و أرتضوها راية جامعة فرضتها ضرورة الحياة و البقاء على قيدها و الوجود على سطح كرتها الأرضية .

عنوان دراما مبدعنا الكبير قانون الصراع بين الخير و الشر و هو قانون الحياة ذاتها . ينطلق من الصراع العائلى حيث يسهل و بإقتدار ملء فراغات الحكى ، و يضيف العناصرالجذابة المشوقة و المرتبطة بالصراع العائلى ، و تراهم دائما من فواعل الكتلة التاريخية فى المجال القطرى و غالبا ما يكون المصرى تحديدا ، و لكنك كمشاهد و متابع تندهش من القدرة على إثراء أى موضوع و ربطه بكل المواضيع الأخرى ، ومن القطرى إلى إنعكاس العالمى عليه مرورا بالقومى العربى بالذات .

كانت هذه المعانى بالتحديد ، هى البنود المقدسة للعقد الذى أبرم بين المبدع الكبير و ملايين الحالمين المظلومين المقهورين الثائرين من محيط الأمة الثائر الى خليجها الهادر . تلك المعادلة المبدعة التى أستخلصها مبدعنا الكبير من معادلة واقع جماهير شعبنا العربى ذاته . فهم يجدون أنفسهم فى هذا العمل أو ذاك .و يجدون إجابات لكل ما تمتلىء به أذهانهم من أسئلة ، و يسمعون كلماتهم كما هى و طرائق تعبيرهم مثلما يفعلون بالتمام و الكمال ، فيجددون البيعة بعد كل عمل ، وفى انتظار القادم المعبر الدال المكثف الواضح .

هذا العقد المقدس هو الذى أعطى لمبدعنا توقيعا على بياض ، وقعته له ملايين غفيرة من معانى الحب و من دماء القلب و من وجدان جمعى ، كان صوتا للملايين العربية ، قابلته الجماهير العربية بكل آيات الإعجاب و الطمأنينة و الثقة فى قدرته على كتابتهم و ثكثيف واقعهم و تثويرهم و تحريضهم و بللورة حوافزهم الثورية فى استطاق ما استتر من تجارب حقيقية يستمد منها مبدعنا الوحى و الإلهام .

هذا العقد المقدس هو ذاته الذى وقعته جماهير شعبنا العربى مع دراما القادمين من شام العروبة منذ بضع سنين لتتكامل مع واقع معاصر صاغه بإمتياز و عبر عنه بروعة و دهشة و ابداع و تألق أسامه أنور عكاشة ، تتكامل معه و على نفس خطوط الطول و العرض ، بإستخلاص نقاط مضيئة من العروبة حضارة و تاريخا و ثقافة عبر ألف و نصف ألف من الأعوام إلا قليل . وتربعت دراما شام العروبة فى قلوب و عقول ووجدان نفس الملايين التى إحتضنت دراما أسامه ، الفارق الجوهرى أن دراما تاريخ العروبة فى كل ذرواته صعودا و هبوطا ، دراما تنشط ذاكرة العرب و تستنطق من نصوص تاريخنا كل ما يتناص مع الواقع المعاصر ، و لا يخلو واحدا منها من إسقاط على همومنا العربية الأن . بل تشاهد التاريخ كأنك تشاهد واقعنا اليومى ، تختلف الأسماء و الأحداث و لكن الجوهر واحد ، العام هو ذاته ، المجرد هو نفسه ، قوانين الحركة و إعمالها فى الواقع الاجتماعى السياسى الاقتصادى للأمة هى بعينها .

بالطبع كثيرون منا أصابتهم الدهشة ، و البعض منا أصابته الصدمة ، والبعض الآخر إجتاحت روحه حالة إمتعاض ، ليس من الدعوة الى شطب العروبة و إعتبارها فكرة عنصرية ، و العودة الى القومية المصرية ، فقد خاض الكثيرون تلك المعركة الخاسرة منذ زمن بعيد ، وحاربوا طواحين الهواء ، فهم فى الحقيقة لا يحاربون إلا معنى و مغزى وجودهم ذاته ، إن بالمصلحة و إن بالأمن القومى و إن بالضرورة التاريخة و التى أكدتها تجارب التاريخ من فراعنة مصر العظام فى معاركهم مع الهكسوس و الحيثيين مرورا بالفتح العربى لمصركقلب طبيعى للأمة وحتى معارك الناصر صلاح الدين و قطز و الظاهر بيبرس و التى تجلت مع محمد على و بالتحديد على لسان إبراهيم باشا ، ووصولا الى قائد معارك التحرر العربى الخالد جمال عبد الناصر و الخيط الممتد الموصول فى كل أعمال مبدعنا الكبير . و المعنى واضح ، إن لم توجد القومية العربية ، لخلقتها الضرورة التاريخية و الجغرافية المصرية خلقا .

و بالتأكيد نستطيع أن نحيل الأمر برمته الى إستنطاق نصوص كوكبة عظيمة من المبدعين المعجونين بعشق العروبة كهوية حضارية و ثقافية ، و على رأسهم العاشق الكبير جمال حمدان فى أسفاره كلها و بلا إستثناء ، و عصمت سيف الدولة و أنور عبد الملك و ساطع الحصرى و قسطنطين زريق ومحمد عمارة ، و غيرهم عشرات من أهم المفكرين و من مختلف إتجاهات مدارس الفكر و السياسة على إمتداد الأمة .

و لكننا فقط نكتفى بالإشارة الى المفكر الليبى العربى الكبير على فهمى خشيم فى واحد من أهم أسفاره و هو " آلهة مصر العربية " و الذى نشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب فى 1998 و أهداه الى روح ابن منظور محمد بن مكرم الأنصارى ، الافريقى ، الطرابلسى ، المصرى ، العربى ردا لبعض فضله فى حفظ ( لسان العرب ) و الى روح أحمد كمال ، أول من رأى بعين اليقين عروبة لغة مصر القديمة وحضارة وادى النيل ، و قدم هذا الكتاب الى الذين فى قلوبهم مرض من دعاة الفرعونية .

و فى سفره هذا تطرق إلى تفنيد كل المزاعم التى تركز على أن حضارة مصر الفرعونية التى ظهرت و اذدهرت فى وادى النيل منذ آلاف السنين ، كانت حضارة لا صلة لها بما جاورها عن شمال و عن يمين .و خلص فيه الى أن علماء أوروبا " أوربوا " اللغة المصرية و حرفها بشكل جعلها تبدو بعيدة كل البعد عن أخواتها اللغات العروبية ، و العربية بصفة خاصة ، منفصلة عما حولها ، حتى أصبح العرب أنفسهم مقتنعين بأن هذه اللغة التى سرت تسميتها خطأ " الهيروغليفية " ، لا صلة لها بالعربية ، بإعتبارها تمثل " الحضارة الفرعونية " الغربية . و لا جدال فى أن وراء هذا الاتجاه غايات استعمارية مخططة آن لنا أن ننتبه إليها و إلى خطورتها على مستقبل الأمة العربية كلها .

بالطبع ليس من مهام هذا المقال الرد على كل ما أثاره كاتبنا الكبير فى أهرام العاشر من مايو ، و لكنها فقط إشارات فى صلب القضية ،المطروحة ، و دعوة عاجلة الى قراءة كتاب الدكتور على فهمى خشيم ليعرف من لا يعرف ، و يدرك من لا يدرك ، و يفهم من لايفهم ، أن عروبة مصر منذ قديم الأزل لا راد لقضاء الله فيها ، و لا معقب لحكمه عليها ، فقد ولدت مصر فى محيطها الذى تطور حتى إستقر فى أرقى أشكاله الجغرافية السياسية الإقتصادية الإجتماعية و إجمالا الحضارية بمفهومها المتعدد المركب ، منتجا أمة ، هى خير أمة أخرجت للناس .

و قد أميل إلى التفسير القائل بأن غضب مبدعنا تخطى ذروة الدراما داخل حدود روحه ووجدانه و ذهنه ، فآثر أن يقلب على الجميع منضدة الحوار ، لنعيد قراءة أسئلة الوجود الكبرى ، من نحن ؟ . و ماذا نريد ؟ . و ماهو مشروعنا ؟ . و ما السبيل الى تجسيده ؟ . و بمن ؟ . و بأى أداة ؟

إختار مبدعنا قلب الأمر رأسا على عقب ، خلط الأوراق نافرها بمبشرها ، لخبط الأثمان ، " أبو قرش على أبو قرشين " . ليدافع المؤمنون بعروبتهم عن عروبتهم و يشكك المتشككون من طابور مشروع الشرق الأوسط الواسع الخامس .

هكذا يا أستاذنا أتصور ، ويأبى ذهنى و تأبى روحى و خلجات نفسى ، إلا أن تتعامل مع هذا التفسير .

و إلا و كما قال لى أحدهم . لو هذا الكلام صحيح ، تبقى المصيبة كبيرة ، و " المشرحة مش ناقصة قتلة " ، " مش كفاية قهر النظام ، كمان هنتقهر و نتوجع و نتعذب من أسامه أنور عكاشة ، لاعب الدور المهم فى إيقاظ الحلم بالعروبة و النهضة و الحرية و العدل و العزة و الكرامة فى الملايين على مدار تلاتين سنة " .

ساعتها سنلخص الأمر و تنطق جراحنا و تمتلىء نفوسنا غما و هما و نكدا ، و يصير لسان حالنا يقول :ـ

ـ حتى أنت يا أسامه

ـ حتى أنت يا أسامه

ـ حتى أنت يا أسامه





عبد المجيد راشد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو