الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
قراءة في إصدار ألماني حول الذاكرة والتاريخ في الإسلام
زهير سوكاح
2007 / 6 / 19قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
ظهر في ألمانيا سنة ٢٠٠٤ كتاب "Geschichte und Erinnerung im Islam" ( التاريخ والذاكرة في الإسلام )، أشرفت على إصداره "أنغيليكا هارتمان"، أستاذة الدراسات الشرقية في جامعة غيسن الألمانية. يضم الكتاب بين دفتيه خمس عشرة دراسة ومحاضرة منتقاة، تم إلقاء معظمها ضمن فعاليات الأيام الدراسية التي أقامتها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني سنة ٢٠٠٠ "حلقة غيسن البحثية الاستثنائية حول أشكال التذكر" في رحاب جامعة غيسن.
تسعى دراسات هذا الكتاب مجتمعة ـ كما ورد ذلك في مقدمته ـ إلى محاولة تحليل وفهم مكونات الخطاب الإسلامي المعاصر، أولاً عن طريق إلقاء الضوء على أشكال الكتابة التاريخية وملابساتها، وثانياً عن طريق تفكيك آليات التذكر الجمعي في المجتمعات الإسلامية، ومن ثمة تحليل تجليات الذاكرة الجمعية التي تشكل المخزون الحضاري لهذا الخطاب، هذا الأخير الذي يحظى بأهمية سياسية وثقافية بارزتين في الوعي
الأوربي / الغربي. إذن نحن هنا أمام منطلق غربي "مستجد" يسعى إلى فهم الخطاب العربي /الإسلامي عن طريق فهم مجموع الاعتبارات التاريخية والذاكراتية التي ساهمت بشكل كبير في بلورة تجلياته وأبعاده الراهنة.
تتفق معظم دراسات هذا الكتاب على أن المجتمعات الإسلامية المعاصرة هي في خضم البحث عن هويتها الحضارية، وهنا يلعب التذكر الجمعي للماضي "المجيد" وللقوة الحضارية "الزائلة" دوراً هاماً في عملية فهم هذه المجتمعات لذاتها الراهنة، لهذا كان لِزَامًا فهم آليات الذاكرة الجمعية لهذه المجتمعات من أجل فهم جديد وربما مغاير للخطاب الإسلامي المعاصر. من أبرز الدراسات التي يضمها هذا الكتاب نجد ثلاث دراسات لكل من: " أنغيليكا هارتمان" و "غيرت هيندريش" و"محمد تركي".
دراسة هارتمان تتناول "الصورة النمطية" للخلافة الراشدة في الكتابة التاريخية الإسلامية و كماليتها كنموذج للسلطة في الوعي الإسلامي الجمعي (الراهن)، إضافة إلى مكانتها الفريدة والراسخة في الذاكرة الإسلامية الجمعية، ليست فقط كحدث تاريخي فريد ومنته بل أيضاً كحدث مستقبلي حاضر دائما في الأذهان بفعل التذكر؛ فالذاكرة الإسلامية لا تقوم فقط باستعادة الماضي وجعله متمثلاً في الحاضر، بل هي تتجه أيضاً إلى ما هو مستقبلي، أي تذكر المستقبل وبالضبط الأحداث المستقبلية التي تم تدوينها سلفا منذ قرون خلت. أما غيرت هيندريش المتخصص في الفلسفة الكلاسيكية الإسلامية واتجاهات الخطاب الإسلامي المعاصر، فقد تناول من جهة طبيعة الوضعية التي تحتلها الكتابة التاريخية الإسلامية في الخطاب العربي الإسلامي المعاصر والفهومات "النمطية" أو "المرجعية" التي أنتجتها، أيضاً لم يغفل من جهة أخرى مسألة بنية التذكر السائدة في هذا الخطاب؛ فالتذكر الجمعي (الذي تتناقله الأجيال) والكتابة التاريخية يظلان من أبرز مؤطرات الخطاب السائد في المجتمعات العربية الإسلامية الراهنة.
وانطلاقاً من ثنائية "الهوية والذاكرة" يحاول محمد تركي ـ وهو أستاذ محاضر بجامعة تونس ومتخصص في الفلسفة الإسلامية ـ من جهته تقديم منطلقات محددة من أجل فهم " أزمة" الفكر العربي الإسلامي المعاصر، فأزمة الفكر ـ هي في فهمه ـ أزمة موازية لأزمة الهوية ولأزمة الذاكرة.
ورغم أن بعض دراسات هذا الكتاب تستحق فِعْلاً ترجمتها إلى اللغة العربية لمساءلة الطرح التي تروج له، فإن دراسات أخرى تبدو بعيدة كل البعد عن التوجه أو الهدف العام للكتاب الذي أعلنت عنه هارتمان في مقدمته وهو محاولة الإجابة عن التساؤلات التالية: ما بنية الذاكرة الإسلامية الجمعية وما مكوناتها المؤسسة لها وما طبيعة تأثيرها في الهوية الإسلامية الجمعية الراهنة ؟ ما آليات الكتابة التاريخية الإسلامية وما غايتها وما طبيعة حضورها في الخطاب العربي الإسلامي المعاصر؟
فموضوع مثل "انهيار الصوفية" لـ :"غوديغر زيمان" أو "الرقابة المحلية على استعمال الإنترنت في زمن العولمة: تونس كنموذج" لـ: "هينر كيرشنر"، إضافة إلى دراسات أخرى معينة لا يمكنها الإدلاء بإيجابات مباشرة على التساؤلات السالفة الذكر، حيث يظهر جلياً أن الإجابة عن هذه الأسئلة المؤرقة لا تتأتى بالضرورة عن طريق تجميع بعض المحاضرات المتنوعة في طرحها والمنعزلة فيما بينها ونشرها في إصدار مشترك، إضافة إلى هذا فيبدو أن الدراسات المتنوعة لهذا الكتاب ـ الرغم العنوان البراق الذي اختير له ـ قد أخفقت مجتمعة في تقديم "مشترك" لتصور دقيق ولمنطلق مرجعي من أجل فهم آليات اشتغال الذاكرة الإسلامية الجمعية من جهة وفهم سبل تأثير الكتابة الإسلامية للتاريخ في الهوية الجمعية للمجتمعات الإسلامية المعاصرة.
لكن رغم هذا "الاضطراب" فيمكن فهم هذا الإصدار على أنه إشارة واضحة على الشمولية المعرفية، التي يسعى إلى تحقيقها البحث الذاكراتي الثقافي في ألمانيا، والذي بدا أكثر انفتاحاً على" الآخر" بالمقارنة مع العديد من الاتجاهات البحثية الذاكراتية في القارة الأوربية .
وفي الختام تجدر الإشارة إلى أن "حلقة غيسن البحثية الاستثنائية حول أشكال التذكر" هي حلقة أكاديمية بحثية تأسست سنة ١٩٩٧ بدعم من الجمعية الألمانية للبحث العلمي ( ومن المتوقع أن تنهي مهامها البحثية سنة ٢٠٠٨ ) وتهدف إلى البحث في أشكال التذكر الجمعي ومضامينه الحضارية وديناميته المجتمعية وبخاصة في إطار الفكر الغربي، وقد قامت إلى غاية الآن بنشر تسع وعشرين إصدارا حول أشكال التذكر والذاكرة الحضارية، لعل من أبرزها إلى حد الساعة الإصدارات التالية: "الديانة والذاكرة" و"الذاكرة والتراث" وأخيراً "النسيان الحضاري".
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. نقل مصابين في صفوف الجيش الإسرائيلي لمستشفى في حيفا
.. الحرب تحول السودان إلى دولة غير صالحة للعيش مع نفاد مقومات ا
.. العربية ترصد انطلاق الطائرة السعودية الثانية للبنان لمساعدة
.. قتيل وعدد من الجرحى في حادث قطار بصعيد مصر
.. مع توسيع إسرائيل عمليتها البرية في لبنان.. هل يمتلك حزب الله