الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطوة إضطرارية أم إنتحارية؟!!!

علي جرادات

2007 / 6 / 19
القضية الفلسطينية


"خطوة إضطرارية"، هكذا برَّر خالد مشعل كرئيسٍ للمكتب السياسي لحركة "حماس" خطوة اللجوء لخيار الحسم العسكري لإزدواجية السلطة في غزة، ما يعني أن عملية تدمير مقرات الأجهزة الأمنية والسيطرة عليها، لم تكن وليدة تداعيات ميدانية لم يكن بالمقدور السيطرة عليها، بل تمَّت بقرار سياسي. وهذا يفترض ضمناً أن القرار كان مدروساً، وبالتالي فإن قيادة "حماس" قررت تَحَمُّلَ مسؤولية كل ما نتج عن هذه العملية مِن خسائر بشرية ومادية ومعنوية، وأنها أخذت بالحسبان كل ما قادت وستقود إليه مِن تداعيات، وأنه لم يغب عن ذهنها كيفية معالجة كل ما ترتب وسيترتب عليها مِن مخاطر.
والحال؛ فإنه، وإن كان مِن حق قيادة "حماس" أن تتخذ ما تشاء مِن قرارات، فإن مِن حق الآخرين، بل مِن حق كل مواطن فلسطيني أن يقيِّم هذه القرارات وتداعياتها ومخاطرها على راهن الحياة الفلسطينية ومستقبلها بالمعنيين الوطني والديموقراطي.
مِن جانبي، ومِن باب التقييم لخطوة الإقدام على الحسم العسكري تحديدا، وليس مِن باب تقييم كل ما وقع مِن اقتتال فلسطيني داخلي على مدار عام تقريبا، فإنني فضلا عن جزمي بأن هذه الخطوة لم تكن ضرورية ولا "إضطرارية"، وإضافة إلى أنها غير ديموقراطية، وتعمق أزمة الخيار الديموقراطي في التغلب على المأزق الفلسطيني الداخلي، وعلاوة على أنها تنطوي على مخاطر بعيدة المدى على القضية الوطنية والمجتمع الفلسطيني، فإنني أشك في أن قيادة "حماس" التي أقدمت على هذه الخطوة قد أخذت بالحسبان كل ما يمكن أن يترتب على قرارها مِن تداعيات وطنية وقومية وإقليمية ودولية، وأعتقد أن قيادة "حماس" بهذا القرار كانت مثل طيارٍ صعد إلى طائرته وكان على دراية بظروف وشروط الإقلاع، ولكنه لم يدرس أين يهبط وكيف سيهبط؟؟؟ أي لم يكن على دراية بأن هبوطه يمكن أن يكون إرتطاماً بصخور قاسية تحطم الطائرة والطيار والركاب في آن.
وإن كان في الجبر: كلما زادت تعقيدات المعادلة تحتاج إلى معطيات أكثر لحلها، فإن المعادلة السياسية هي الأعقد في معادلات الحياة، ذلك أنها معادلة تنطوي على فواعل نفسية واجتماعية وعلاقات إقليمية ودولية، ولذلك فإن المعادلة السياسية تحتاج لأعقد العقول وأكثرها تركيبا في إدارتها والتعامل معها. هذا حول المعادلة السياسية بشكل عام، فما بالك في المعادلة السياسية الفلسطينية التي تنطوي على تعقيدات إضافية أخرى؟!!!
ويبدو أن تلك التعقيدات قد غابت عن ذهن قيادة "حماس" عندما قررت خيار الحسم العسكري، بينما كانت بأمس الحاجة لإدراكها، ذلك أن حسم السلطة، وفي الواقع الفلسطيني تحديداً، هي مسألة أعقد بكثير مِن السيطرة على مجموعة مِن المقرات بما فيها مقر الرئاسة وقتل مَن فيها، ففي اليوم التالي لإنجاز هذه الخطوة العسكرية غير الإضطرارية، سيواجه العقل السياسي الذي أمر بتنفيذها ألف سؤال: وماذا بعد؟!!!
من ملامح التفكير الطفولي في القيادة، أنه يفتقر للمنطق، ويتوهم ان الربح يكون بمجرد الرغبة فيه؛ ويتوهم أصحاب هذا التفكير أن لإرادتهم سلطانا مطلقا، مثلهم مثل مَن يظن أن للتعويذة قدرة على تغيير الواقع، ومثلهم ايضاً المقامر الذي يبقى في حالة أمل دائم، وأن المكسب سيأتيه بطريقة ما أو بشكل ما. ويعتقد قليلوا البصيرة والحنكة السياسية أن تعقيدات الواقع هي طوع بنانهم؛ ولذلك تدمّرهم هذه التعقيدات حينما يصطدمون بها، ويكتشفون أنها ليست كذلك، فيلومون الواقع الذي لم يعطهم حقهم ولم يسمح للحظ أن يحالفهم، ويحقدون على المجتمع بكل مكوناته، فيسلكون سبيل المغالاة الذي قد يصل الى درجة الادمان، بما لا يسمح لهم بالتوقف أمام الذات ونقدها ومراجعة حساباتها الخاطئة.
في السياق كان النظام العراقي السابق بقيادة صدام، ورغم ما إمتلك مِن خبرة وإمكانيات قد وقع في شيء مِن هذا القبيل عندما لم يدقق في الحسابات كثيراً، ولم يقدر جيداً، ولم يفكر ملياً في تعقيدات وتداعيات ومترتبات ونتائج خطوة احتلال الكويت، ولم يستمع إلى دعوات التراجع عنها في الوقت المناسب، ما أفضى إلى عزله إلى درجة لم يستطع حتى مَن تعاطف معه مِن الدفاع عنه، فأصبح بالنتيجة مثالاً للمغامر الذي يسهل إصطياده، وباتت معروفة وغنية عن الشرح تداعيات خطوته والنتائج الكارثية التي ترتبت عليها ليس على العراق ومقدراته ونظامه السياسي وحسب، بل على المنطقة بأسرها أيضاً.
منذ اليوم الأول لفوز كتلة حركة "حماس" الساحق في الإنتخابات التشريعية خشيتُ مِن عدم تقدير قيادة "حماس" الكافي لحقيقة أن السلطة التي فازت بها هي سلطة صورية يحكمها تعاقد سياسي (أوسلو) بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والحكومات الإسرائيلية، وخشيتُ مِن أن لا تدقق قيادة "حماس" في حقيقة أن فوزها كان بدرجة عالية بسبب أخطاء غيرها، وخشيتُ مِن أن لا تُقدِّر قيادة "حماس" أن الإحتفاء الشعبي العربي والإسلامي بفوزها هو شيء آخر عن رأي النظام الرسمي العربي، بل أن ذاك الإحتفاء الشعبي عبَّر عن رغبة عفوية وليس عن قراءة دقيقة لتعقيدات الواقع الفلسطيني بالذات، وخشيتُ مِن أن لا تقدِّر قيادة "حماس" أن فك الإرتباط الإسرائيلي مع غزة أحاديا لم يكن بفعل المقاومة فقط، بل يندرج في إطار مخططات إسرائيلية بعيدة المدى أيضا، لعل في مقدمتها محاولة تحويل الفصل الجغرافي بين الضفة وغزة إلى فصل سياسي يضرب وحدة الشعب والوطن والمجتمع والقرار الفلسطيني، وخشيتُ مِن أن لا تقدِّر قيادة "حماس" جيداً معنى أن فوزها جاء في مرحلة سيطرة القطب الأمريكي الواحد على السياسة والعلاقات والمؤسسات الدولية.
زادت مخاوفي، ووضعت يدي على قلبي عندما قبلت قيادة "حماس" تشكيل الحكومة العاشرة للسلطة الفلسطينية، ولم تأخذ بخيار الإكتفاء بما حازت عليه في السلطة التشريعية وتحديد ومراقبة حكومة تتشكل مِن خارجها، بل وأقدمت على تشكيل تلك الحكومة بمفردها. أما عندما سقطت قيادة "حماس" في خطيئة الإقتتال الداخلي بكل ما رافقه مِن خطاب "تقديس" الذات و"أبلسة" الغير، فقد تأكدت أن الحالة الفلسطينية تسير رويداً رويداً صوب كارثة بالمعنيين الوطني والمجتمعي، وأيقنت أن تنقُّل قيادات "حماس" عبر معبر رفح المحكوم بقرار أوروبي وإسرائيلي، قد غيب عن ذهنها أن غزة لم تكن أكثر مِن سجن كبير، وأن ماءها وكهرباءها وخبزها ووقودها محكوم بإذن شرطي إسرائيلي على معبر.
ويبدو أن عدم أخذ كل تلك الحقائق الواقعية بعين الإعتبار بصورة جيدة، عزز إحساسَ قيادة "حماس" بالتفوق بما امتلكته مِن قوة جماهيرية وقوة عسكرية فاقت قوة أجهزة الأمن الفلسطينية التي دمرها الجيش الإسرائيلي.
بكل هذا تحولت الرغبات إلى إرادة عمياء تم فرضها على الواقع، وكأنها الواقع، الأمر الذي أنتج وهْم أن تدمير مقرات الأجهزة الأمنية في غزة والسيطرة عليها يشكل حسماً للسلطة، وأن قرارا في هذا الإتجاه يمكن أن يكون بدون تداعيات ونتائج خطيرة على القضية الوطنية والمجتمع الفلسطيني، وذلك دون الإلتفات إلى أن الدبابات والطائرات والصواريخ الإسرائيلية ما زالت قادرة على حرث غزة مِن شمالها إلى جنوبها وقتما وكيفما شاءت، وأن المؤسسة الوطنية التي تم تدمير مقراتها يقف خلفها تنظيم سياسي شعبي عريق وواسع الإنتشار في الوطن والشتات، ومعتَمَد رسميا على المستويين القومي والدولي أكثر بما لا يقاس مِن "حماس"، وبالتالي لا يمكن أن يذوب ويختفي بمجرد الإستيلاء على عدد مِن المقرات.
على ما تقدم يمكن القول أن عملية الحسم العسكري لم تكن عملية "إضطرارية"، بل كانت عملية إنتحارية في غير مكانها.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طبيب يدعو لإنقاذ فلسطين بحفل التخرج في كندا


.. اللواء الركن محمد الصمادي: في الطائرة الرئاسية يتم اختيار ال




.. صور مباشرة من المسيرة التركية فوق موقع سقوط مروحية #الرئيس_ا


.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي




.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط