الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأبعاد السياسية للمهرجانات الفنية بالمغرب...ونحن على أبواب الانتخابات

أحمد الخنبوبي

2007 / 6 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


ظهرت في الآونة الأخيرة في المغرب وبشكل مثير انتشار ما يسمى بالمهرجانات الفنية والموسيقية بمجموعة من المدن الكبرى والصغرى بل وحتى في القرى والمداشر، كما أننا أصبحنا نرى أن بعض المدن تحتضن أكثر من مهرجان على مدار السنة وترتكز هذه المهرجانات بالخصوص على الموسيقى والرقص، وبجزء ضئيل على المسرح والسينما.

لا يختلف اثنان في كون تقدم أي حضارة وأي شعب يتجلى من خلال اهتمام هذا الشعب بالفنون الجميلة وتعاطيه لها وكذا من خلال ميوله الفني والثقافي. إن انتقاد ظاهرة المهرجانات بصيغتها الحالية المكرسة للبهرجة الفارغة التي تنتهي بانتهاء المهرجان نفسه لا يجب أن يفهم أنه ضرب للحركة الفنية الجادة بالمغرب التي ضحت بالغالي والنفيس من أجل إيصال رسالتها الفنية بصدق وأمانة كما لا يجب أن يفهم أنه تحجر و رجعية.

إن المتمعن في مسار هذه المهرجانات الفنية التي أضحت تنمو كالفطر الأسود وتلقى دعما منقطع النظير من الدولة في الوقت الذي يموت فيه أطفال الأطلس جوعا وعطشا، وكذا من مؤسسات الدولة من أجهزة وزارية ومجالس منتخبة، إضافة إلى بعض المؤسسات الهجينة كوكالات تنمية المناطق، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وغيرها من المؤسسات المفتقدة لمبادئ الديمقراطية والحداثة التي وضعت لتكون مؤسسات للوسطاء غير الشرعيين والسماسرة والمضاربين. كما أن بعض هذه المهرجانات يحظى بدعم بعض المقاولات التجارية والمؤسسات المالية الخاصة المبنية على الإثراء غير المشروع والاحتكار.
يطرح السؤال الملح نفسه بشدة الذي هو هل أصبحت هذه المهرجانات مجرد آلية مخزنية حقيرة لتبليد الشعب المغربي، وإشغال الشباب والمراهقين عن مشاكلهم الحقيقية والمتمثلة في الشغل وفي العيش الكريم، لاسيما ونحن نسمع كل يوم عن مئات الشباب المغربي تبتلعهم الحيتان في أعماق البحار والعدد نفسه يذهبون ضحية المخدرات والأقراص المهلوسة هروبا من جحيم العيش، فهذه المهرجانات على ما يبدو باتت تذكر بما كان يحدث إبان فترة حكم الحسن الثاني من احتفالات الأعياد الوطنية التي تبذر أموال المواطنين وتسلبها بالقوة من طبقات الشعب البئيسة والفقيرة.

إن ما يسمى بالمهرجانات الفنية، تعتبر تقاطعا لأهداف الدولة المتمثلة في الهاء الشعب وإبعاده عن التفكير في سبل ارتقائه، وتنظيم نفسه بنفسه، ليستمر الحال السياسي على ما هو عليه من وضعية متردية، وكذا أهداف زمرة من المنتفعين ماليا من مثل هذه التظاهرات، والذين لا يربطهم بالثقافة و الفن إلا التطفل والانتهازية لكن الخطير في القضية هو الاستغلال السياسي لهذه المهرجانات من طرف بعض أشباه السياسيين أو بالأحرى بعض الأقزام السياسيين الذين يتوخون من خلالها إثبات الذات أو نسج علاقات مصلحية محدودة, كما أن سياسيو الانتخابات باتوا يجدون في هذه المهرجانات الفرصة المواتية للقيام بحملات انتخابوية سابقة لأوانها، وكسب أصوات بعض الناخبين من الفئات الجاهلة. وهذا الاستغلال السياسي الفاضح يمكن ملامسته بالواضح من خلال المشرفين على هذه المهرجانات ومدرائها حيث لا يعدو أحدهم إلا وتلتصق به صفة رئيس جماعة أو بلدية أو جهة أو صفة مستشار أو برلماني, وبالتالي فما يمكن استخلاصه هو أن هذه التظاهرات الفنية بالمغرب تدخل- ومما لا يدع مجالا للشك-، في اللعبة الفاسدة داخل الدولة المغربية حيث يختلط السياسي بالاقتصادي بالثقافي، بل و بالديني أيضا.
أما الفن والفنان في هذه الدوامة فلا قيمة لديه ولمكانته داخل المجتمع، فهو ليس سوى الأداة المستغلة، أو الوسيلة الموصلة إلى أهداف سياسية غير بريئة، وغير سليمة، لتبقى الهيئات الرسمية و الوصية عليه من وزارات ومكاتب حقوق المؤلفين وغيرهم شغلهم الشاغل هو تنظيم الحفلات بالفنادق الراقية لا أقل ولا أكثر بتمويل من دافعي الضرائب من بؤساء الوطن بطبيعة الحال.

في حقيقة الأمر إن الشعب المغربي في أمس الحاجة إلى تأطير ثقافي وفني وتربوي وإلى مهرجانات وتظاهرات جادة ونظيفة تحترم وعيه ومصالحه وأولياته، لا مهرجانات تستبلده وتجعله قطيعا من السداج. إننا نجد أنفسنا أمام تناقض صارخ حينما تخصص ملايير الدراهم لتمويل مهرجانات في حين يسكن مواطنينا في المراحيض وفي الإسطبلات وتفتقد مدننا إلى أبسط البنيات التحتية.

إن سياسة المهرجانات في الدول الديمقراطية تكون وفق معادلة الربح والخسارة فالمهرجانات العالمية للموسيقى والسينما والمسرح تذر على الدولة أضعاف ميزانياتها الأصلية كما تكون تربة خصبة لجلب السياح, وهنا لا يجب أن تربط قيمة المهرجان بحجم الميزانية، بل بنوعيته أيضا ومضمونه وأهدافه. لكن في المغرب تنقلب المهرجانات إلى آليات منظمة لاستنزاف الموارد ووسيلة لنشر الميوعة الثقافية والمسخ الفني أو طريقة لاستقطاب السياح وبطبيعة الحال سياح الشذوذ والأمراض الجنسية.

وحتى لا نكون عدميين فقد أتت بعض المهرجانات الفنية بالمغرب بقيم مضافة في التنظيم والبرمجة والتواصل مع الجمهور، لكن هذه القيم تبقى ضعيفة ما لم تدمج في مناخ شامل بتصورات جديدة للمسار الثقافي والفني بالمغرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -