الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوضع الامني في جنوب العراق(1)

علي ماضي

2007 / 6 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


الامن هاجس الإنسان الاول وغريزته التي ولدت معه،مذ كان يصارع الوحوش والضواري ،في البدء كان همه أن يبق على قيد الحياة ،حفاظا على النوع، وكلما ازداد نضجا ،و وعيا ،كلما نضج مفهومه للأمن ،ليتعدى الامر ،موضوع البقاء على قيد الحياة،بل اصبح يبذل حياته ثمنا لمفاهيم :مثل الحرية ،والكرامة ،والعقيدة وغيرها من القيم الاخرى ،التي باتت تشكل جزءا من كيانه.

امام هذا الاتساع في ادراك الإنسان لنفسه، علينا أن نضع مفهوما محددا للأمن ليكون معيارنا في تقيم الوضع الامني في جنوب العراق. اما لماذا اخترت جنوب العراق؟! ،فالسبب في ذلك يعود إلى أن هناك تصريحات حول أستقرار الوضع الأمني في جنوب العراق،وبما انني ابن مكة وأعيش في شعابها، ومطلع على الواقع بكل حيثياته،فالواجب يحتم عليّ أن اسلط الضوء على هذا الموضوع،أو لنقل افكر بصوت مسموع.

الامن حسب راي ؛ يعني أن يعيش الإنسان تحت ظل نظام فيه قانون موحد يضمن له ما يلي:
1. حق الحياة.
2. وحق المساواة.
3. الحرية بكافة اشكالها ومنها:
أ‌- حرية التعبير عن الراي.
ب‌- حرية العقيدة.
وحدة القانون.
السؤال الأكثر اهمية الذي يجب أن نطرحه ،هل اصبح لدينا في العراق عموما وفي الجنوب خصوصا، قانونا واحدا يعيش الإنسان تحت ظله ،ام اننا نعيش تحت ظل مجموعة من القوانين المتداخلة،والمتصارعة من اجل أن تضمن سيادتها ؟
كقانون العشائر،وقانون الدين؟الذي ينقسم بدوره إلى مذاهب،مختلفة،والمذاهب هي الاخرى لها اطياف مختلفة ،وهكذا داواليك ،فالانقسامات مستمرة دون توقف،(فالافكار تنقسم بشكل يشابه تماما سلسلة الانفجارات في القنبلة الذرية،فما أن يمتلك الكترون طاقة تمكنه من الافلات من مداره حتى يحرر طاقة تمكن الكترونا اخر من الافلات وتستمر العملية إلى أن تخمد جدذوة الطاقة، مخلفة،بعدها ،سموم يسارع الإنسان إلى التخلص منها ،بدفنها في اعماق المحيطات ،أو اعماق الصحراء . يخيل الي اننا اصبحنا بحاجة ماسة إلى أن ندفن مخلفات بعض الافكار والعقائد السامة،التي تفخخ العقول ،وتحول الإنسان إلى آلة للموت وغول همه الاول افتراس الجمال الذي تعج به الحياة، نعم ندفها في اعماق الصحراء حيث خرجت اول مرة.
و على فرضية أن تعدد الخيارات يعد نقطة ايجابية لصالح الإنسان في الانظمةالديموقراطية،فهل يمتلك الإنسان في الجنوب وسط هذه الخيارات الكثيرة وعيا يمكنه من التشخيص ،والفرز والاختيار ،ام انه ما زال كطفل صغير يكتشف الاشياء بالعبث بها اول الامر ومن ثـــمّ يبدا بالتعرف اليها شيئا فشيئا، فالاطفال يفهمون الاشياء بتطرف فيظنون أن كل شيء يؤكل ،إلى أن تكشف لهم التجربة على ارض الواقع ما يصلح للأكل وما لايصلح ،فيكون الفم نافذتهم الاولى على العالم ،فتراه يعيش في فوضى خلاقة ،تشكل له فيما بعد وعيا ،تعتمد سعته على حجم التجارب المـًخاضة،وعلى النمط أو الكيفية التي خاض بها التجربة.
يوجد لدينا في مجتمع الجنوب ثلاث سلطات متداخلة مع بعضها تتمثل بـ:
1. سلطة الدين :وهي من أهم السلطات لكونها تتمتع بإيحاء روحي له القدرة على السيطرة على سلوكيات الإنسان ،إلى درجة يفقد معها قدرته على التفكير،وكأنه منـوّم تنويما مغناطيسيا. وتنقسم إلى تيارين أو اتجاهين رئيسين هما:
أ.التيار الذي يؤمن بابتعاد رجل الدين عن السياسة انقيادا إلى الحديث الصادر من احد المعصومين والذي ينص على (كل راية بعد راية الحسين ضلالة)،
ب. التيار الذي يؤمن بان الدين هو السياسة ،ويتعكزون في ذلك على سيرة الرسول ،بحجة انه كان قائدا سياسيا،ويعتبرون حديث راية الضلالة،من الإسرائيليات ،التي تهدف إلى فصل الدين عن السياسة،وبالتالي باقي مفاصل الحياة، وينقسمون إلى قسمين رئيسين هما :
أولا:المعارضة الدينية التي كانت في الخارج ويمثلها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق.
ثانيا : التيارات الدينية في الداخل وتتمثل بـــ:
(1):تيار مقتدى الصدر،وهو من أقوى التيارات الموجودة على الساحة السياسية،التي انبثقت من فكر محمد صادق الصدر.
(2):حزب الفضيلة الذي يقوده آية الله اليعقوبي ،تيار له نفوذ واسع في بعض المناطق الجنوبية وأهمها البصرة.
(3) :جماعة فرقد القز ويني،تيار ذو اتجاه عرفاني
(4) :جماعة محمود الصرخي ،من التيارات المتشددة دينيا
(5) :جماعة احمد بن الحسن اليماني: جماعة تؤمن بفكرة وجود رجالات تمهد لظهور الإمام المهدي ويعتبرون احمد بن الحسن من الممهدين ،كانت لهم محاولة بالسيطرة على المؤسسة الدينية قتل على أثرها ما يربوا على الإلف من أتباع هذا الجماعة،فيما يعرف بمعركة(الزركة)،في النجف الأشر ف.
ويوحد هذه التيارات أن زعماءها من تلامذة السيد محمد صادق الصدر، ايديولجيتها التي تعتقد بفكرة نصرة المهدي،وانها ميالة إلى استخدام العنف والقوة لتطبيق تعاليم الشريعة الاسلامية ،واستثني من ذلك جماعة فرقد القزويني،اذ انهم عرفانيون متصوفة لايميلون إلى العنف أو حمل السلاح .
2. سلطة القبيلة:دور هذه السلطة انحسر تقريبا بعد منتصف عقد السبعينات من القرن الماضي،ولكنه عاد ليظهر مرة اخرى في نهاية عقد الثمانينات من نفس القرن ،واخذ دور سلطة القبيلة بالنمو شيئا فشيئا ،بعد عقد التسعينات بسب دعم السلطة لنظام القبيلة انذاك لأهداف سياسية كان الغاية منها احكام القبضة على الشعب وكبح جماحه،ونشا نوع من التخادم السياسي بين شيخ القبيلة والسلطة،حيث اصدرت الدولة وصايا بتقديم تسيهلات الى شيوخ العشائر في اوساط الدوائر الحكومية الغاية منها تقوية نفوذ شيخ العشيرة ،واعادت له مركزه وهيبته ،إلى درجة أن المحاكم لاتغلق القضايا الا بعد أن يتم الصلح العشائري.اما بعد سقوط النظام وانهيار الفزاعة القانونية التي كان يمثلها نظام صدام الفاشي،فاصبح النظام العشائري نظام فاعل ،لأنه الوحيد القادر على أن يحفظ لك حقوقك،انا شخصيا على الرغم من ادراكي لمدى تخلف النظام القبلي ومساؤه،الا انني احرص على أن احافظ على قدر معقول من العلاقة بعشيرتي،لأنني أدرك تماما انها قد تكون ملاذا يحميني ويحمي عائلتي في يوما ما.
3. نقلت وسائل الإعلام في منتصف شهر أيار 2007 أن قامت الشرطة في محافظة الناصرية بالدخول في معارك شرسة مع التيار الصدري ،الحقيقة أن من قام بذلك هي عشيرة (ال جويبر بدرية الميول) وهي من العشائر المعروفة بمقاومتها المسلحة للنظام البائد،قامت بذلك مساندة لأحد أفرادها الذي كان يشغل منصب أمر فوج في شرطة الناصرية،فالمعارك التي حصلت لم تك من اجل فرض سلطة القانون ،وإنما من اجل إعادة هيبة العشيرة. والعشيرة لا تساند الا من يقدم لها (اقصد لمجموع أفرادها ) منافع كتوفير فرص العمل لأفرادها ،أو استغلال المنصب ليضع ابناء عشيرته فوق بعض القوانين،وكلما كانت قدرة الفرد على تجاوز اكبر كم من القوانين ،حظي باحترام عشيرته مساندتهم له،وهذه المنظومة من التخادم بين الفرد عشيرته من أهم أسباب الفساد الإداري ،المرض العضال الذي ينهش في جسد العراق الحبيب ،ويفتك به فتكا يوازي فتك الإرهاب على الرغم من قسوته.
4. سلطة القانون:انحسرت بشكل كبير، فالقانون عاجز تماما ،على فرض هيبته ،إلى درجة أصبحت الدولة ترسل وفودا للتباحث مع العشائر أو التيارات الخارجة عن القانون،كما حدث في محافظة البصرة والعمارة ، حيث قامت الدولة بإرسال وفود وساطة رفيعة المستوى من اجل تقريب وجهات النظر ،بين من يمثل سلطة القانون ،والعشائر أو التيارات الخارجة عنه،وتفاصيل الصفقة التي ابرمها التيار الصدري في الناصرية مع اجهزة الشرطة( المسنودة من آل جو يبر)،تفاصيلها أن ينسحب التيار من الشوارع ،مقابل أن تتوقف عمليات الاعتقال التي تقودها الشرطة المحلية ضدهم، مم سيشجعهم على المضي قدما في سياسة الاستهتار بالقوانين.
وصل الضعف في إحدى المحافظات إلى درجة تقوم معها المليشيات باحتجاز دوريات من الشرطة،وتتعرض لهم بالضرب ، ويكون رد فعل مديرها بالتوسط لدى مدير ذلك المكتب على طريقة(عيب ، نحن إخوة، والدنيا ما تسوه)،ويعقد الطرفان صفقة تفاصيلها أن تقوم الشرطة بالإفراج عن شحنة صواريخ ،كانت قد صادرتها في وقت سابق مقابل إطلاق سرح المختطفين،بحسب رواية مصدر مقرب،ومطلع على أدق تفاصيل الأحداث .وهناك روايات من شهود عيان عن كيفية محاصرة مقاتلي جيش المهدي لقوة من حفظ النظام قوامها فوج كانت متوجهة إلى محافظة الناصرية ،اسروا منتسبيها بعد أن تركوا عجلاتهم ولجأوا إلى العشائر المجاورة،وهم يهتفون (دخيل الصدر،دخيل المرجعية) ،وبعد تدخل( الوجوه الطيبة) قام جيش المهدي باصابة ضابطين إصابات خفيفة في أرجلهم ،وحرق عجلتين ،حفاظا على ماء وجه القوة،على اعتبار انهم تعرضوا لكمين،يفوقهم عددا وعدّة ،ومن ثم اطلق سراحهم على أن يعودوا من حيث أتوا.
قبل اربعة ايام شاهدت بأم عيني كيف أن مجموعة لا تتجاوز العشرة جابت مركز المحافظة التي اعيش فيها ،مقنعين ويرتدون السواد،بكامل عدتهم ،من هراوات ،وبنادق خفيفة،كانت حركاتهم تدل على انهم مدربين بشكل ممتاز،ثم داهموا احدى البنايات بحثا عن احد المحامين،حصل كل ذلك امام مرأى ومسمع كافة الأجهزة الأمنية .
أسباب ضعف سلطة القانون
القوانين في كل العالم تستمد هيبتها من خلال ضعف أو قوة السلطة التنفيذية ،لذا فأهم سبب لضعف سلطة القانون في العراق عموما وفي الجنوب خصوصا ،يعود إلى ضعف السلطة التنفيذية،اما اهم أسباب ضعف السلطة التنفيذية فيتلخص فيما يلي
1. عدم الولاء :فولاء منتسبي المؤسسات الامنية ،ليس إلى سلطة القانون ،بشكل كامل وانما منقسم بين هذه السلطات الثلاثة ،وفي حال التزاحم فان سلطة القانون تحتل المرتبة الاخيرة دون ادنى شك ،في قضاء الحي يبعد 40 كم جنوب محافظة واسط ، نشب نزاع بين عشيرتين فقام افراد هاتين العشريتين العاملين في سلك الشرطة ،بخلع البزات العسكرية واخذ سلاح الدولة والالتحاق بعشائرهم،اصبحت الدولة بمثابة جهة ممولة للمليشيات ،والعشائر، في اواخر شهر ايار قامت مجموعة مسلحة لا تتجاوز العشرة ، باسقاط مركز محافظة واسط ،باقل من عشر دقائق كان رد فعل قوى الامن سلبيا اذا قاموا باخلاء الشوارع والثكنات المنكلفين بحمايتها ،فشعار العاملين في القوات الامنية ( احسب ايام واخذ راتب)،وهذه القاعدة جاءت من تجربة المواطن العراقي السيئة مع السلطات ، ،ويصح القول أن كل الحكومات التي توالت على الحكم في العراق كانت تسعبد الإنسان ولاتخدمه.
2. ضعف القيادة والسيطرة:قامت الاحزاب التي فازت بالانتخابات بـــ:
أ . بالاستحواذ على المراكز الامنية الحساسة ،ومنحها إلى اشخاص ليس لهم علاقة بالقيادة لا من بعيد ولا من قريب ، فمنح منصب قائد الشرطة إلى شخص كان برتبة ملازم اول قبل عشرين عاما ،يعد خطا اداريا فادحا،قد نجد للأمر ما يبرره في زمن السلم،اما في زمن كالذي نعيش،فلا اغالي اذا ما قلت انه كارثة حقيقية.
ب . منح افراد الاحزاب السياسية الاسلامية رتبا عالية بحجة دمج المليشيات ،انا لا استطيع أن ابرر لماذا هذا التطاول على الرتب العسكرية؟! لماذا لا ينظرون اليه على انه اختصاص عالي بل وحساس لأنه ذا مساس مباشر بحياة الإنسان،فخطا الطبيب مثلا قد يؤدي إلى موت انسان ،في حين خطا الضابط قد يؤدي إلى موت أكثر من انسان في احسن الظروف.والاعتقاد السائد بين ضباط الجيش السابق أن الاحزاب الدينية السياسية تعمل وفق استراتيجية سحب البساط من تحت اقدام ضباط الجيش السابق، فهي حددتهم اولا من خلال حرمانهم من المناصب الحساسة (على المستوى المحلي في جنوب العراق) ،ـومن ثم بدات بمرحلة دمج المليشيات،الغاية منها اعداد كوادر موالية تماما لهذه التيارات والاحزاب
في حوار دار بيني وبين ضباط اكفّاء ،لهم باع طويل في مجال اعداد كوادر القوات الخاصة ،عن سبب ابتعادهم عن الساحة الميدانية ،فكانت اجابتهم نحن لا نستطيع العمل الا تحت ظل دولة قانون،
فقلت لهم:ولكن الدولة تبنى بجهودكم ،وجهود الاخرين.
فقالوا: نحن لا نريد أن نعمل من اجل أن نقوي دولة المليشيات،وبعد أن ينتهوا منا يلقون بنا على قارعة الطريق نواجه مصيرا مجهولا.
، انا شخصيا ارى أن مخاوف ضباط الجيش السابق لها ما يبررها،فالعقلية العقائدية لاتحسب القضايا بمقدار ما تقدمه من منافع أو مضّار،فهمها الاول تقمص النصوص،لذا فمن السهل توقع الخطوات المستقبلية لأصحاب الفكر العقيدي، ففي راوية أن احد الجنود الذي شاركوا في معركة الطف، سال الامام الباقر ما معناها: (انا كنت مع الجيش ولكنني لم اشترك فعليا في الحرب)
فاجابه الامام بما معناه (أو لم تكثر السواد على ال بيت رسول الله)،فمن المتوقع أن يقال لضباط الجيش السابق ،أو لم تكثروا السواد على الشعب العراقي ،هذه المخاوف دفعت الكثير من الخبرات الحقيقية إلى الابتعاد ،أو اعطتهم مبررا للفساد الإداري،والمالي

من خلال ما استعرضناه يتضح عدم وجود سلطة لقانون واحد ،وانما عدة سلطات قانونية،وبالتالي انهار الركن الاساس في بناء مجتمع آمن ،يتمتع الفرد فيه بكل حقوقه التي اشرت اليها في بداية مقالي ،وان الاجهزة التنفيذية ،تحولت إلى مليشيات تعمل لصالح العشائر،أو لصالح التيارات والاحزاب الدينية. واعتقد انه بات من المخجل أن يطل علينا مسؤول ما هنا واخر هناك ليتكلم عن الوضع الامني المستقر في جنوب العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا جرى في «مفاوضات الهدنة»؟| #الظهير


.. مخاوف من اتساع الحرب.. تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل| #




.. في غضون أسبوع.. نتنياهو يخشى -أمر- الجنائية الدولية باعتقاله


.. هل تشعل فرنسا حربا نووية لمواجهة موسكو؟ | #الظهيرة




.. متحدث الخارجية القطرية لهآرتس: الاتفاق بحاجة لمزيد من التناز