الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توجهات الموقف الأردني من العراق ( 3 من 3): المعيار القومي

باتر محمد علي وردم

2003 / 9 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


 
كاتب أردني
تنشر بالتزامن مع الدستور الأردنية 
 
   
من المؤكد أن احتلال العراق كدولة وأرض وموارد وشعب هو كارثة قومية للعالم العربي، ولكن هذا الاحتلال لم يأت من فراغ، بل سبقته كارثة على صعيد الفكر والممارسة القومية تسبب بها حزب البعث الحاكم في العراق مهدت الطريق أمام الاحتلال.
السنوات الخمس وثلاثين التي حكم بها حزب البعث، شهدت انهيارا تاما للفكر البعثي الذي طوره ميشيل عفلق وغيره من قيادات الحزب، وتحول التنظيم من حزب قومي منضبط إلى تنظيم خاص للمقربين من الرئيس صدام، وتم طرد، وقتل، ونفي وتعذيب كل القيادات البعثية المخالفة في التوجهات. وحاول حزب البعث توفير شرعيته وزعامته القومية للعالم العربي، لا من خلال الديمقراطية والتنمية والتنوير وتقديم نموذج حضاري خاص بل من خلال الحروب، فلم يكد الرئيس صدام يصل إلى السلطة عام 1979 حتى بحث عن »حربه القومية الخاصة« التي تجعله خليفة عبد الناصر في الشارع العربي، فكانت حرب ايران التي خدمت الأهداف الأميركية. وبعدها جاءت عملية غزو الكويت والتي مثلت أول سابقة لاجتياح دولة عربية لأخرى وضمها بالقوة، وهي الحرب التي جاءت بالجيش الأميركي إلى منابع النفط في الكويت وأعادت العراق عشرات السنين إلى الوراء.
واستمرت الحكاية »القومية« الدامية، فتم تدمير الأسلحة العراقية تحت ناظري الحزب والرئيس حتى يبقيا في السلطة تحت تصفيق الميليشيات الإعلامية القومية التي رأت في بقاء الرئيس القائد الملهم نصرا عظيما، بينما يتم تدمير كل مقومات القوة العراقية. وشن المحافظون الجدد في البيت الأبيض حلم حياتهم من خلال الحملة الأخيرة التي هدفت إلى تحقيق الاحتلال الكامل للعراق وموارده، ولكن الرئيس القائد لم يتنازل عن السلطة وينقذ بلاده من الاحتلال، ولم يستجب لنداءات ترك العراق، فبقي »صامدا« حتى وصول القوات الأميركية إلى بغداد وبداية عهد الاحتلال الذي نشهده الآن.
ولا ننسى أيضا كيف تسبب حزب البعث في تفريغ فكرة القومية من كل أبعادها الأخلاقية والإنسانية من خلال القمع الوحشي الذي مارسه على الشعب العراقي، وانتهاك كل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية حتى باتت فكرة القومية لدى العراقيين فكرة بائسة لا رجعة إليها في القريب العاجل على الأقل.
ولكن في الجانب المليء من الكأس، فان سقوط نظام صدام قد يكون فيه منفعة طويلة الأمد لفكرة القومية، إذ أن هذا السقوط يمثل الفشل الحقيقي لأنظمة القمع العسكرية، وهو جرس إنذار لبقية الأنظمة العربية لتي ترفع شعارات القومية وتدوس الحريات العامة وتقمع شعوبها، بأن التغيير ضروري حتى لا تسقط هذه الأنظمة وسوف تستفيد الشعوب العربية من هذا التغيير.
فكرة القومية بالحديد والنار والطغيان انتهت إلى غير رجعة، وعلى القوميين العرب الآن مراجعة كل خطابهم وتجربة نصف القرن الماضية، وأن لا يكذبوا على أنفسهم بوضع كل الملامة على المؤامرات الخارجية والصهيونية والولايات المتحدة، فسقوط الأنظمة القومية الأخلاقي يسبق سقوطها المادي ويمهد له، فكيف يدافع شعب عن نظام أذاقه الويل والعذاب؟
لم يكن الأردن يوما من الداعين لقومية على الطراز الناصري والبعثي بالضم والقوة وإلغاء الخصوصيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للدول، وكانت دعوة الأردن موجهة للتكامل العربي والوحدة على النمط الأوروبي والآسيوي وهي الوحدة التي تحقق المكاسب للشعوب ولا تذيب دولا في أخرى ولا تعمل على حياكة مؤامرات لقلب الأنظمة. ومن هذا المنطلق فإن الأردن يجب أن يبدأ ببناء علاقة تكاملية مستدامة مع العراق، كما على الدول العربية كلها أن تستعيد العراق إلى الساحة العربية، لأن العراق يبقى الذخر القومي الكبير بحضارته وتاريخه وإمكانياته. واستعادة العراق لا تأتي من خلال إنكار حريات الشعب العراقي، ولا في تمجيد نظام بائد لا عودة له، ولا في التعالي عليهم بل يأتي من خلال دعم اية مؤسسات سياسية تمثل الشعب العراقي وتعمل على تحسين مستقبله وخروجه من الاحتلال بأمان وهدوء وبدون أن تجعل الشعب العراقي يدفع ثمن تصفيات الحسابات الدولية والإقليمية، وفي هذا المعيار فإن التعامل مع مجلس الحكم العراقي باعتباره الصيغة السياسية الأكثر تمثيلا للشعب العراقي سيساهم في نضوج هذا المجلس وتحوله إلى حكومة عراقية منتخبة لا تشكل تهديدا على جيرانها ونظام سياسي متطور ودستور ومؤسسات عراقية مستقلة، وهذا ليس مستحيلا بالرغم من الاحتلال العراقي لإن ايماننا بقوة الشعب العراقي وحضارته أقوى من تسليمنا بسطوة الدبابات الأميركية.
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الأمريكي يعلن إسقاط صاروخين باليستيين من اليمن استهدفا


.. وفا: قصف إسرائيلي مكثف على رفح ودير البلح ومخيم البريج والنص




.. حزب الله يقول إنه استهدف ثكنة إسرائيلية في الجولان بمسيرات


.. الحوثيون يعلنون تنفيذ 6 عمليات بالمسيرات والصواريخ والقوات ا




.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً