الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كابول والذاكرة الكولونيالية

رجائى موسى

2007 / 6 / 25
الادب والفن



تم عرض فيلم "في الوطن كابول"At home in Kabul وذلك ضمن فاعليات الملتقى الخامس للسينما المستقلة، الذي أسست له وتديره السينمائية هناء ارنست ومعها المخرج عماد أرنست، وذلك بمسرح تشايكوفسكي بالمركز الثقافي الروسي، خلال الفترة من 14 إلى 16 مايو 2007. الفيلم انتاج2006، للمخرج الألماني مايكل ستراسبرجر، تبلغ مدته نحو 51 دقيقة. ويسعى مخرج الفيلم وكاتب السيناريو ستراسبرجر إلى تصوير كابول بين زمنين، أو بين لحظتين زمنيتين مختلفتين، قبل الحرب، وبالتحديد بين أعوام 1977 إلى 1984، وبعد الحرب الأمريكية ومعها عدد من الحلفاء، ويحاول ذلك عبر تصوير لحظتين في حياة فيلكس لوفى، فهو قد أمضى طفولته ما بين 1977 أعوام إلى 1984 في كابول، وها هو يعود بعد الحرب، لكي يبحث عن "نور محمد" الذي كان يعمل لدى عائلته خادما ومربيا، عندما كانت العائلة تعيش في كابول، ضمن الجاليات الأجنبية. يذهب لوفى إلى كابول، وإلى مناطق أخرى من أفغانستان، وإلى قرية في باكستان بحثا عن "نور محمد".

ينزل فيلكس إلى كابول، بحثا عن مكان طفولته، مصطحبا في ذلك ألبوم صوره وشريط فيديو عائلي، يرافقه أفغاني، لكي يرشده إلى الناس والأماكن التي يريدها، وهكذا، يسير الفيلم في خطين متقاطعين، لقطات من الفيديو العائلي، فيلكس بصحبة عائلته وأخوته، مرة في حديقة المنزل يحاول لعب التنس ومعه أبيه وخادمه نور، الذي يبحث فيلكس عنه، وكأن نور محمد هنا هو مفتاح ذاكرة طفولته واكتمالها، ومرة أخرى، لقطات على نهر كابول، والأم في ملابس بحرية، وهو يلعب برمال الشاطىء، ومرة لقطات من داخل مدرسته الأجنبية، ومن بعيد نرى، في بعض اللقطات نساء أفغانيات يظهرن كأنهن خلفية المشهد، أو رجال أفغان في سوق أو في طريق عام، وعبر هذه المشاهد الشعرية، فيكفى أن يظهر طفل وهو يحاول اللعب، ثم يتعثر، لكي تحصل على صورة ودفئ شعريين، ويكفى أيضاً أن تظهر امرأة في البكينى، لكي تصبح الحياة هادئة وناعمة، بل وحالمة أيضاً. أما مشاهد البحث، فتصور كابول بعد الحرب، والتدمير الذي أصاب الأماكن، والقتل الذي طال الآلاف، وأيضا الضياع الذي أصاب ذاكرة فيلكس. إن فيلكس، بوصفه ألمانياً، يقدر أن يسخر قيادات في الداخلية الأفغانية، لكي يساعدونه في الحصول على نور محمد، فيدخل لكي يرى الوثائق والأرشيف الوطني الأفغاني لعله يتعرف إلى نوره، أو ذاكرته، ثم يذهب إلى مناطق في كابول، ويستعين بكبار السن لكي يدلونه إلى نور محمد، بوصفهم أرشيفا موازيا، غير رسمي، أي أنهم يشكلون الأرشيف الشفاهى الحي لذاكرته، يلعبون دور حراس ذاكرته الأميين، ثم يأخذ عربة ويذهب نحو باكستان لكي يلتقي بخادمه هناك، إلا أنه في نهاية الرحلة يكتشف انه لا يمكنه الحصول على خادمه، وتظل ذاكرته ناقصة، فيترك كابول وهو يأمل أن يرى نور محمد، أو يحصل عليه في مرات تالية.

فهل ما يريده الفيلم هو أن يعقد مقارنه بين كابول في زمنين مختلفين، في لحظتين مفصليتين، قبل الحرب، وبعد الحرب، قبل 11 أيلول وبعده، بين لحظة شعرية، ولحظة مدمرة ومشتتة؟ ربما هذا هو ما يريد قوله صانعو الفيلم، ولكن الصورة تذهب إلى جهة أخرى، وتخبر بشيء لا يمكن إدراكه عبر عقد مقارنة بسيطة بين كابولين أو لحظتين متناقضتين، أنها تنزاح عن المشهد المرئي، وتتنزه خلسة في ذاكرة فيلكس، لكي تضع ذاكرته محل تساؤل محلى، تساؤل هامشي، مقلقل، وعابر. هل جاء فيلكس إلى هنا، إلى كابول، من اجل البحث عن كابول ذاكرته، أم كابول التي خلفتها الحرب، التي يهرب هو الآن منها، ويعبرها بالكاميرا عبورا سريعا، مهرولا، نحو ذاكرته، يسأل عن نور محمد، فيجيبونه:"هنا قتل أكثر من 300 شخص، وربما هذه جماجمهم، ودمرت المنطقة بالكامل، ربما نور كان واحدا منهم"، ولكن فيلكس لا يتوقف كثيرا هنا، ويعود سريعا إلى مشهدية طفولته، ويظهر لنا هو يلهو بلعبه في حديقة منزله، وأمه تتابعه، ومن خلفها خادمهم، المطلوب توثيقه هنا أيضا، وذلك من أجل توثيق ذاكرة هذا الألماني، الذي أصيب فجأة بحنين في ذاكرته الناقصة، إنه يملك ألبوما وفيلما، ولكنه يبحث أيضا عن شهادة شفهية من أجل توثيق براءات الطفولة وعبثيتها الرائعة. إن كابول لا تظهر في ذاكرة فيلكس إلا بوصفها منتزها، أو فيلا رائعة، أو مدرسة أجنبية، أو حمام سباحة، امرأة أجنبية تتوهج بالبكينى، أو طفلا مع والده يلهوان فوق مدفع صغير، بجانب سور أخضر، ربما يكون المدفع أيضا صناعة ألمانية أو سوفيتية..الخ، لا تظهر كابول الحقيقة، أو كابول التي هي خارج ذاكرة هذا الكولونيالى، وكأننا عبر ذاكرته فقط يمكننا أن نرثى كابول، أو بالأحرى أن نرثى ذاكرته، وها كابول من جديد، تظهر، بعد ضياع حلمه في الحصول على ذاكرته أو أن يمسك برجل ذاكرته، نور محمد، لم تعد تصلح امتدادا لذاكرته، إنها تعيش لحظة مضطربة، لحظة محترقة ومهدمة.

إن فيلكس وحده من يحمل صورا وألبوما وذاكرة ناقصة، إننا بإزاء جغرافية متخيلة لكابول، هي جغرافية تشكلت من صور الطفولة؛ البيت، الحديقة، المدرسة، نهر كابول، وعلى كابول أن تأتيه وفقا لهذه الجغرافية، على كابول أن تعكس صوره، وكأنه ينظر إلى مرآة. إن كابول تظهر بوصفها مرآة لفيلكس، عليها أن تعكس ذكريات طفولته، وأن تمده بالرجل الذي يستطيع فيلكس عبره أن يطابق بين ذاكرته وبين ماض متخيل، هو يبحث عن التطابق والتجانس والانسجام. أما الأفغان لا يحملون "لكابولهم" صورا، ولا يمكنهم التعرف إلى "كابول فيلكس" التي ثبتها في مشاهده المتخيلة، ويغمزون ويضحكون، ويقولون له:"يوجد هنا كثيرين باسم نور محمد، أما الذي تريده، فلا نظن انه هنا". هو ينتظر أن تأتيه كابول كما تم تثبيتها في ذاكرته أو في صوره، أما هم لا ينتظرون، إنهم يعيشون هنا في الزمن المضطرب. سيعود فيلكس إلى ألمانيا ولكن كابول ستبقى في التشتت.

سيعود إلى ألمانيا بدون رأب صدع ذاكرته، فهل يطالب العدالة من أجل استرداد ذاكرته التي نهشتها الحروب وأتلفتها، من أجل التطابق بين المتخيل وبين ما هو حادث، هل يطالب العدالة بالبحث عن نور محمد، عن كابول الوطن المتخيل لطفولته، أم يعلن بأنه لم تعد هناك كابول، مثلما لم تكن من قبل؟

رجائي موسى
القاهرة
2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نشرة الرابعة | السعودية.. مركز جديد للذكاء الاصطناعي لخدمة ا


.. كل الزوايا - د. محمود مسلم رئيس لجنة الثقافة والسياحة يتحدث




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -شقو- في العرض الخاص بالفيلم..


.. أون سيت - هل ممكن نشوف إيمي معاك في فيلم رومانسي؟ .. شوف حسن




.. حول العالم | لوحات فنية رسمتها جبال الأرز في فيتنام