الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انقلاب حماس وحقيقة النوايا الإسرائيلية

برهوم جرايسي

2007 / 6 / 23
القضية الفلسطينية


إن الموقف في إسرائيل إزاء ما جرى ويجري في قطاع غزة، وانعكاسه على مجمل الساحة الفلسطينية، بالإمكان تقسيمه إلى اتجاهين، الأول هو الأجواء العامة في الشارع الإسرائيلي، التي تتراوح ما بين اللامبالاة والشماتة على الأغلب، والثاني ليس بمعزل عن الأول، وهو في المؤسستين السياسية والعسكرية، حيث يجري البحث في كيفية الاستفادة أكثر مما يجري.
ولربما ان أفضل من عبر عن أجواء الشارع الإسرائيلي، هما الصحافي إيتان هابر، وعضو الكنيست المتطرف نيسيم زئيف، ويقول هابر في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرنوت": "إن الميول الإسرائيلية الطبيعية تقول أمام هذه المشاهد: إن العرب يذبحون عربا فما يهمنا؟ فليقتلوا ويذبحوا بكثرة، وليذهبوا إلى جهنم".
أما النائب زئيف فإنه يشمت بأعضاء الكنيست العرب من الكتل الوطنية، ويقول من على منصة الهيئة العامة، "لقد سمعنا هنا(من النواب العرب) أن دولة إسرائيل والجيش الإسرائيلي يدمران ويحطمان الشعب الفلسطيني، ولكن لا حاجة لتحطيمه، إن الواحد منهم (الفلسطينيون) يحطم الآخر، سيأتي ذلك اليوم الذي يتوقون فيه لعودة الاحتلال الإسرائيلي، الذي يهاجمونه، فحين كان الاحتلال في غزة كانوا يعملون ويترزقون ولم ينقصهم شيء..".
وما يعزز ما سبق هو الأحاديث والتعليقات التي نسمعها عبر وسائل الإعلام المختلفة، وفي الشارع مباشرة، وهو رد فعل متوقع ويتناسق مع أجواء الغطرسة والاستعلاء التي تطغى على الغالبية في الشارع الإسرائيلي، ولهذا فلا مجال للمفاجأة.
أما على المستويين السياسي والعسكري، فهناك حالة من شبه الإجماع بين مختلف أقطاب السياسية بأن على إسرائيل أن لا تتدخل عسكريا في ما يجري في قطاع غزة، طالما ان نيران غزة لم تصل إلى إسرائيل بعد، وهذا بطبيعة الحال ليس من باب "حسن الأخلاق" الذي غرق فيه فجأة قادة إسرائيل، وإنما لأن ما يجري هو بالفعل ما تتمناه إسرائيل، وقد سعت له طوال الوقت.
وهنا أيضا فإن أفضل من عبر عن هذا الموقف غير المعلن، هو الصحافي التقدمي عقيبا إلدار، الذي كتب في صحيفة "هآرتس": "إن هذا هو حلم شارون، فلو أن شارون الغارق في غيبوبته، يكون الآن واعيا، لاتصل بكبير مستشاريه قائلا: لقد نجحت لعبتنا"، ويشرح إلدار عن سعي شارون الدائم لفصل قطاع غزة كليا عن الضفة الغربية، وأن لا تكون إسرائيل مطالبة بالربط بين المنطقتين الفلسطينيتين.
وبطبيعة الحال، أيضا، فإن ساسة إسرائيل وعساكرها لا يسارعون في ابداء مظاهر الفرح والارتياح لما يجري في قطاع غزة، ولكن رد فعلهم العملي يعكس فعليا ما يجول في داخلهم، فالعنوان العريض للرد الرسمي الإسرائيلي هو، الركض الموضعي، وعدم الحراك إلى الأمام في أي اتجاه، بل ترك الساحة الفلسطينية تغرق وحدها، تماما كما هو الجو العام في الشارع الإسرائيلي.
أكثر ما تقوم به إسرائيل الرسمية منذ وقوع انقلاب حماس في قطاع غزة هو تأجيج النيران الفلسطينية أكثر، من خلال تصريحات عناق الدببة الإسرائيلي للقيادة الفلسطينية الممثلة بالرئيس محمود عباس، أبو مازن، فساسة إسرائيل ليسوا بهذه الدرجة من الانسجام "والغرام" مع الرئيس أبو مازن، وحركة فتح.
بل هم يعلمون جيدا ان اطراءهم للرئيس أبو مازن، والظهور وكأنهم يقفون إلى جانب السلطة الفلسطينية وأذرعها الأمنية وحركة فتح، إنما يغذي النار أكثر، ويساهم في تشويه صورة هذه القيادة في الشارع الفلسطيني، الذي للأسف ينصت لهذه التصريحات، ولكن لا ينتبه لحقيقة عدم ترجمتها على ارض الواقع.
وهنا لربما نحن بحاجة للاستعانة مرّة أخرى بأقلام صناع الرأي في إسرائيل، الذين يكتبون بصراحة عن النوايا الحقيقية لرئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، مكمل الدرب السياسي لسلفه أريئيل شارون.
ففي اليوم التالي للقاء أولمرت بالرئيس الأميركي جورج بوش، أكد ثلاثة محللين إسرائيليين بارزين، في مقالات لهم في الصحافة الإسرائيلية، إن أولمرت ليس معنيا بأي تقدم في العملية السياسية أمام الفلسطينيين.
فقد شكك المحللان ألوف بن وشموئيل روزنير في مقال مشترك لهما في صحيفة "هآرتس" بمصداقية تصريحات أولمرت، ليس فقط في ما يتعلق بالتقدم بالعملية السياسية، وإنما حتى في إطار تقديم تسهيلات للفلسطينيين ويقولان: "لقد فاخر الرئيس الأميركي جورج بوش بالقول ان اولمرت ملتزم "برؤية دولتين"، ولربما ان هذا صحيحا من الناحية النظرية، ولكننا نحن الصحافيين الإسرائيليين، سمعنا من رئيس الحكومة تحفظات كثيرة، فالتقدم الذي يتحدث عنه قد يقود إلى مفاوضات مستقبلية مع الفلسطينيين، ولكن ليس الآن، وكل ما يقوله أولمرت الآن، أنه علينا ان ننشغل بالتحضيرات، التي تستوجب تغييرات أساسية في السلطة الفلسطينية".
ويتابع بن ورزنير، "إن أولمرت يتحدث عن نقل أموال للسلطة الفلسطينية ودعم الأجهزة الأمنية التابعة لأبو مازن، ووعد آخر بإزالة حواجز عسكرية في الضفة الغربية، وبناء على تجارب الماضي، فإن هذه وعود مشكوك فيها".
ويتوافق معهما المحلل البارز في صحيفة "يديعوت أحرنوت" ناحوم بارنيع ويقول، "إن الحديث عن مفاوضات حول الحل الدائم مع حكومة أبو مازن، هو ليس أكثر من مجرد كلام، فالفجوة بين المواقف لا تزال بعينها، والمتغير هو أن الشريك يضعف من معركة إلى
أخرى، والسؤال المطروح إذا، حول ماذا ستفاوض إسرائيل أبو مازن؟".
لقد علمت التجربة في السنوات الأخيرة، وحتى منذ مؤتمر مدريد في العام 1991، وما قبل ذلك من محاولات، أن إسرائيل لا تبادر، ولا تتطوع للمبادرة، للدخول بمحض إرادتها إلى حلبة العملية السياسية، بل كان هذا دائما بواقع ضغط عليها، فقد سبق مؤتمر مدريد الانتفاضة الشعبية الفلسطينية، غير المسلحة، التي كانت السبب الرئيسي الأكبر لمحاصرة إسرائيل في الأسرة الدولية، وهذا هو نفس السبب الذي قاد إسرائيل إلى مسار أوسلو.
وبهذا فإن انشغال الساحة الفلسطينية بحالها، هو فرصة ذهبية لإسرائيل لتكون أبعد ما يكون عن أي ضغط دولي عليها لدفع العملية السياسية، فهي تدعي في "المحادثات المغلقة" في أرجاء العالم، أنها معنية بالتقدم، ولكن"لا يمكن لتقدم كهذا أن يحدث في ظل الأزمة الفلسطينية الداخلية وتهاوي السلطة الفلسطينية وضعف قيادة أبو مازن".
وقد سعت إسرائيل دائما من أجل ضرب مكانة وهيبة السلطة الفلسطينية منذ إقامتها، ولكن الآن هناك من سارع لإتمام هذه المهمة لها في قطاع غزة، فالسلطة الوطنية الفلسطينية لم تكن في أي مرحلة المفاوض الرسمي أمام إسرائيل، وإنما منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن العالم تعامل مع السلطة الفلسطينية كنموذج مستقبلي لإدارة الدولة الفلسطينية، ولهذا فإن الهدف المركزي لإسرائيل كان إجهاض هذا "النموذج"، لتثبت من وجهة نظرها، مزاعم ان الفلسطينيين "ليسوا قادرين على إدارة شؤونهم".
من غير الممكن الاعتقاد بأن إسرائيل قررت نهائيا عدم استخدام الخيار العسكري المكثف ضد الفلسطينيين، فهذا خيار مدمر مطروح بشكل دائم على الأجندة الإسرائيلية، ولكن إسرائيل ستنتظر "الفرصة المناسبة" التي تستطيع من خلال "تبرير نفسها"، أمام الأسرة الدولية، الفاقدة لأي توازن قوى منطقي.
ويخطئ من يعتقد أن أي عدوان إسرائيلي قادم سيكون دعما إسرائيليا لأحد الأطراف الفلسطينية، فالجميع مستهدف، ولكن للأسف فإن في الجانب الفلسطيني من هو معني ببث أوهام انحياز إسرائيل لطرف ما في الساحة الفلسطينية، بما يرافق هذا من خطابات التشكيك والتخوين المدمرة والقاتلة، من أجل تحقيق مكاسب سياسية ضيقة، هي ابعد ما تكون عن المصلحة الوطنية الفلسطينية، وخارج المشروع الوطني الفلسطيني.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة