الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجزرة تكتمل: اقتتال من أجل السلطة يدمر القضية -1

سلامة كيلة

2007 / 6 / 23
القضية الفلسطينية


اتفاق مكة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية لم ينهيا الصراع، ولم يكن من الممكن أن ينهيانه. فقد تشكل الوضع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة في ثنائية ليس من الممكن التعايش فيما بين طرفيها، لأن لكل مصالحه وأهدافه وسياساته.
يمكن ترتيب العلاقة بين كل من حركة حماس (وحركة الاخوان المسلمين قبلها) والمقاومة الفلسطينية (بما في ذلك حركة فتح) وفق أربعة مراحل هي:
1) المرحلة الأولى التي إنتهت مع بدء الانتفاضة الأولى، حيث كانت حركة الاخوان المسلمين تركز على الأسلمة وتنشط سياسياً في إطار التحالف مع النظم العربية التي كانت تسمى رجعية (ولازالت كذلك) ضد ما كان يسمى حركة التحرر العربي، أو الحركة القومية العربية. وكانت في علاقة عضوية مع النظام في الأردن، وتنشط بشكل شرعي. ولقد دخلت في تناقض مباشر مع المقاومة الفلسطينية في الأرض المحتلة منذ نهاية السبعينات من القرن العشرين بعد "حشد القوى" ضد الالحاد والشيوعية. وإلتزمت فتاوى عبدالله عزام القائلة بتشكيل تحالف الإيمان ضد الإلحاد: أي التحالف مع المسيحيين (الدولة الأميركية) واليهود (الدولة الصهيونية) ضد النظم الشيوعية والحركات اليسارية والعلمانية والوطنية. وعلى ضوء ذلك خاضت "حروباً" ضد اليسار في فلسطين المحتلة وضد الجامعات التي كان يسيطر اليسار عليها.
ولقد تشكلت حركة الاخوان المسلمين في حركة حماس دون أن تنقد هذه المرحلة، أو تعتذر من قوى المقاومة التي تضررت من نشاطها.
2) تشكلت حركة حماس بعد بدء الانتفاضة الأولى، ولم تشارك في قيادتها بل بدت أنها تطرح ذاتها كبديل عن القيادة الموحدة للانتفاضة، وكبديل عن المقاومة الفلسطينية ككل. وقيل بأن اسحق رابين هو الذي شجع على نشوئها لكي تكون بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية. وهذا ما أشار إليه رابين وهو يعتقد بأنه قد أخطأ. ولقد لعبت الحركة دور المنافس لقيادة الانتفاضة وللمقاومة.
أدت أتفاقات أوسلو الى فرط الانتفاضة الأولى، وشطب قيادتها، لمصلحة قيادة ياسر عرفات الذي أصبح رئيس سلطة الإدارة الذاتية. وأدت الاتفاقات الى دخول التنظيمات الفلسطينية في المجهول، حيث أدت تلك الاتفاقات الى التحاق أجزاء منها بالسلطة الوليدة، وضياع الهدف لدى الذي إستمروا في التنظيمات. وأسهم إنهيار المنظومة الاشتراكية في حالة من الضياع الفكري (الأيديولوجي)، والشعور بالعجز والهزيمة، لدى قطاعات مهمة في التنظيمات اليسارية، والتي كان بعضها (مثل الجبهة الشعبية) قوة أساسية توازي حركة فتح في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة. بمعنى أن الاتفاقات أفضت الى حدوث فراغ سياسي وآخر أيديولوجي، وإرتباك جماهيري بين المتحمس والمتشكك.
3) لم تنضوِ حركة حماس في السلطة، ورفضت اتفاقات أوسلو، وبدأت في تحدي السلطة ذاتها، كما حدث سنة 1996. الأمر الذي أدى الى تبلور حماس كقوة مقاومة إستفادت من إرتباكات التنظيمات الأخرى ومن فضائح السلطة وفشل مشروعها. ولهذا أخذت تستقطب كادرات من تلك التنظيمات، وشباب متحمس لم يجد في السلطة حلاً للقضية الفلسطينية. فقد رفضت الدولة الصهيونية الانتقال الى البحث في الحل النهائي وفق اتفاقات أوسلو فدمرت تلك الاتفاقات، وإستمرت في السيطرة على الأرض وبناء المستوطنات، مما أظهر بأنها لا تريد الوصول الى حل نهائي بل أنها تكسب الوقت من أجل إكمال مشروعها. وكان فساد السلطة يتوضح لكل الفلسطينيين، حيث مارست عناصرها (المدربة في بيروت على النهب وفرض الخوة والزعرنة) بما أفضى لأن تسمى: "دولة المافيا".
هنا بدأ التناقض يتخذ شكل تناقض بين سلطة فاسدة وتقدم التنازلات المجانية للدولة الصهيونية، وقوة مقاومة تهدف الى مواجهة المشروع الصهيوني من أجل تحرير كل فلسطين. ولقد فتحت الانتفاضة الثانية الأفق لحركة حماس لأن تلعب هذا الدور بجدارة. حيث استقطبت شباباً مستعداً للقتال والاستشهاد، ليس نتيجة قناعات دينية بل نتيجة موقف وطني وجد في حركة دينية تعبيراً عنه. وبالتالي بدت البديل عن السلطة والتنظيمات الأخرى، لهذا جرى انتخابها بأغلبية كبيرة.
4) بنجاح حركة حماس تأسست إزدواجية في السلطة، لكن حركة حماس بدل أن تستفيد من أغلبيتها البرلمانية في تنفيذ سياستها التي نجحت على أساسها، والقائمة على رفض اتفاقات أوسلو، عبر السعي لإلغاء تلك الاتفاقات، وبالتالي تأسيس قيادة موحدة للمقاومة ولتنظيم شؤون الناس، فقد تمسكت بالسلطة، وبدا أنها أصبحت تفكر في تنفيذ مشروعها الأساسي، السابق لمشروعها المقاوم، أي الأسلمة وإعطاء مثل بأن الاخوان المسلمين يمكن أن يصبحوا في السلطة، ليس في فلسطين فقط بل في كل المنطقة كذلك. لهذا جرى التلميح الى تطبيق الشريعة وأسلمة التعليم وفرض الحجاب .... ألخ.
هنا نشأت شرعيتان: شرعية فتح الممثلة في "رئيس السلطة"، وشرعية حماس المستمدة من المجلس التشريعي. ولكل منهما مصالحه وأهدافه وسياساته، وكل يعتقد بأن الشعب معه. رغم أن الشعب لفظ سلطة فتح وإنتخب حماس كونها قوة مقاومة وليس سلطة دينية. وحين يجري التمسك بالسلطة وتقديم التنازلات، وتناسي العمل المقاوم، لن يكون الشعب مع أحد.
لكن نشأ تناقض في سياسات كل منهما، حيث أن رئيس السلطة يود استمرار "العملية السياسية"، ولقد سعى لأن تتبنى حركة حماس جوهر اتفاقات أوسلو لأن ذلك وحده يجعلها تتوافق مع السلطة ذاتها القائمة على أساس تلك الاتفاقات. ورغم تنازلات الحركة إلا أنها لم تستطع اقناع الدولة الصهيونية أنها قدمت ما تريد. وربما كان وضع حماس لا يسمح لها أن تعلن اعترافها باتفاقات أوسلو، وبالتالي بالدولة الصهيونية، حيث أن قاعدتها التي إنضمت إليها كونها قوة مقاومة لن ترضى بهذا التنازل لأنه يناقض منطقها ومنطق حماس التي عرفها. لهذا عرضت الهدنة لمدة عشر سنوات، وهو ما يعني واقعياً وقف المقاومة. ثم وافقت على دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة، واعترفت مواربة باتفاقات السلطة ومنظمة التحرير.
هذه التناقضات الداخلية كان يجب أن ترى وفق منظور أشمل، أي أن ترى في سياق السياسة التي تسعى الدولة الصهيونية الى تحقيقها فلسطينياً. لأن كل هذه الصراعات، وهذا الاقتتال، موضوعان في سياق السياسة العامة للدولة الصهيونية كونها هي الاحتلال الذي يتحكم في كلية الوضع. الأمر الذي يجعلها تشدد في رفض حماس، وتعقد الأمور على رئيس السلطة في الآن ذاته، لأن هدفها هو الاقتتال. وكلما تفوق طرف سوف تدعم الطرف الآخر. لقد رفضت حكومة الوحدة (بالتوافق مع الدولة الأميركية وأوروبا)، وأسهمت مع هؤلاء في استمرار الحصار. كما أنها أسهمت في استفزاز حماس عبر عملاء لها، حيث كان المطلوب أن تقدم حماس على هذه الخطوة، فهي تعني "كسر الجرة" بين الطرفين، والوصول الى أحد خيارين: إما نشوء دولة حماس في القطاع وفصله عن الضفة الغربية (وربما القول أنه بات هو الدولة الفلسطينية المنشودة)، طبعاً دون أن تصبح الضفة الغربية دولة أخرى (لهذا عاد التلميح لمشروع الكونفدرالية). أو ما أشرنا إليه قبلاً، أي استمرار الاقتتال والتقاتل في ظل حصار دولي وعربي وتشجيع صهيوني، في القطاع لتحقيق الأهداف الصهيونية التي كررناها مراراً في الأشهر السابقة: أي إكمال السيطرة على الضفة الغربية، والتشويش على القضية الفلسطينية لإلغائها تماماً إستناداً الى ممارسات القتل والاقتتال. مع إشارة الى أن الدولة الصهيونية تسعى لتحقيق ذلك في كلا الخيارين، وهي مدعومة كذلك من "المجتمع الدولي".
في هذا الوضع بدى أن ادارة حماس للأزمة لا تستند الى فهم للوقائع، وتنطلق من "منظومة أيديولوجية" عاجزة عن تحديد سياسة صحيحة. فليس من الممكن أن تكون في السلطة وأن تبقى قوة مقاومة، وهي إن فعلت ذلك تعطي مبرراً مهماً لكي تمارس الدولة الصهيونية أبشع أشكال التدمير دون مقدرة على الرد الجدي. فقد كانت قوة المقاومة في أنهاتعمل بشكل سري، وضمن مجموعات صغيرة وليس كجيش نظامي. وبالتالي، هل تقبل حماس ما تلعثمت في قبوله قبلاً؟ أي هل تقبل بالدولة الصهيونية وباتفاقات أوسلو وبكل اللعبة القائمة منذ عقد ونصف؟ إذا قبلت ربما تأخذ قطاع غزة دولة إسلامية، وبالتالي تنهي القضية الفلسطينية في أسوأ صورة. وتكون قد "رضيت من الغنيمة بالإياب"، أي تكون قد دمرت القضية الفلسطينية من أجل دولة أصولية تمثل عقلية حركة الاخوان المسلمين. وإذا ظلت في تلعثمها ضمنت استمرار الاقتتال، والقتل الصهيوني، دون مقدرة على الانتصار، على العكس من ذلك سيكون نتيجة ذلك تدمير القطاع وتهجير جزء من سكانه، وتدمير القضية كذلك.
ليس البديل هو سلطة حركة فتح، ولا يجب أن تكون. وكان ممكناً تجاوز الهاوية الراهنة لو أن حماس غلّبت الوطني على الأيديولوجي لحظة حصولها على أغلبية في المجلس التشريعي، من خلال التزامها سياساتها المعلنة آنئذ. حيث كان يجب الغاء أوسلو وحل السلطة وتشكيل قيادة مقاومة تدير شؤون الناس، في إطار استراتيجية تهدف الى مواجهة المشروع الصهيوني وتحرير فلسطين. لكن الأيديولوجي وضعها في الموقع الذي رسمه إسحق رابين منذ عقدين، فعادت حماس الاخوان المسلمين، حماس التي تغلّب الأسلمة على الوطن.

لهذا ليس مهماً من الذي يمتلك الشرعية، فهذه كذبة كبيرة، بل المهم كيف نخرج من "الرمال المتحركة" التي غرقنا فيها؟
إفتتاحية موقع أجراس العودة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أولينا زيلينسكا زوجة الرئيس الأوكراني. هل اشترت سيارة بوغاتي


.. بعد -المرحلة الأخيرة في غزة.. هل تجتاح إسرائيل لبنان؟ | #غرف




.. غارات إسرائيلية على خان يونس.. وموجة نزوح جديدة | #مراسلو_سك


.. معاناة مستمرة للنازحين في مخيم جباليا وشمالي قطاع غزة




.. احتجاج طلاب جامعة كاليفورنيا لفسخ التعاقد مع شركات داعمة للإ