الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما الجدوى من انتخابات دون تغيير؟

محمد الفخاري

2007 / 6 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


يستعد المغرب لخوض انتخابات تشريعية في شهر شتنبر المقبل ومن المتوقع أن تمر هذه الانتخابات كالمعتاد في جو من الشفافية والنزاهة كما هو الحال في جل الدول العربية ولعل أبرز مثال على ذلك الانتخابات التشريعية المصرية الأخيرة التي أبهرت العالم بنزاهتها وخلوها من التزوير لدرجة منع المراقبين من الاشراف عليها. على كل حال, بحن لسنا بصدد كشف الخروقات التي تطال العملية الانتخابية ولا التزوير الذي يتخللها مثلما كشفت عنه مؤخرا قناة الجزيرة حيث ظبط أكثر من ناخب مصري في حالة تلبس ولم يحرك ساكن بعد ذلك, لكن ما يهمنا أساسا هو تسليط الضوء على الانتخابات التشريعية التي سيعرفها المغرب قريبا.

المغرب بلد منفتح وينمو بوثيرة ملحوظة وبتواز مع هذا النمو الاقتصادي والاجتماعي والديموغرافي, هناك نمو سياسي يعكس مستوى الوعي الذي يزداد اطراديا مع دخول البلاد في صيرورة بناء وتحديث لم يشهدهما من قبل. إلا أنه وبالرغم من اختلاف التجربة الديموقراطية المغربية عن التجربة المصرية فإن الوعي بالحقوق والواجبات ما يزال متراجعا شيئا ما حتى ولو افترضنا أن هذه الحقوق والواجبات المتعلقة بالانتخابات والتي تتمثل في التسجيل في اللوائح الانتخابية, تقتضي الانخراط الفعلي في مسلسل الحملات الانتخابية والمشاركة المكثفة في التصويت يوم الاقتراع. والواقع أنه لا خيار لك سوى المشاركة حتى تتفادى أن تنعت "بالشاذ" سياسيا وتسقط عنك صفة الوطنية لتبدو بذلك للعيان أنك تخرج عن الجماعة كما يقول المثل المغربي الساخر: "ما كيخروج من الجماعة غير الشيطان."

إذن هل تعتبر شيطانا إذا اتخذت موقفا مختلفا من الانتخابات عكس ما يذهب إليه الكثير من الناس؟ هل تعتبر شيطانا وخارجا عن الملة إذا رفضت التسجيل في اللوائح الانتخابية أو امتنعت كليا عن الإدلاء بصوتك وهو حق يكفله الدستور لك كمواطن؟ وفي المقابل, هل تعتبر ملاكا إذا تكبدت عناء التسجيل في اللوائح ومارست حقك الدستوري بالتصويت وكأنه الحق الوحيد المشروع والذي يجب أن تتمتع به؟

لا شك في أن الانتخابات بصفة عامة هي عملية سياسية تنم عن إشراك المواطن في البرنامج الديموقراطي الذي يضمن للفرد حقه السياسي في التعبير عن خياراته أو الامتناع عن ذلك كما نشاهد في أكثر البلدان ديموقراطية من ضمنها فرنسا وبريطانيا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية التي تفرغ مفهوم الديموقراطية من محتواه الدلالي وتعبث بالمصطلحات كما يحلو لها. وبما أننا نتحدث عن الحقوق الواجب توفرها لكل المواطنين دون تمييز ومحسوبية عدا حق الاقتراع بطبيعة الحال, فلا مانع أن ننزل إلى الشارع قصد تقصي الحقائق وسؤال المواطن البسيط إن كان فعلا يتمتع بحقوقه التي تضمنها له الدولة كالحق في العمل والسكن والصحة والعيش الكريم ...إلخ

"أليس من الإجحاف ونكران الجميل, يقول جندي متقاعد شارف على الخامسة والستين سنة, أن أتقاضى أقل من 700درهم (70دولار امريكي) كأجر تقاعد لسنوات الخدمة العسكرية التي تفانيت من خلالها في خدمة الوطن والدفاع عن وحدته وأمنه وما أبديته من نكران للذات واستعداد للتضحية بحياتي لأجل هذه البلاد؟ أليس من العبث أن تقتطع الدولة من هذا الأجر الزهيد الذي لا يكفيني حتى لأداء فاتورة الماء والكهرباء وكأني أعاقب على خدمتي للوطن؟ أليس من الظلم أن يمضي أبنائي عمرا في الدراسة والتحصيل ليرتموا بعد ذلك في حضن البطالة بالرغم من حصولهم على شهادات عليا؟ أين هي حقوقنا وحقوق أبنائنا ليطلب منا أن ننتخب؟ثم ننتخب من؟ الناس الذين لا يعرفوننا إلا عندما تقترب فترة الانتخابات؟ والله أنا أشفق عليهم أكثر مما أشفق على حالي..."

يبدو أن هناك قناعة تترسخ ليس فقط لدى المسنين بل أيضا لدى شريحة واسعة من المجتمع المغربي ألا وهي الشباب وخصوصا منهم العاطلين الذين ضاقوا درعا من الوعود الوردية ومن الواقع المرير الذي يعيشونه كل يوم في ظل إحساسهم بتخلي الدولة عنهم, هذه الدولة التي أوكلت بعضا منهم, في حل ترقيعي للبطالة, إلى القطاع الخاض الذي يستغلهم أبشع استغلال وجعلتهم يفقدون الأمل في كل شيء حتى في أنفسهم وذويهم. هؤلاء الشباب المحبطين لا يفكرون الآن إلا في الهجرة كما يقولون و الهروب إلى المجهول حتى لو كلفهم ذلك حياتهم فبالأحرى التوجه لصناديق الاقتراع.

إذن في سياق الحديث عن الانتخابات التشريعية المقبلة, بات واضحا للقاصي والداني أنها ستعرف مفجأة كبيرة من حيث عزوف الشباب عن المشاركة فيها وذلك راجع لفقدانهم الثقة ليس في نزاهتها بل في دورها الجدي في تغييرواقعهم ومعالجة قضاياهم وإيجاد حلول عاجلة لمشاكلهم ولجرعة اليأس التي يتذوقونها سواءا من جهة المرشحين الذين يخدمون مصالحهم الشخصية على حساب الشعب بأكمله أو من جهة تعاقب دورات الانتخابات دون أن يتغير شيء بالنسبة لهم.

هكذا يبدأ المواطن البسيط الذي يشكل قرابة 70 بالمئة من الشعب المغربي بفقدان شعوره بالانتماء لهذا الوطن ويضعف إحساسه بالمواطنة. وعلى ذكر المواطنة, فحتى لو درست في البرامج التعليمية, يبقي الشارع أكثر المدارس واقعية وحقيقة لأنه ليس من سمع كمن رأى وعاش.

يبقى شيء ذو أهمية بالغة ولابد من الإشارة إليه, لعله ذلك الرواج التجاري والفني الذي تخلقه الحملات الانتخابية والذي يساهم إلى حد ما في تقريب المواطنين من بعضهم البعض ضمن تجمعات خطابية هناك من ينعتها بالديماغوجية وهناك من يعتبرها محاولات فنية من لدن المرشحين لإبراز مواهبهم الخلاقة الغرض منها أولا وأخيرا الترفيه عن المواطن الذي لا تفارق الابتسامة محياه وكأنه يقول في قرارة نفسه: "خلينا نتفرجوا ونضحكوا على الكدوب ما دام ما بقى ما يدار."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا