الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حماس : الدم الفلسطيني خط أخضر!

جورج كتن

2007 / 6 / 24
القضية الفلسطينية


يندرج ما جرى في غزة في إطار الجرائم ضد الإنسانية، فالذي عرضته الشاشات، وهو أقل من الصورة الحقيقية، يكفي للحكم على مدى الهمجية التي عومل بها "رفاق الدرب"، من سحل للجثث وإلقائها من الطوابق العليا، وتعرية "الأسرى" وإطلاق النار فوق رؤوسهم وتعذيبهم في المساجد، ونهب بيوت المسؤولين وخاصة القائد الرمز ياسر عرفات وأبو جهاد، والدوس على صورهم، ونسف تمثال الجندي المجهول، والتحضير لاغتيال الرئيس عباس، وإلغاء العلم الفلسطيني التاريخي، وقصف المستشفيات والمقرات واستخدام النساء والأطفال كدروع بشرية، وقتل المئات وجرح الآلاف...
حماس أطلقت على عمليتها الانقلابية للاستيلاء على كامل السلطة : "التحرير الثاني لغزة من العملاء"!، والعميل في مفهومها هو كل مخالف لها أو غير مؤيد لأعمالها, وهي "معركة الحق ضد الكفر والباطل"!، يمثل الطرف الأول فيها القتلة الملثمين ممن كانوا ضحية للاحتلال وأصبحوا جلادين لأبناء بلدهم.
ألحقت حماس بالديمقراطية الفلسطينية إساءة بالغة، أما تذرعها بأكثريتها فلا يعطي ميليشياتها المسلحة الحق في الانقلاب على مؤسسات السلطة الوطنية. لقد سبق للحزب النازي أن فاز بالأكثرية في انتخابات ثم استخدم السلطة لسحق الأحزاب المنافسة، فهل أكثريته تشرع له ذلك؟
ما حدث نتيجة طبيعية للفلتان الأمني المتولد عما سمي "مقاومة مسلحة" عبثية لم تعد تعرف كيف وماذا تقاوم، وعندما فشلت في مقاومة العدو "قاومت" الصديق بلا تمييز بينهما، فالمهم استمرار آلة القتل الجنونية. يجري ذلك في ظل "حكومة الوحدة الوطنية" التي أقسم أعضاؤها من حماس على خدمة الشعب الفلسطيني وليس إعمال القتل فيه. أثبتت حماس تمسكاً بالكرسي على أن "تنبع السلطة من فوهة البندقية" وفوق جثث رفاق الأمس.
تسبب فيما جرى أيضاً طبيعة الجهة المنفذة التي ترفع شعار "الإسلام هو الحل"، الذي ثبت في أكثر من مكان أنه مقدمة لمزيد من التخلف والعودة لبربرية القرون الوسطى: من حروب "المجاهدين" في أفغانستان إلى مجازر الإسلاميين في الجزائر ومصر، إلى القتل العشوائي للسلفية الإرهابية في العراق، إلى الإبادة الجماعية في دارفور.. والقادم أعظم..
كما قاد لذلك ناخبين فلسطينيين لم يدققوا في دوافع حماس ومدى نجاعة "مقاومتها" الانتحارية، ولم يتوقعوا الوحشية المتوارية خلف ذقون قادتها، وظنوا أن الهرب من فساد قياديين من فتح يكون بإعطاء أصواتهم لحماس. التجربة المريرة الراهنة ستجعلهم يدركون أن فساد بعض فتح يمكن تداركه بأقل التكاليف، وهو لا ينفي أفضلية فتح كنهج عقلاني لبناء دولة حديثة وعلاقات طبيعية مع العالم، أما مع منظمة همجية فستهرق دماء كثيرة للتخلص من هيمنتها. الفرصة الآن متاحة للأغلبية التي صوتت لحماس للتعلم من دروس ما حدث.

تبدأ مع كارثة غزة مرحلة جديدة من تاريخ الشعب الفلسطيني ستكون لها نتائج على المستقبل القريب والبعيد:
1- تكريس عزلة شاملة لقطاع غزة عن الجوار العربي والمجتمع الدولي والعالم، وهي سمة لمشروع الإسلام السياسي عموماً- إمارة الطالبان لم تعترف بها سوى دولتان-، ونتيجة طبيعية لمفاهيمه التراثية المخالفة للعصر وللحداثة والمعادية للعالم المتحضر. والمأساة ليس عزلة منتسبي حماس بل جرهم لمليون ونصف فلسطيني للعزلة كرهينة في مواجهة العالم.
2 – أثبتت العملية الانقلابية أن حماس لا تقبل من الديمقراطية سوى صناديق الاقتراع التي توصلها للسلطة، عملها الأخير أكد ما ذهبنا إليه في مقالات سابقة وأشار إليه عديدون: "الديمقراطية كنهج متكامل لا تتوافق مع المفاهيم المرجعية للإسلام السياسي". ويمكن هنا التذكير بالإسلام السياسي الإيراني الذي انقلب على حكم الشاه الاستبدادي ليقيم حكم رجال الدين الأشد استبداداً. بقية التجارب لا تختلف فيما عدا الاستثناء التركي.
3 – ستقود هيمنة حماس لكيان طالباني آخر، فقد شهدت غزة خلال الأشهر الأخيرة عشرات الهجمات على كنائس ومقاهي انترنت ومتاجر أجهزة الاستقبال الفضائي ومحلات بيع خمور وصالونات حلاقة..، وخطف أجانب وصحفيين والتعرض لغير المحجبات وتهديد مذيعات فضائيات بقطع أعناقهن..، جرى كل هذا وغيره في ظل وجود السلطة الوطنية، لكن ما سيحل بالمواطنين بعد هيمنة حماس لن يكون أقل مما فرض على الأفغان في ظل إمارة الطالبان المقبورة.
4 – قد يكون من النتائج أيضاً انتشار تنظيم القاعدة في غزة كتنظيم إرهابي حليف للإسلام السياسي، حدث ذلك سابقاً عندما حضن النظام السوداني المتأسلم بن لادن، ثم توفير الطالبان لمأوى آمن للقاعدة لتصدر منه للعالم إرهابها الإجرامي، فلا شيء الآن يمنع إسلاميي غزة من دعم القاعدة بصفتها "تجاهد" ضد الأمريكان وتحارب الكفر في العالم!.
5 – انتصار انقلاب حماس العسكري تحول عملياً لهزيمة سياسية، وأدى لانهيار ما سمي براغماتية حماس ولصعود الاتجاهات "الثورية الرثة" وضياع الأمل بانتقالها للقبول بحلول واقعية للمسألة الفلسطينية، كبديل لما تتبناه من حلول كارثية تشابه ما عملت له القوى الفلسطينية العلمانية قبل أوسلو في ظروف كانت الأفضل عربياً ودولياً، بينما حماس تكرر التجربة الفاشلة في ظروف هي الآن الأسوأ من جميع النواحي.
6 – النتيجة الأهم هي أن استخدام مسلحي المقاومة للانقلاب على مؤسسات السلطة واستئصال فريق سياسي فلسطيني، أسقط الشرعية عن "مقاومة مسلحة" تحولت لعصابات للقتل، وفي أحسن الاحوال مرتزقة لتحقيق أغراض خاصة بالقيادات.
كيف يمكن الخروج من هذه الحالة التي يمر بها الشعب الفلسطيني؟
بتحديد المهمة الأساسية لحكومة الطوارئ : جمع شامل للسلاح واعتبار كل من يصر على الاستمرار في حمله من غير المنتمين للمؤسسات الرسمية خارجاً على القانون، ورفض ابتزاز أنصار "تصعيد الكفاح المسلح"، وحل جميع الميليشيات المسلحة وليس عصابات حماس فقط، بل جميعها، حتى ميليشيات فتح، وإلحاق الجادين منها بالمؤسسات الأمنية والعسكرية الحكومية، التي يعمل على إعادة هيكلتها وتثقيفها وتدريبها وتحييد منتسبيها عن الأطراف السياسية.
بدون هذا الإجراء المفصلي ستبقى الأوضاع قابلة لكوارث أخرى خاصة في الضفة الغربية. الفرصة الآن متاحة لمثل هذا الإجراء حيث توحدت فتح أمام الأزمة وتوافقت مع معظم الأحزاب والفصائل لمواجهة كارثة الانفصال الحماسي.
تظهر هشاشة الدعوة للحوار بعد أن جعلت حماس "الدم الفلسطيني خط أخضر"، فالعودة للحوار غير ممكنة دون تراجع كامل لحماس عما فعلته والقبول بإنهاء الحالة المسلحة.
يفيد إرسال قوات عربية أو دولية للجم حماس، أما توقع تمنع الدول عن المشاركة فلا ينفي مسؤولية المجتمع الدولي والجامعة العربية عن إنقاذ فلسطينيي غزة من الأوضاع غير الإنسانية التي قادتهم إليها حماس، بإجراءات لا تؤدي لمزيد من الإضرار بهم.
جمع السلاح خطوة أولى لا يمكن الاستغناء عنها لبناء دولة حديثة بعد التوصل لإنهاء الاحتلال باتفاقات تحظى بتأييد المجتمع الدولي.
* كاتب فلسطيني
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ذكرى النكبة.. فلسطيني من غزة: ما أشبه الليلة بالبارحة


.. إسرائيليون يعترضون شاحنات مساعدات إلى غزة ويلقون طرود المواد




.. في السعودية.. رقصة مقابل كوب من القهوة مجانا! • فرانس 24


.. هشام الحلبي: الحرب عادت إلى شمال غزة لأن كلمة السر هي في الأ




.. الرحيل من رفح بأي ثمن قبل عملية برية إسرائيلية مرتقبة