الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما الجرم الذي قارفته حماس يا عباس؟؟

عماد صلاح الدين

2007 / 6 / 24
القضية الفلسطينية


رغم فشل المدرسة الاوسلوية برمتها ، وما جلبته للشعب الفلسطيني من مآس ومصائب جمة وكبيرة ، فهذه المدرسة التي يعد محمود عباس مدشنها ومهندسها ساهمت كثيرا في تكريس وشرعنة الاحتلال على أراضينا المحتلة عام 67 ، ليس هذا وحسب بل إن هذه المدرسة قلبت المفاهيم والأسس الأخلاقية والقانونية المتعلقة بالشعوب المحتلة رأسا على عقب ، فتحت ظلال هذه المدرسة وصم الشعب الفلسطيني بالإرهاب ، وأصبح حقه حتى في الدفاع عن نفسه المشروع ضربا من العنف وخروجا عن القانون يستحق عليها الموت الزؤام خارجا عن كل القوانين والقيم الإنسانية ومفاهيم ومعايير حقوق الإنسان.
بفضل مهندس أوسلو الأول ، أصبح على الشعب الفلسطيني أن يقتل بعضه بعضا ويخون الأخ أخاه تحت مسمى التنسيق الأمني والتواصل مع الاحتلال ، ومن نعم أوسلو علينا مارسنا "الخزي الأكبر" على حد تعبير البروفيسور قاسم حيث بتنا نتسول لقمة عيشنا من الاحتلال وداعميه ومؤسسيه ، في مخالفة واضحة وجلية لكل القوانين والأعراف المتعارف عليها تاريخيا لحركات التحرر الوطني ، ومع ذلك كله عذر الشعب الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على قبول ضغط عباس بالاتجاه نحو الاعتراف بإسرائيل وإجراء تفاوض ماراثوني معها ، مع أن النتيجة كانت في النهاية صفر بامتياز في سبيل تحقيق بعض من حقوقنا الوطنية المشروعة .
عذر الشعب ومعه حماس الراحل عرفات لأنه في نهاية المطاف قال لا كبيرة للذين يريدون للشعب الفلسطيني دون حده الأدنى من تلك الحقوق ، واقصد هنا كامل أراضي ال67 دون الحديث في ابعد تقدير عن حق العودة الكامل ، لم يعذروه وفقط ، بل الشعب الفلسطيني ومعه حماس وكل المخلصين اعتبروا الرئيس شهيد الشعب الأول ورمزه التاريخي الكبير ، ولقد رأينا كيف أن حماس نفسها المختلفة الأولى مع ياسر عرفات في النهج السياسي كانت من أول المبادرين إلى طلب التحقيق في ملابسات اغتياله وقتله .

ولما جاء عباس إلى سدة الرئاسة بعد أبو عمار ، لم تتوان حماس مرة أخرى عن دعمه وإعطاء الفرصة له لكي يجرب حظه مرات ومرات في التفاوض مع إسرائيل على أمل الوصول إلى الحد الأدنى من حقوقنا ، ولذلك وافقت حماس ومعها معظم الفصائل على الذهاب إلى حوارات القاهرة ، ومن ثم الالتزام بما تمخض عنها من إجراء انتخابات شاملة والدخول في تهدئة والتوافق على إعادة إصلاح وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية لتكون ممثلا شرعيا وحقيقيا لجميع الشعب الفلسطيني .
وبناء على ذلك دخلت حماس الانتخابات وهي تظن أنها خطوة جديرة بالاتخاذ في سبيل ترتيب البيت الفلسطيني والعمل على توحيده وتقوية موقفه تجاه الأطراف الإقليمية والدولية وفي مقدمها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ، لكن حماس ما إن فازت بتلك الانتخابات حتى انقلب الجميع عليها بمن فيهم الشريك في العملية السياسية ، فاعتبروا فوزها كارثة و"تسونامي" جديد ضرب المنطقة برمتها ، واقسم السيد دحلان أغلظ الأيمان متوعدا كل اللذين يريدون أو حتى يفكرون بالمشاركة معها في الحكومة .
واعتبر كثير من أقطاب المدرسة الاوسلوية المشاركة في حكومة وحدة وطنية مع حماس على أنها ضرب من العار ، واتخذوا في سبيل إفشال حماس والحكومة العاشرة ،التي شكلتها بمفردها بعد أن وضعوا في وجهها الشروط التعجيزية للمشاركة في حكومة وحدة وطنية ،مجموعة من الإجراءات الأمنية والاقتصادية والسياسية وبالتواطؤ مع إسرائيل وأمريكا وآخرين حتى سمعنا في حينها عن خطة "البقاء في الخفاء" التي تولى قيادتها ثلاث شخصيات بارزة من أقطاب أوسلو ، وفرض الحصار على الشعب الفلسطيني من اجل إسقاط حكومته وتوقعوا لها السقوط خلال ثلاثة أشهر ، لكنها لم تسقط ، وحتى يأخذ الحصار مفعوله ،ومن منطلق تبييت سوء النية مسبقا رأينا كيف أن المجلس التشريعي المنتهي صلاحياته في حينها اتخذ مجموعة إجراءات وتشريعات من اجل تعزيز سلطات الرئيس في مواجهة الحكومة المقبلة لحماس ، وكذلك الأمر بالنسبة لسرقة صلاحيات الحكومة ووضعا في جعبة الرئيس في مخالفة صريحة وواضحة للقانون الأساسي المعدل لعام 2003 ، أما الحديث عن افتعال الإضرابات والاضطرابات الأمنية فحدث ولا حرج ، فقد شكلت في حينها النقابات تحت مسميات وسوابق تاريخية جديدة غريبة كحال نقابة الموظفين العموميين ، وكانوا يقولون مع ذلك أن الإضراب غير مسيس ، ولو كان حقا غير مسيس لأشهروه في وجه فارضيه وليس في وجه الحكومة الواقعة وشعبها تحت الحصار الظالم والجائر .

في سبيل إسقاط وحل الحكومة ومعها مشروع الحد الأدنى من الحقوق الوطنية ، ابتدعت قيادات من فتح وبالتنسيق مع الأسير مروان ألبرغوثي ما سمي في حينها بوثيقة الأسرى التي عرضت في سجن هداريم فقط ، وقد تعامل في حينها قيادات من الفصائل وفي مقدمها حماس مع الوثيقة بايجابية على أن تكون قاعدة للحوار الفلسطيني الفلسطيني ، لكن الرئيس عباس ومن معه أرادوها وثيقة مقدسة لا مجال للتعديل أو الإضافة عليها ، ولذلك هددوا بالاستفتاء عليها دون أن يكون في القانون الأساسي نص يجيز هذا الاستفتاء، وتبين لاحقا أن الوثيقة في صورتها الأولى لا تحقق مطالب الشعب الفلسطيني في جانب الأراضي الكاملة لعام 67 ، وأما في جانب حق العودة فليس فيها ما يضمنه بوضوح وجلاء، وهذا ما يلتقي مع توجه عباس والتيار المسيطر فتحويا بشأن الدولة والحقوق التي لا تخرج عن صيغة خارطة الطريق ورؤية السيد بوش لحل الدولتين ، لهذا تابعنا جميعا كيف تنصل الرئيس من وثيقة الوفاق الوطني ، واعتبر أنها لا تلبي شروط المجتمع الدولي " شروط أمريكا وإسرائيل".

ومع ذلك، ورغم الحصار المفروض وكل المعوقات التي شارك فيها ،ومن أسف، قيادات فتحويه مسيطرة، إلا أن حماس صبرت وبقيت تمد يدها من اجل الوحدة الوطنية في كل شيء ، لكن التيار المسيطر على حركة فتح أبى إلا أن يخضع للشروط الأمريكية والإسرائيلية المتجهة نحو إسقاط حكومة حماس وإفشالها ، وعندئذ انتقل الأمر إلى مرحلة التحرش العسكري بحماس من خلال الأجهزة الأمنية التي يسيطر عليها "لوردات" الأمن المعينون أمريكيا وإسرائيليا ، وعندها اتخذ الفلتان الأمني المنظم مختلف الأنواع والدرجات، واستغل الرئيس عباس الأمر ليهدد بالانتخابات المبكرة المخالفة لنصوص القانون الأساسي التي تشير إلى أن للمجلس التشريعي مدة قانونية هي أربع سنوات لا يملك احد بشأنها تجاوز أو مخالفة، إلى أن تم التوصل إلى اتفاق مكة بجهود سعودية وعربية ، وتنازلت حماس عن كثير من المواقع والمناصب المهمة في الحكومة وقدمت ليونة دبلوماسية كبيرة ، وشكل على اثر ذلك حكومة الوحدة الوطنية الحادية عشرة ، لكن الحقيقة المرة بقيت طافية على السطح ، وهو أن تيار أمريكا وإسرائيل في حركة فتح له خط سياسي يقوم على قاعدة" نأخذ فقط ما يتيحه لنا الأمريكيون والإسرائيليون بالتفاوض"، والكل يعرف ما هذا الذي يتيحه الأمريكيون والإسرائيليون ، وهو الدولة "الكانتونية" المقطعة ، مع شطب حق العودة نهائيا ، ولان هذا خطهم الذي لا يمكن أن يلتقي مع الخط السياسي لمطالب حماس وهو الحد الأدنى من حقوقنا المشروعة : جميع الأراضي المحتلة عام 67 ، مع ضمان حق العودة ، فان التيار الاوسلوي "الما بعد عرفاتية" وبالتنسيق مع الولايات المتحدة وإسرائيل ، قرروا نهائيا بضرورة إسقاط حماس والانقلاب عليها بالقوة ، ولقد كشفت العديد من الوثائق وصفقات السلاح وبعثات التدريب إلى دول الجوار ذلك ، وكان من المقرر أن يتم حسم الأمر مع حماس في شهر تموز "يوليو" من هذا العام الجاري . وما دام الأمر كذلك ،رأينا كيف أن قادة الأجهزة الأمنية للوقائي والمخابرات عطلوا كل خطة أمنية من اجل تحقيق الأمن والاستقرار مما حدا بالوزير القواسمي لان يستقيل من وزارة الداخلية . رغم أن تعاون تلك الأجهزة وامتثالها لوزير الداخلية الذي هو المسئول الرسمي والفعلي عن تلك الأجهزة ، لا يعتبر من باب سيطرة حماس أو الحكومة على تلك الأجهزة ، لكن القصد كما أسلفنا هو أن تيار خارطة الطريق يريد تنفيذ أجندته السياسية وحلوله القائمة بناء على ما يسمح به السقف الأمريكي والإسرائيلي ، ويبدو أن حماس ما كانت لتغفل عن ذلك فبادرت إلى الهجوم كخير وسيلة للدفاع عن شرعيتها الحقيقية الموزونة بأكثر من 60 % من أصوات الشعب الفلسطيني ، في حين أن الرئيس عباس الذي يعتبرونه رأس الشرعية لم ينتخبه إلا 60 % من أل 30 % ممن شاركوا في عملية الاقتراع على انتخابات الرئاسة عام 2005.

يتهم الرئيس عباس حماس بالظلامية والتكفيرية والخارجة عن القانون وبالإجرام .... الخ ، ولو أردنا أن نقارن بين ما قارفته حماس من أخطاء بالقياس إلى ما اقترفه الآخرون ، لوجدنا أن الفرق هو مابين الثرى والثريا ، فحماس في غزة مارست أمرا اضطراريا تمارسه كل الدول والحكومات حين لا تفلح الوسائل السياسية والدبلوماسية في إيقاف التمرد والعصيان على الحكومات الشرعية . وهي مع ذلك لم تدمر عشرات المؤسسات والمرافق العامة ، ولم تقتل الناس في الشوارع ، فهي حتى في قيامها بعملها الاضطراري هذا أعطت الفرصة للمتمردين على الشرعية الفلسطينية كيما يسلموا أنفسهم ، وهي بالتالي لم تشهر السلاح في وجه الذي لم يقاتلها ، بل هي فوق هذا وذاك أعطت العفو العام عن قيادات كثيرة كان لها دور في الفلتان الأمني والتمرد على الشرعية ، ومارست القصاص في حق من أجرم فقط كما هو الحال مع سميح المدهون ، أما الرئيس عباس فلقد تحول هو وأجهزته الأمنية في الضفة الغربية إلى عصابات إجرام تحت مسمى "حكومة إنفاذ الطوارئ" التي لا تجد لها أصلا في القانون الأساسي المعدل لعام 2003 ، دمرت مليشيات الرئيس تحت سمع الاحتلال وبصره ورعايته أكثر من 120 مؤسسة خيرية واجتماعية وثقافية واقتصادية وصحية كان آخرها اليوم بتاريخ 23 - 6 - 2007 مصنعا للإطراف في قلقيلية أسس قبل عام ونصف العام بدعم دولي ، وقدرت الخسائر الأولية ب مليوني ونصف المليون شيقل أي ما يعادل نصف مليون دولار ، هذا ناهيك عن أكثر من 150 مختطف من أعضاء وعناصر الحركة ، بالإضافة إلى حالات الاختطاف والاعتداء على شخصيات مستقلة لمواقفها الوطنية كما هو حال إطلاق أكثر من ستين رصاصة على سيارة صديقنا البروفيسور عبد الستار قاسم أستاذ الفكر السياسي بجامعة النجاح، وكذلك الأمر بالنسبة لاختطاف الدكتور حسن السفاريني أستاذ القانون العام بجامعة النجاح الوطنية ، والبروفيسور احمد الخالدي وزير العدل السابق في الحكومة العاشرة وعميد كلية الحقوق بجامعة النجاح الوطنية ، أما حرق المنازل والعبث بها وسرقة محتوياتها لقيادات شعبنا في الضفة وعلى رأسهم رئيس الشرعية د. عزيز الدويك والقيادي في حماس النائب الأستاذ حسن يوسف المعتقلين في سجون الاحتلال ، فلم يتورع مسئولو الفلتان المنظم عن إحالتها إلى مسلحين مجهولين؛ كالمعتاد. إنهم في الضفة يعربدون تحت غطاء "حكومة إنفاذ الطوارئ" غير الشرعية التي عطل من اجلها الرئيس عباس نصوص القانون الأساسي ولاسيما مواده الثلاث 65 ، 66 ، 67 .

في الضفة الغربية أصبح الرعاع يعزلون ويقلدون المراكز العامة والمنتخبة كيفما يشاؤون ، فأبو جبل وأبو اسكندر في نابلس أصبحا ممثلي الشرعية العليا ، تخيلوا لقد عين أبو جبل احد أقاربه مديرا للتربية بقوة السلاح ، هذا بالإضافة إلى تعيينه آخرين في البلدية بدلا من الأعضاء المنتخبين شرعيا وعلى رأسهم الأستاذ المحسن المهندس عدلي يعيش.

حماس التي يتهمونها بالانقلاب على الشرعية في غزة يعيش الناس في ظل ضبطها للأوضاع هناك في امن واستقرار، فما عدنا نسمع عن حالات الفلتان والإجرام ، بعد أن تم معالجة الأمر مع مفتعليها ، أما في ضفة عباس صاحب الشرعية والقانون فالناس يقمعون ويسلط عليهم سيف الخوف والإرهاب ، حتى ما عاد المرء في الشارع يجرؤ بالحديث عن مواقفه السياسية إلا نفاقا أو خفية خوفا من مليشيات عباس ، زملاؤنا في العمل الذين اعتقلهم الوقائي في عقد التسعينيات من القرن الماضي ما عادوا يستطيعون العودة إلى وظائفهم خوفا من بطش أجهزة الرذالة والعمالة وحفظا لكرامتهم من الهدر ، ما أبقي الرئيس عباس للشرعية مكان ، ففي حضرته العباسية أصبح هو وعبد ربه وكل الفاشلين المشرعين الأولين والأخيرين ، وبقي الله لك ياشعبنا ومن ثم المقاومة التي يكرهونها من اجل بني صهيون وأمنهم ، والتي يسعى عباس والصحب في خطته الرباعية القادمة إلى تجريمها وإخراجها من القانون واعتبارها إرهابية وإجرامية، فما الذي اقترفته حماس يا عباس قياسا إلى جرائمك و جرائم زمرتك الدحلانية بحق الشعب منذ عقود؟!
أ. عماد صلاح الدين
كاتب وباحث فلسطيني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي