الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعوذة التلفزيونية

أمياي عبد المجيد

2007 / 6 / 24
الصحافة والاعلام


خلال السنوات القليلة الماضية اكتسحت أنظمة استقطاب القنوات الفضائية معظم البيوت العربية ،فسلت أسنان وتعاظمت نزوات ودخل رجال الأعمال والباحثين على مسار للثراء الخارق في سباق مع الزمن يشيدون ويطلقون البث لقنوات غريبة ، وخلال فترة وجيزة تناسلت هذه القنوات محدثة طفرة لم يسبق للفضاء الإعلامي العربي أن شهد مثلها .
لقد طلعت علينا قنوات الأغاني ومروجات الفيديو كليب الصاخب والساقط كأول الغيث.هذه القنوات التي لا يخفى على فحيص أن رجال أعمال يقفون ورائها بعباءات مختلفة ، تارة باسم الحرية ،وتارة أخرى باسم موسيقى الشباب ...وهكذا حتى يراكموا الثروة ويكدسونها متناسين العواقب النفسية، والاجتماعية الحادثة في المجتمع ،وعندما وضعوا أمام أمر واقع يسوده انحطاط أخلاقي وتبجح ما شهدناه من قبل أنكروا أن تكون منتجاتهم السخيفة هي السبب عاملين بمبدأ الإنكار والاستنكار !!
بالتدريج تأقلم رواد الفضائيات وعرف العارفون أن أخلاق المجتمع لن تسقط لدواعي صبيانية ، وأخذت الموجة بالتدريج على نحو اعتيادي ، لكن المستفزون المتلذذون للدرهم والدولار أبو أن يكتفوا بما حصدت أيديهم وتوجهوا إلى تأسيس فئة جديدة من القنوات الانتهازية ، وما هي إلا فترة وجيزة حتى تناسلت قنوات تدعي التسلية وتقديم الخدمات الروحية لروادها ، فيحدث أن ترى خدمة من قبيل : إرسال رسالة قصيرة واحصل على الدعاء الفلاني، أو أرسل قولة كذا لعدد من الأشخاص يساوي كذا تربح عددا من الحسنات يساوي كذا !! وهكذا يستمر المسلسل المستخف بالعقل العربي والإسلامي وتقزيم سعة تفكيره وقدرته على التعامل بلباب مع مجريات حياته . وفي الحقيقة هم يضعون الحجة على أنفسهم بأنهم وجدوا في هذا المجتمع لتخريب البيوت ، وشغل المجتمع عن همومه الكبرى وقضاياه المصيرية .
لم تتوقف آلة البذخ والتلاعب بمشاعر الإنسان العربي عند حد استنزاف جيبه ونقله من عالم المعقول إلى عالم الخيال بل تعدى ذلك حتى صدمنا بنتاج جديد لا يمكن تفادي صيغة التدمير في نعتها ولا عبارة الشعوذة في تصنيفها .
إنها قنوات ظهرت مؤخرا كأخر نتاج توصل إليه هؤلاء الحاذقين حسب الزعم !! ليضعوا الأختام والتوقيعات على عصر الصورة . وبدأت بثها بتلقائية وحرية ما عهدناها في مجال الإعلام، وقد يتيه بنا التفكير ونتساءل عن مغزى تواجد قنوات تروج للسحر والشعوذة بينما يمنع الترخيص لقنوات ثقافية وتوجيهية ؟الجواب على هذا السؤال يفرض تلميحا على حال الأنظمة العربية وعلاقتها بالإعلام ، فهذه الأنظمة لن تتغير ما بقي الإعلام يشرب من نبعها أو غيب في دهاليز القمع عندها ، وحيثما ظهر إعلام مسئول تبددت أحلام الأنظمة المستبدة وبالتالي فانا اعتقد أن الترويج للسحر والشعوذة على الفضاء هي خطوة تواطئية بين مروجي الخرافة لشغل الشعب وبين الأنظمة التي تستفيد من جهالة الناس وان كانت العملية تتم بشكل غير مباشر .
إذا ما تغاضينا عن الاسترسال في واقع الأنظمة المعروف للقاسي والداني وانحرفنا إلى السوق الشعبية المتهافتة على تبني الفكر الخرافي التلفزيوني نجد نقطتين أساسيتين تعتبران مفصلين في طبيعة تشكل فكرة الاستسلام للوهم وشرائه :
الأولى : إن المشاهد لهذه القنوات منزوع الإرادة ولا يغلب منطق العقلانية على ترادف الآراء التي يتعرض لها باستمرار فيحدث أن يخلط بين قيم دينية روحانية بما تجوب به الشعوذة . ولما كانت هذه العشوائية في توجيد الحلول النابعة من لمحات توهم التفاعل مع الواقع تقدر على المشاهد الانزواء وراء الشبهات بمعية الروحانية الناقصة أو ما يسمى بضعف الإيمان . وبما أن الشريعة الإسلامية عند المسلمين أقرت الاحترام للعقل ودعت إلى تحكيمه فالتقابل والتعارض الذي يعيشه المشاهد يشهد بفداحة وبساطة التفكير ويوحي في النهاية بانقلاب بين على منطق التمحيص والتفحيص .
الثانية : علاوة على ما ذكرناه في النقطة الأولى تأتي الظواهر الاجتماعية كتكملة لحلقة الإفراغ الذي يعيشه المواطن ، فتختار العائلة لنفسها ذرائع من قبيل تكاليف العيش الضنك ومتطلبات الحياة اليومية ، وقلما وجدنا من يعيل أي اهتمام لحالته الصحية ومن دبت في خاطره ذرة مسؤولية يتوجه التوجه الخاطئ ويختصر طريقه في العلاج بالاتصال هاتفيا وبتكلفة اقل حتى يخلص حاله أو قريبا من غم أو مرض .
* كاتب مغربي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طائرات بوينغ: لماذا هذه السلسلة من الحوادث؟ • فرانس 24 / FRA


.. رفح.. موجات نزوح جديدة وتحذيرات من توقف المساعدات | #غرفة_ال




.. جدل الرصيف الأميركي العائم في غزة | #غرفة_الأخبار


.. طلاب فرنسيون يطالبون بالإفراج عن زميلهم الذي اعتقلته الشرطة




.. كتائب القسام تقصف مدينة بئر السبع برشقة صاروخية