الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خيانة كامب ديفيد

أوري أفنيري

2003 / 9 / 19
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



 
     حدث ذلك في اليوم الأول من المحادثات الإسرائيلية – المصرية. بعد زيارة الرئيس أنور السادات التاريخية إلى القدس. فقد عقدت المحادثات في "مينا هاوس" وهو فندق أجلّه التاريخ ويتواجد مقابل الاهرامات.
     وقد رفع المصريون أمام المبنى أعلام  جميع الدول العربية التي دعيت للمشاركة في المحادثات (وبالطبع لم تحضر أي دولة من هذه الدول). وقد رفرف على أحد الأعمدة العلم الفلسطيني.
     بينما كنت في طريقي إلى المبنى متسلقا أدراجه، قابلت فجأة رئيس هيئة الاستخبارات الإسرائيلية، وهو في طريقه يخرج مسرعا من المبنى. ولأننا كنا عدوين لذوذين، فوجئت به يتوجه إلي  قائلا: "أوري هل يمكنك مساعدتي؟ ما هو شكل علم منظمة التحرير الفلسطينية؟".
    فأجبته "هذا ليس علم منظمة التحرير الفلسطنية، بل هو العلم الوطني الفلسطيني"، ورسمت صورة العلم على قطعة من الورق.
     "يا للهول!" صرخ رئيس الاستخبارات, "لقد رفع المصريون هذا العلم أيضا!"
     عاد مسرعا إلى قاعة المؤتمر، وبعد بضع دقائق أنزل المصريون فجأة كل الأعلام، واختفى العلم الفلسطيني أيضا.
     هذه الحادثة الصغيرة ترمز إلى كل ما حدث في المفاوضات السلمية الإسرائيلية-الفلسطينية، والتي كان أوجها مؤتمر القمة (الأول) في كامب ديفيد، في الخامس من أيلول من عام 1978.
    في هذا الأسبوع، ومع مرور 25 عاما على ذلك المؤتمر، نشرت في الولايات المتحدة وثائق سرية من تلك الفترة. أما ما يثير الاهتمام من بين هذه الوثائق، فهي وثيقة تحتوي على قائمة بالنصائح التي أسدتها وزارة الخارجية الأمريكية إلى الرئيس جيمي كارتر، عشية خروجه إلى مؤتمر كامب ديفيد.
    يحتوي هذا المستند على بعض التفاصيل الطريفة، التي تشهد على الأعمال التحضيرية الدقيقة التي قام بها الأمريكيون. فعلى سبيل المثال، جاء هناك أن بيغن يأوي إلى النوم الساعة الحادية عشرة ليلا، ويستيقظ من نومه الساعة الخامسة صباحا.
     وقد جهز الأمريكيون مسبقا، قبل بدء المؤتمر، نصا كاملا للاتفاقية المرغوب فيها. دون استشارة الطرفين. يشبه هذا النص، إلى حد كبير، النص الذي تم التوصل إليه في نهاية الأمر. كارتر كان رجلا يحب حسم الأمور.
     وقد كان الشعب الفلسطيني، بالطبع، هو الضحية الرئيسية لمعاهدة كامب ديفد. فالامريكيون كانوا قد قرروا مسبقا بأن لا مكان لدولة فلسطينية مستقلة، بل نوع من الحكم الذاتي الذي سيتيح استمرار الاحتلال الإسرائيلي بشكل عملي. وقد اهتم بيغين بألا يرد في المعاهدة أي ذكر لحكم ذاتي في المناطق المحتلة، بل حكم ذاتي "للسكان" فقط. أي أن يسمح لهم بحل مشاكلهم بنفسهم فيما يتعلق بمشاكل الصرف الصحي وربما بالتعليم والصحة أيضا.
    لقد تجسد التنازل الوحيد الذي قدمه بيغن في أن تذكر الاتفاقية احتياجات "الشعب الفلسطيني" العادلة. ولكن هذا الذكر عقبه إنكار فوري: فقد تم إرفاق المعاهدة بوثيقة تقضي بأن أي ذكر "للشعب الفلسطيني" يُقصد به "عرب أرض إسرائيل".
     الشعب الفلسطيني لم يكن ممثلا طبعا، في مؤتمر كان سوف يحدد مصيره. فهذا الشعب لم يسأل عن أي شيء ابدا. وقد قرر كارتر وبيغن والسادات مصير الفلسطينيين وكأنهم قبيلة من قبائل الهنود الحمر.
     والسؤال هو: هل قرر السادات أن يقدم مسبقا الشعب الفلسطيني ضحية على مذبح المصالح المصرية. أو أنه قد تم توجيهه إلى هذا الموقف خلافا لإرادته؟ ولأنني كنت اقدر وأحب هذا الرجل، كنت أميل دائما إلى الاعتقاد الثاني. إلا أن الأمريكيين اعتقدوا مسبقا بأن السادات يهتم بالمصالح المصرية فقط، وليس بالمصالح العربية عامة. أي أنه كان على استعداد للقذف بالفلسطينيين إلى الجحيم بهدف التوقيع على معاهدة سلام منفردة مع إسرائيل والفوز بنبل الأمريكيين (وأموالهم).
     منذ البداية، تخوف السادات من قدرة الأمريكيين على عرقلة مبادرته. لذلك، لم يبلغهم أبدا بنيته في التوجه إلى القدس. وقد روى لي السفير الأمريكي في القاهرة، في تلك الأيام، أنه قد فوجئ كما فوجئ جميع قراء الصحف.
     ويبدو الطرف الفلسطيني في هذه القضية كما يلي: ياسر عرفات يعمل في تلك الآونة كوسيط على حل نزاع نشب بين مصر وليبيا. وفجأة أبلغ بأن السادات ينوي إلقاء خطاب في البرلمان المصري، ويطلب حضوره بشكل خاص. وفي هذا الخطاب ألقى السادات قنبلته بشأن نيته إلقاء خطاب في الكنيست. وقد تم تصوير عرفات وهو يصفق بشكل عادي، كما صفق كل الحاضرين. وفجأة استوعب بأنه سقط في فخ نصب له. وكان وقع المفاجئة عليه شديدا.
     من الممكن أن يكون عرفات قد فكر لبضع لحظات في التعاون مع السادات، آملا في أن يناضل الرئيس المصري من أجل قيام دولة فلسطينية، ولكن عند وصوله غداة ذلك اليوم إلى بيروت، وجد أن الشعب الفلسطيني يغلي غضبا على السادات. فلأول مرة، طيلة مسيرته، يقف عرفات أمام تهديد يعترض مكانته. لم يكن لأي إنسان أن يصدق بأن السادات لم يحدث عرفات عن نيته، ولذلك اتهموا عرفات بالتعاون معه. ولم يتم ردم هوّة الشكوك القائمة بين الفلسطينيين والمصريين حتى يومنا هذا.
     تفيد الوثائق بأن المستويات الرفيعة في الإدارة الأمريكية قد آمنت بأنه من الممكن حل المشكلة دون إقامة دولة فلسطينية حقيقية. قبل سنتين من ذلك الوقت، كان قد أقيم "المجلس الإسرائيلي من أجل السلام الإسرائيلي-الفلسطيني" وقد شرعنا بعقد لقاءات مع زعامة منظمة التحرير الفلسطينية. كنا على قناعة تامة بأنه لا يمكن التوصل إلى سلام حقيقي دون إقامة دولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل.
     هل كنا نحن - كمجموعة قليلة من الإسرائيليين – اكثر ذكاء من تلك الإدارة الهائلة في الولايات المتحدة، بآلاف خبرائها وعملائها، حتى الرئيس نفسه؟
     على أية حال، تم إهدار 25 سنة أخرى حتى تقبلت الإدارة الأمريكية (على الأقل من الناحية النظرية) مبدأ "دولتين لشعبين". خمس وعشرون سنة من سفك الدماء والحروب والانتفاضات. آلاف القتلى من الجانبين، ولا تلوح في الأفق أي بارقة أمل.
     كان من الممكن تحاشي كل هذا لو ترأس أهم مجلس في العالم أناس أكثر ذكاء، ولو كان الزعماء الإسرائيليون والمصريون ذوي قدرة على النظر إلى ما هو أبعد من أنوفهم، ولو لم يتملصوا من المسئولية التاريخية التي كانت ملقاة على عاتقهم  – بيغين عن طريق الاهتمام "بالتفاصيل الدقيقة" والسادات عن طريق الاهتمام "بالأفكار الكبيرة".
 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما دلالات إطلاق فصائل المقاومة صواريخ من الشمال تجاه غلاف غز


.. اعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلي على سيدات بالبلدة القديمة في




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة سقوط قذيفة قرب منزل شمال إسرائيل


.. مشهد تمثيلي يجسد ما يحدث في غزة بأيرلندا




.. إيران تبدأ تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 20% في منشأة فوردو جن