الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصالحة الوطنية وشروط عودة البعث

خالد صبيح

2007 / 6 / 25
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


المصالحة الوطنية
وشروط عودة البعث
(1/2)

بات مشروع المصالحة الوطنية العنوان الأبرز في مسار العملية السياسية الجارية في العراق الآن. والمصالحة الوطنية، في ظروف العراق المعقدة هي، كما تعرفون، مفصل مهم وإشكالية سياسية تدور حول تعريفها وتحديد مستحقاتها وأطرافها بعض الخلافات؛ رغم الاتفاق العام والمبدئي على ضرورتها، لان تحقيق هكذا مصالحة من شانه أن يفتح أفقا يؤدي إلى تحول نوعي في مسار القضية الوطنية.

غير أن المصالحة الوطنية هذه، لكي تكتمل عناصرها وتؤدي دورها المطلوب، ينبغي أن تكون أطرافها السياسية المتصارعة معلنة ومعروفة وذات أجندة محددة تتيح تحديد ماهو مطلوب الاتفاق عليه والتصالح من اجله. ولهذا بات من الضروري الآن الحديث بشفافية وعلنية عن القوى والقضايا المطلوب التصالح معها ومن اجلها.

لكن مهما تكن الكيفية التي يدور فيها الحديث في الوسط السياسي العراقي عن موضوع المصالحة الوطنية فان أطرافها باتت معروفة للرأي العام العراقي. ومع أن القوى المطلوب التصالح معها تنضوي تحت عنوان عام هو الجماعات المسلحة، أو (المقاومة) كما يطلقون هم على أنفسهم، إلا انه، رغم التعمية ولغة الإشارات المبهمة، يبقى حزب البعث هو الطرف الحقيقي المطلوب التصالح معه، وذلك لأنه المرجع الفعلي والمحرك الرئيسي للجماعات المسلحة سواء كانت تلك التابعة مباشرة له كالعسكريين السابقين وأفراد قوى الأمن السابق، الذين كانوا عماد سلطته وتسلطه فترة حكمه للعراق، والذين شكلوا بعد سقوطه قوة مسلحة فعالة أثرت على مجريات الواقع السياسي بعدما عضدوا باطروحات وبقوى ذات اتجاه طائفي. أو كانت جماعات على شكل تشظيات سلفية إسلامية متحالفة مع حزب البعث ومحايثة بأجندتها، بشكل وبآخر، لمشروعه المراد تنفيذه في هذه المرحلة، كالقاعدة والتنظيمات المشابهة لها. وما يستوجب الإشارة له بهذا الصدد ان صراعا مبكرا حول فكرة اجتثاث البعث أثمر قبول عودته كان قد دار، كما لا يخفى على المتتبع، بالخفاء وبطرق ملتوية في بادئ الأمر ليتحول إلى العلن والمباشرة بعدما تغيرت مجريات الأمور على الساحة العراقية، أي بعد (النجاحات) التي حققها حزب البعث، ومخلوقاته السلفية في إعاقة مسار العملية السياسية بحجة مقاومة الاحتلال، من خلال تفجير الوضع الأمني وتعميم القتل والتصفيات وتدمير المؤسسات الخدمية وكل ما يتعلق بالبنية التحتية، وفق استراتيجية انتحارية انتقامية.

وكمحصلة لهذا الوضع والتعقيدات التي افرزها وصاحبته توسعت دائرة من يقبلون بموضوعة المصالحة كمدخل لحل الأزمة السياسية، ليشتمل على بعض أطراف العملية السياسية الرافضين لفكرة عودة البعث، وصولا إلى إدارة الاحتلال والحكومة العراقية لتتحول بذلك مسالة المصالحة إلى مطلب عام، ولم يعد مقتصرا، كما في بادئ الأمر، على مجاميع سياسية يربطها بحزب البعث ارث شخصي، كحركة الوفاق العراقية لخلفية زعيمها ـ الدكتور أياد علاوي ـ البعثية، أو أطرافا سياسية أخرى تسعى لاستيراث البعث وتحاصصه.

بيد إن فكرة ومشروع المصالحة، بصيغتها التي تعني عودة البعث إلى الحياة السياسية، لا تزال موضع خلاف وتحفظ بسبب من القلق والرفض لهذا الحزب، لإرثه الدموي، من أطراف سياسية وقوى اجتماعية عديدة لها وزنها وفاعليتها في الساحة السياسية العراقية، كالتيار الصدري على سبيل المثال.

لكن لما بات مشروع المصالحة مسالة ملحة ومفروغ منها، وفي طور التنفيذ أو الشروع فيه على اقل تقدير؛ ولأنه سوف يأخذ، كما توحي الوقائع، شكل الصفقة السياسية تريد عقدها ـ كما عودتنا ـ أطراف سياسية معينة تلبية لمصالح معينة قد لا تخدم المواطن العراقي، الخاسر الأكبر من تجاذبات الساسة وصراعاتهم. فان نقاشا واسعا حول أبعاد هذا المشروع وضروراته واستحقاقاته، هو أيضا ضرورة وطنية ومطلبا حيويا، ينبغي أن تتسع مشاركة النخب السياسية والثقافية فيه لإضاءة الموقف وإيضاح الصورة الحقيقية وإبراز الجوانب الخفية والعميقة لمتطلبات هذا المشروع وجدواه.

ولما كان حزب البعث هو عنوان الأزمة السياسية ومحور موضوع حلها وتغيير مسارها فان سؤالا جوهريا يطرح نفسه على الوعي السياسي بإلحاح وهو:
هل حزب البعث، بكل مكوناته وخلفياته السياسية والأيدلوجية، ومجمل ارثه، هو حزب يستحق البقاء على لائحة الأحزاب السياسية الوطنية التي تمتلك شرعية موضوعية؛ وهل يمتلك المشروعية الأخلاقية التي تؤهله للعودة إلى الحياة السياسية؟؛ وهل إن حزب البعث هو حزب مؤهل بنيويا، تركيبة ومقاصد، لان يكون منسجما وقادرا على التعايش مع مستجدات وتحولات الوضع السياسي الجديد في العراق ؟.

إن هذه الأسئلة تضعنا أمام حالتين أو طريقتين يمكننا أن نستشف منهما ملامح الإجابة. احداهما ملموسة وواقعية وتجري وقائعها أمامنا بشكل يومي ومستمر سنأتي على ذكر ملامحها مباشرة والأخرى هي حالة افتراضية يمكننا استنباط عناصرها من سيرة حزب البعث ومسار تحولاته وسنتناولها لاحقا.


الحالة الأولى تستمد معطياتها من وقائع نعيشها بتفاصيل يومية وتشير إلى أن حزب البعث، برغم الانشقاق في مراكزه الحزبية ومرجعياته التنظيمية المتعددة بعد سقوط نظامه، يريد العودة غير المشروطة إلى الحياة السياسية ليفرض نفسه على الآخرين بالعنف في الشارع وبممثليه في العملية السياسية وفي البرلمان. وان قبوله، كما تشي بذلك طبيعة ممارساته، بمسميات العملية السياسية ومفرداتها أو قوانينها وشعاراتها، كالديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة، كما يلمح بين حين وآخر ممثلوه، ماهو إلا قبولا مؤقتا وعرضيا يمهد به للانقضاض على السلطة، حينما يمتلك القوة والأداة، بمؤامرة لا يهمه، كعادته، ثمنها ولا شكلها، ليعيد سيرة احتكار السلطة ومصادرة المجتمع ورهنه من جديد كما فعل طيلة تجاربه السابقة في الحكم. وهذا التصور أوحت به في الواقع ممارساته، التي يجمع عليها المراقبون، منذ سقوط حكمه في نيسان 2003 والى الآن. من خلال رعايته وإشرافه وتنفيذه لعمليات الترهيب والقتل وترويع المدنيين وتحطيم البنية التحتية وتعميق الأزمة في البلاد. بالإضافة إلى خطابه السياسي والإعلامي المشحون باللغة والإيحاءات العنصرية والمتعالية ذاتها التي دأب عليها مذ كان متسلطا على المجتمع.

لكن رغم الطابع المؤذي لنشاطات حزب البعث العنفية، ومهما يكن المدى الذي يصل إليه هذا العنف فان معطيات الواقع تفضي بنا إلى استنتاج منطقي مفاده ان هذا السلوك وتلك النوايا، إذا ما استمر حزب البعث باتباعهما،مع الخطاب السياسي والإعلامي المتعجرف الذي يمارسه فهو سوف يضع بذلك أمام نفسه، قبل الآخرين، عراقيل كبيرة وصعوبات جمة ستمنعه من تحقيق أهدافه التدميرية التي يسعى إليها؛ وذلك للأسباب والوقائع التالية.

أولا، انه لم يعد في العراق الآن، بعد التغييرات البنيوية في تركيبته الهيكلية، قوة مركزية، كالجيش ومؤسسات الأمن، يستطيع أي طرف كان السيطرة من خلالهما على السلطة السياسية ومن ثم على الدولة والمجتمع. فمثل هذه القوة لم يعد لها وجود ولا فاعلية بعدما تم حلها وتغيير هيكليتها. ولا يغير من هذا الواقع إعادة بعض الاعتبار للجيش القديم ـ أداة البعث الرئيسية للتآمر ـ والذي يسعى البعث لمساومة الحكومة عليه ضمن الصفقة المزمع عقدها.

ثانيا، أحدثت التغيرات الحاصلة في العراق، أي كان منحاها ومستواها، تحولا في ميزان القوى، وفي المزاج السياسي، لدى المواطن العراقي والقوى السياسية معا، وأقامت جدارا صلبا وسقفا مرتفعا لا يسمحان باستيعاب ولا بالسكوت على الصيغ المستهلكة( الانقلابات والمؤامرات) التي اعتاد على إتباعها البعث ومن لف لفه من القوميين.

ثالثا، إن واقع ما بعد السقوط والاحتلال، افرز اصطفافات جديدة وشهد إعادة تشكيل سياسي واجتماعي، ووزع مراكز القوة، وعناصر السيطرة بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية، بعدما أوجد تعددا في المرجعيات، والغى القدرة على احتكار السلاح، من أية جهة، حتى وان كانت الدولة، الأمر الذي جعل من الصعب، بل المستحيل، على الأقل في المدى المنظور، على أي طرف مهما اشتدت قوته أن ينفرد بالساحة السياسية ويفرض أرادته على الآخرين.

وهذا الواقع معطوفا على أجواء العداء والقلق والرفض شبه المطلق من الشارع العراقي لحزب البعث، سوف يمنعه ويعيقه، موضوعيا وعمليا، من أن ينجح في إحياء واستعادة أساليبه القديمة.

وهنا ينبغي التاكيد على ان هذه التحولات في المناخ النفسي والسياسي العام، إن لم تدركها قيادات البعث، وتعمل وفق حساباتها، فإنها ستفضي بها، هي وكل أطراف العملية السياسية، إلى طريق مسدود، لن ينفتح، وأزمة خانقة، لن تنفرج إلا بانتهاء احد الطرفين، وتبدو حظوظ البعث في هذه الحالة ضعيفة جدا.

من هنا يمكن القول إن حزب البعث، إذا أراد العودة الى الحياة السياسية، عليه أن يقبل الواقع الجديد، وقبل هذا عليه أن يستوعب أن عودته للعمل السياسي، إن تمت، فسوف لن تكون في كل الأحوال وفق شروطه هو، بل على العكس فعودته هي التي ستكون مشروطة وتتطلب منه قدرا واسعا من التحول في بنيته، ودرجة عالية من المرونة والتكيف مع معطيات الواقع الجديد، وسوف تفترض منه إنجاز مراجعة شاملة لمسيرته وتجربته يرافقها إنشاء لغة خطاب عقلانية بعيدة عن لغة التهديد والوعيد المتعجرفة والبائسة، وهو المطلب المهم والملح ومحور الافتراض الآخر ـ موضوع القسم الثاني ـ الذي يحدد ممكنات عودة البعث إلى الحياة السياسية.

يتبع

23-6-2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الشرق الأوسط لدفع مساعي الهدنة وإسرائيل تواصل عملي


.. إيران تعلن القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية الم




.. واشنطن والرياض.. معاهدة أمنية والعين على التطبيع | #ملف_اليو


.. الحكومة الإسرائيلية تضطر لدفع فوائد أعلى على أدوات الديون بس




.. صور أقمار صناعية.. اتساع مساحة الدمار وتوغل آليات الاحتلال ف