الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البديل المناهض للرأسمالية

دانيال تانورو

2007 / 6 / 25
الارشيف الماركسي


*1200 مليار دولار سنويا تكفي لانقاذ المناخ والبيئة، لكن الرأسمالية تعتبرها كلفة باهظة، على الرغم من أن الدول الرأسمالية تصرف سنويا على العسكرة والتسلح ما مقداره 1037 مليار دولار، علاوة على الأرباح التي تجنيها من البترول، والتي تبلغ 1500 مليار يورو سنويا. ما يعني أن ارباح النفط التي تجنيها دول رأس المال سنويا، تكفي لإنقاذ مناخنا، بل وتزيد!!!*
التبغ مسبب للسرطان، فما القول عن طبيب اكتشف ورما برئة مريض فوصف له لفافة تبغ؟ سيقال عنه إنه مشعوذ أو قاتل. لا يعالج الداء بالداء بل بالتصدي للداء. ينطبق المنطق ذاته على النضال من اجل المناخ. التغير المناخي "فشل غير مسبوق للسوق"، حسب " تقرير ستيرن"(1). ان الاعتقاد بإمكان محاربة ظاهرة ناتجة عن السوق بتوسيع السوق أمر عبثي. ومع ذلك هذا ما يقترحه ستيرن. وتقتفي اللجنة الأوروبية وكل الحكومات أثره: المزيد من السوق، المزيد من النمو، المزيد من العولمة... والحال أنه يتعين السير في الاتجاه المعاكس: سوق أقل، والمزيد من القطاع العام، ومنافسة أقل، والمزيد من التعاون، و"حرية مقاولة" اقل، والمزيد من التخطيط، وعولمة اقتصادية أقل، والمزيد من الطابع المحلي. إن سياسة من اجل الحاجات ليست بحاجة إلى إنتاج المزيد على الدوام.



*"اكبر وأوسع فشل للسوق"*لماذا تقع مسؤولية ارتفاع الحرارة على اقتصاد السوق؟
لا يجيب ستيرن على هذا السؤال. ولا قدرة له على ذلك، لان الجواب يكمن في أسس الرأسمالية ذاتها، وليس في هذه او تلك من النواقص الصغيرة.
اقتصاد السوق مسؤول أولا عن ارتفاع الحرارة لأنه قائم على المنافسة وعلى التراكم. لا تتخذ قرارات الإنتاج حسب المنفعة والبيئة بل حسب الأرباح. يجري القيام بأمور لا فائدة منها أو ضارة لهدف وحيد متمثل في إرضاء جشع مالكي الأسهم. وتستعمل حملات إعلان تجاري لتصريف السلع. وتدفع المنافسة العمياء إلى فيض الإنتاج، ويذهب قسم منه إلى النفاية. ويجري تصور منتجات كي تهلك بسرعة أو تفرط استهلاك الطاقة. ويجري الصنع بالبلدان الفقيرة ثم النقل إلى البلدان "الغنية"،... باختصار تبذير الموارد ملازم لاقتصاد السوق. انه راسخ في القوة التي تدفع كل مالك رساميل على نحو لا يقهر إلى استبدال عمال بآلات، بقصد الفوز بـ"ريع تكنولوجي"، وفي ميل النظام إلى تعويض ميل معدل الربح الى الانخفاض- الناتج عن تكاثر الآلات- لا باستغلال للعمل وحسب، بل أيضا بـ(فيض) الإنتاج الكثيف، وغزو أسواق جديدة، واختراع حاجات جديدة.
لكن ليس هذا كل شيء. يتمثل السبب الأهم لارتفاع الحرارة في إحراق محروقات متحجرة (فحم، بترول، غاز طبيعي). والحال أن استعمال هذه المحروقات المتحجرة هو ذاته ناتج عن منطق الربح. فمن المعلوم منذ 1839 إن الضوء الطبيعي يولد الكهرباء بالتقائه ببعض المواد (المفعول الضوئي الكهربائي). لو جرى توجيه البحث العلمي نحو استغلال الطاقة الشمسية كأولوية، لن يكون الجو اليوم مشبعا بالكربون، وقد يكون العالم على الأرجح سلميا أكثر واقل تفاوتا. لكن لماذا لم يتبع هذا السبيل؟ السبب في كون نظام الطاقة الرأسمالي كان قد ارسى بناء على الملكية الخاصة للموارد وعلى المركزة القصوى لإنتاج الطاقة. وكان المفعول الضوئي الكهربائي غير متجانس مع منطق هذا النظام. إذ لا يمكن لأي كان أن يتملك إشعاع الشمس، لأنه دفق لا محدود ومنتشر، بينما يمكن تملك مخزونات محدودة من الفحم والبترول والغاز... ومراكمة ريوع كبيرة جدا علاوة على الأرباح.



*الريع في صلب نظام الطاقة الرأسمالي*يتقاسم البترول والفحم والغاز خاصية كونهم طاقة شمسية مراكمة، قابلة للخزن وللنقل. منذ القرن الرابع عشر تملكت البرجوازية الناشئة والنبلاء في أوروبا، الغابات، التي كانت من قبل بملكيات مشتركة. وآنذاك أصبح الخشب سلعة وأصبح التحكم بموارد الطاقة رهانا حاسما للسيطرة الطبقية. إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية الطاقة ومن زاوية اجتماعية، يمكن القول إن احتكار ملكية الأرض قد أتاح لطبقة الملاكين العقاريين بيع الطاقة الشمسية- المجانية- في شكل خشب، محققة ربحا متوسطا، علاوة على ريع عقاري (ربح فائض).
لم يزدد هذا الميل إلا تعززا مع ظهور البرجوازية الصناعية، التي استبدلت "الطاقة الشمسية في شكل خشب" بـ"الطاقة الشمسية المتحجرة" (الفحم في البدء، ثم البترول والغاز). وتكفي نظرة خاطفة إلى تاريخ تكنولوجيا الطاقة لملاحظة أن تركز الرأسمال، واحتكار الموارد ومركزة السلطة، كلها رافقت الانتقال من الخشب إلى الفحم، ثم من الفحم إلى المحطات الكهربائية الحرارية، ثم من المحطات الحرارية إلى المحطات النووية. والمفتاح دوما الحفاظ على ريع الطاقة الثمين.
ففي حالة البترول مثلا يدر بيع منتجات البترول المصفاة زهاء 2000 مليار يورو كل سنة. وتمثل التكاليف بالكاد 500 مليار. وتفوز بالربح وبالريع البترولي- 1500 مليار كل سنة على الصعيد العالمي(!!)- بعض الشركات متعددة الجنسية، وبعض ذوي الامتيازات الفائقة الحاكمين في البلدان المنتجة (ما عدا في فنزويلا) (2). إن البترول دجاجتهم التي تبيض ذهبا. يريدون أن تبيض أطول مدة ممكنة. وتشاطرهم هذا المسعى القطاعات الملحقة: إنتاج السيارات، بناء السفن، صناعة الطائرات، الصناعة البترولية- الكيماوية... ولا حاجة إلى التدقيق والفحص أن لهذه الأوساط قوة ونفوذ سياسي هائلين. لهذا السبب لم يُنصت إلى العلماء الذين ينبهون منذ 30 سنة إلى خطر ارتفاع حرارة الكوكب. هذا سبب انخفاض حصة الطاقة المتجددة في ميزانية البحث والتنمية المتعلقة بالطاقة في البلدان الأعضاء بالوكالة الدولية للطاقة منذ الصدمة البترولية الأولى (7,7% من 1986 إلى 2002، مقابل 8,4% من 1974 إلى 1986!). لهذا السبب حظي الانشطار النووي، وليس الطاقات المتجددة، بحصة الأسد في تلك الميزانيات (47,3%)، وبعده تكنولوجيا تحويل الطاقات المتحجرة (3). لماذا؟ كان ذلك من أجل إنقاذ الأرباح، والريع، والسلطة السياسية، والتحكم الاجتماعي الناتجة عن المركزة الطاقية. وليس البحث عن الجواب في مكان آخر سوى بحثا عن المصاعب حيث لا توجد.
ليست السوق مسؤولة عن إفساد المناخ وحسب، بل تفعل كل شيء لتأخير الإجراءات الواجبة. وتحاول عند اتخاذها، ان تضعفها، أو تشوهها لدرجة أنها تستحق بالكاد نعتها بـ"أول خطوة في الاتجاه الصائب". انظروا إلى بروتوكول كيوتو: انه محشو بـ"آليات مرنة" لدرجة انه سيقلص في أفضل حال النفث الإجمالي للغازات المسببة لارتفاع الحرارة بالبلدان الصناعية بنسبة 1,7% في العام 2012 (4). والحال انه يجب ان تنخفض بزهاء 70% في أفق 2050... على الصعيد العالمي!



*البديل مناهض للرأسمالية... بديل شمسي*خفض نفث الغازات المسببة لارتفاع حرارة الكوكب بنسبة 70% في أفق 2050 على الصعيد العالمي! أيمكن هذا في آجال قريبة إلى هذا الحد؟ الأمر صعب لكن ما زال بالوسع إنقاذ ما هو أساسي في المناخ. يمثل المستمد من إشعاع الشمس 8000 مرة الاستهلاك العالمي من الطاقة. وقد تتيح التكنولوجيا الحالية استعمال جزء واحد من ألف منها، أي ثماني مرات الحاجات الحالية للبشرية. وسيرفع البحث العلمي هذه القدرة في السنوات المقبلة (إذا أتيحت لها الوسائل). يجب طبعا الاقتصاد وإلغاء أشكال التبذير- وهذا يعني كل واحد منا، وعاداتنا، الخ. لكن لسنا مجبرين على الاختيار بين المناخ والرفاهية، أو بين المناخ و تنمية بلدان الجنوب، أو بين المناخ وكتل النفايات المشعة التي ستظل خطيرة خلال عشرات آلاف السنين! ستتيح لنا خطة عالمية موضوعة بشكل دمقراطي حسب الحاجات أن نواجه الخطر. إن ثمة بديل، مناهض للرأسمالية، و... شمسي.
يجب على الرأسمالية في آخر المطاف أن تقوم بشيء ما لتثبيت الوضع، والخروج من منطق "الخطوات الصغيرة" لكيوتو. وتقترب لحظة هذا القرار بخطوات كبيرة، وهنا ثمة الصخب الإعلامي الحالي. لكن السوق "ستنقذ" المناخ على طريقتها، مثلما خربته، أي على ظهر العمال والشعوب المضطهدة. ستقوم بذلك حسب الأرباح، لا حسب الحاجات. وسيجري ذلك في طورين. سينتظر النظام في البدء أطول مدة ممكنة، كي يصبح "إنقاذ" المناخ نشاطا مربحا، وكي تصبح سوق التكنولوجيا "النظيفة" مدرة لأرباح ضخمة (الأسف لمن باتوا عرضة للتغير المناخي لكنهم لا يمثلون سوقا موسرة). ثم بعد أن يصبح إنقاذ ما سيتبقى من مناخنا مربحا لمالكي الأسهم، سيتعين علينا أن نؤدي بالضرائب وبتفكيك الحماية الاجتماعية (الأسف لمن تعوزهم الوسائل).
إن تقرير ستيرن واضح جدا بهذا الصدد. يعني إنقاذ المناخ بأقصى ما يمكن فعل كل شيء ليبقى ارتفاع الحرارة تحت 2°C قياسا على 1780. يستتبع هذا بالملموس أن يبلغ نفث الغازات المسببة لارتفاع الحرارة قمة في السنوات العشر المقبلة ثم ينخفض بنسبة 5% كل سنة. ويقدر ستيرن كلفة هذا السيناريو بمبلغ 1200 مليار دولار كل سنة... ويعتبرها باهظة جدا. وبالتالي يدافع عن حل: بلوغ قمة في 20 سنة ثم الانخفاض بـ1 إلى 3 % كل سنة. ويتيح هذا أكثر من 50% من فرص تجاوز 2°C من ارتفاع الحرارة... لكنه سيخفض الكلفة إلى ثلثها. ها هي السياسة الرأسمالية "لإنقاذ" المناخ! سيتوجب في أفق 2080 على 200 مليون من البشر الهروب من ازدياد ارتفاع المحيطات، وسيضيف ارتفاع الحرارة 3 مليار من الرجال والنساء والأطفال إلى من يعانون من نقص الماء. تكفي 1200 مليار دولار كل سنة لتفادي هذه الكوارث... لكن الرأسمالية تعتبرها كلفة باهظة جدا! نعيد إلى الأذهان أن الميزانيات العسكرية تبتلع سنويا، علاوة على الريع البترولي آنف الذكر، 1037 مليار دولار كل سنة (5).
على ممر سباقها إلى الأرباح والأرباح الفائضة، طورت الرأسمالية نظام طاقة قائم على الطاقات المتحجرة وعلى استغلال عمل الإنسان. وبفعل ذلك نعيش اليوم في مأزق طاقة وبيئة على صعيد الكرة الأرضية ككل. وما من وسيلة للخروج منه، بدون حمام دم اجتماعي ولا كارثة بيئية، غير القطع مع منطق السوق، وإعادة جعل الطاقة ملكا مشتركا، والتخلي عن تكنولوجيا مطلقي الجن، التي تستجيب، مثل الذرة، لحاجات التراكم الرأسمالي، وليس لحاجات سكان هذا الكوكب. يجب ويمكن إسماع هذه الرسالة في التعبئات الموحدة من اجل المناخ. وعلى اليسار ان ينشرها فيها!

عن موقع: http://www.europe-solidaire.org
تعريب جريدة المناضل/ة

هوامش
(1)تقرير صاغه نيكولا سترن Nicholas Stern بطلب من الحكومة البريطانية في اكتوبر 2000.
(2)جان ماري شوفالييه "معارك الطاقة الكبرى" Gallimard 2004.
(3) الوكالة الدولية للطاقة 2004.
(4) الوكالة الأوربية للبيئة تقرير رقم 8/2005، صفحة 9.
(5) رقم سنة 2004 SIPRI ، Stockholm.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | الشرطة الفرنسية تعتدي على المتظاهرين الداعمين ل


.. فلسطينيون في غزة يشكرون المتظاهرين في الجامعات الأميركية




.. لقاءات قناة الغد الاشتراكي مع المشاركين في مسيرة الاول من اي


.. بالغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه..شرطة جورجيا تفرّق المتظ




.. الفيديو مجتزأ من سياقه الصحيح.. روبرت دي نيرو بريء من توبيخ