الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهرجانات

صبحي حديدي

2003 / 9 / 20
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

في صحيفة "تشرين" السورية ليوم أمس اشتكى الشاعر والصحافي حكم البابا من أنّ البلد يشهد مهرجانات أكثر ممّا ينبغي، وثمة "مهرجانات بالجملة، حين يتحوّل النشاط الثقافي إلى روتين دعائي" كما يقول عنوان عموده. ولقد ضرب البابا مثالَين على هذا النوع من المهرجانات، وكان مصيباً تماماً في استقراء مقدار العبث وراء الاستمرار في إقامة كلّ منهما: مهرجان دمشق السينمائي، ومهرجان بصرى الفنّي.
ورغم أنّ المهرجانَين شهدا سنوات ذهبية حقاً، فإنّ أوضاعهما الراهنة لا تسرّ الخاطر. ذلك لأنّ مهرجان دمشق السينمائي يُعقد كلّ عام، في بلد لا ينتج فيلماً سينمائياً إلا كلّ عامين كما يذكّر البابا. ويُعقد ضمن مراسم احتفالية واحتفائية رسمية ومكلفة دون ريب، حين لا توجد في العاصمة السورية دمشق صالة أخرى غير فندق الشام توفّر شروط عرض سينمائي مقبول في الحدّ الأدنى (ذاكرتي الشخصية ليست واهنة تماماً، ولكن يبدو من كلام البابا أنّ هذه الصالة ذاتها، التي كانت مفخرة استثمارات القطاع الخاصّ في ميدان السياحة، تدهورت بدورها وباتت متخلفة). وأخيراً، هذا بلد ينظّم مهرجاناً دولياً للسينما، لكنّ شعبه "لا يشاهد الأفلام الجديدة إلا عبر النســخ الرديئة المقرصنة من أشرطة الفيديو" حسب البابا دائماً.
وأمّا مهرجان بصرى فقد انقلب، كما يبدو، من مناسبة سنوية ثقافية ـ شعبية يحتضنها مسرح بصرى الأثري القديم البديع، إلى "عدد من العروض الجوّالة التي تقدّمها فِرَق مجهولة من دول العالم تأتي لتعرض في أنحاء شتى من سورية ولا يشاهدها إلا نفر قليل من سكان تلك المناطق كنوع من تغيير روتين حياتهم اليومي". وهذه الخلاصة التي يسجّلها البابا محزنة حقاً، ليس لعشرات الآلاف من السوريين الذين اعتادوا القيام برحلة حجّ سنوية إلى بصري الشام فحسب، بل هي ضربة قاصمة ــ اقتصادية وسياحية وثقافية ــ لمحافظة درعا الجنوبية، التي لم يكن ينقصها ظلم المركز وإهمال الدولة!
وبالطبع، ولأسباب وجيهة نتفهمها تماماً، يسكت البابا عن المهرجان الثالث الأهمّ، والأكثر كلفة وإفراطاً في الاحتفال والاحتفاء: مهرجان المحبّة الذي يُقام سنوياً في محافظة اللاذقية، والذي يتضمن أنشطة ثقافية وفنّية ومسرحية عربية ودولية واسعة، متعددة، وعريضة النطاق. وكان هذا المهرجان قد بدأ للمرّة الأولى في سياق تكريم "الباسل"، نسبة إلى الراحل باسل الأسد شقيق الرئيس السوري الحالي، ثم تواصل بدعم مزدوج لا ينضب: أهمية الراحل بذاته، والحظوة الخاصة التي تتمتع بها محافظة اللاذقية بالقياس إلى المحافظات الأخرى في سورية.
وإلى هذا المهرجان يتوافد الكثير من الأدباء والفنانين السوريين والعرب، لأسباب تتجاوز الإرادة الذاتية غالباً، وتنهض غالباً على عدم الرغبة في إغضاب إدارة المهرجان (وهم من كبار أهل السلطة وأصحاب الحلّ والربط، غنيّ عن القول)، والظهور بمظهر المُعْرِض عن هذه المشاركة ـ الواجب المقدّس. هذا لا يعني البتة أنه لا يوجد مَن يأتي إلى المهرجان، طائعاً راضياً طائراً على أجنحة المحبة... بعد أجنحة النفاق! أحد الشعراء العرب أخبرني أنّ المهرجان كان هزيلاً تماماً هذا العام، ولكنه شارك مع ذلك. لماذا؟ لأسباب ثلاثة، قال لي: سيّارة مراسم من رئاسة الوزراء تظلّ تحت تصرّفه الشخصي، وأسبوع زمان إجازة صيفية على رمال "الشاطيء الأزرق" الذهبية، و... خمسمئة دولار حلال زلال حسب تعبيره!
وما تناساه، إذْ لا ينبغي أن ينساه، حكم البابا ليس هذا المهرجان ـ الأمّ فحسب، بل أيضاً تلك الأنشطة الثقافية التي ما تزال حيّة رغم أنها ــ أو على الأرجح لأنها ــ لا تتمتّع بدعم السلطة. المثال الأبرز هو "مهرجان السنديان" الثقافي السنوي الذي يُقام في قرية الملاجة الساحلية (مسقط رأس الشاعر الراحل محمد عمران)، والذي تنظمه مؤسسة أهلية قائمة على تبرعات عدد من المؤسسات المدنية والمتطوعين، وتشرف عليه الشاعرة رشا عمران. هذه السنة أقام المهرجان دورته الثامنة، بنجاح مميّز مزدوج: دعوة عدد أكبر من المبدعين العرب والأجانب (قاسم حداد، موسى حوامدة، عباس بيضون، سيف الرحبي، غسان الشامي، أحمد جان عثمان، أندريه فالتير...)، إلى جانب أدونيس على رأس عدد من المبدعين السوريين؛ وتنويع الأنشطة بحيث لا تقتصر على الشعر، بل شملت التصوير والنحت. وأمّا الجانب الثالث في هذا النجاح، والذي لا يقلّ دلالة في نظري، فهو أنّ إدارة "السنديان" أنجزت نقلة حاسمة فكرية ـ سياسية حين أقامت المهرجان تحت شعار "الإيمان بدور الأدب والفنّ في تهذيب والارتقاء بالمجتمع من خلال بناء الفرد الانسان الحرّ، وبالحوار الديمقراطي أسلوباً للارتقاء".
وبهذا المعنى، وضــــمن الشـــروط العامة الأخرى لإقامة مهرجانات من هذا النوع، ليس من المتوقع مثلاً مشاركة ذلك الشاعر العربي صاحبنا، الذي جاء إلى "المحبّة" من أجل السيّارة والرمال وحفنة دولارات. المسافة، مع ذلك، أقلّ من ساعة زمان بين الملاجة واللاذقية!

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف مهدت والدة نيكو ويليامز طريقه للنجاح؟


.. لبنانيون محتجزون في قبرص بعد رحلة خطيرة عبر قوارب -الموت-




.. ستارمر: -التغيير يبدأ الآن-.. فأي تغيير سيطال السياسة الخارج


.. أوربان في موسكو.. مهمة شخصية أم أوروبية؟ • فرانس 24




.. ماهو مصير هدنة غزة بعد تعديلات حماس على الصفقة؟ | #الظهيرة