الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ًكي يبقى النهر لمجراه أمينا

علي جرادات

2007 / 6 / 26
القضية الفلسطينية


هل محكوم على هذا الوطن أن يبقى يتوزع شظايا، ويبقى الشعب نثاراً كملح الأرض لا يلوي إلا على حلمٍ كلما أومض برق يلوح في أفق إلتئامه بنيت سدود في وجه سيوله التي هي دم وعذابات عمرٍ وأنات جرحى، هي وجع المقهورين على جدران الحواجز وزفرات الغيظ مِن شرطي مفعم بالعنصرية يشعر بامتلاك الكون حين يحدد مصير إنسان يحاول الوصول إلى مكان هو له ويمنعه عنه.
هل سنظل نحمل صخرة "سيزيف" ونمضي إلى أعلى الجبل دون وصول؟!!! أم لا بد مِن شيء ما، عمل ما ينهي هذا الشعور بالعبث والضياع؟!!!
ستون عاما ونحن نمضي مِن حصار إلى حصار، حريتنا في حصار، إستقلالنا في حصار، عودتنا إلى الدار في حصار، على هذا قلنا: لا حول ولا قوة إلا بالله. بأيوب مِن بين الأنبياء تأسينا، هي محطة للروح وإنشاد الواقع. في الصحراء رمونا في الخزان. فأنشدنا "لماذا لم تدقوا جدران الخزان"؟!!!. ومع رجل يغمره رذاذ النور عكفنا نبحث عن "العروس"، وعن "أمِّ سعدٍ" تزرع العرق اليابس وكلها ثقة بإخضراره. حاولنا شق ظلمة الليل البهيم لنستل خيوط الفجر ننسج منها أحلاماً ربما لا نعيشها لكنها تبقى لأبنائنا.
عام، عامان، أقل أو أكثر، عثرنا على "عروسنا"، زغردت زغرودتها الأولى لتعيد رسم الخريطة مِن جديد، رغم عالم وعروبة وبني جلدة تكسرت رماحهم في أرواحهم، نصبنا "خيمةً تُفرق عن خيمة". حينها رأى "الأعمى" بعين "الأطرش"، وسمع "الأطرش" بأذن "الأعمى" فإكتشفوا "الولي" بداخلهم، وتحررا مِن كل التعاويذ وهلوسات الدراويش. هكذا وَعَت روحنا حقيقتها في جدلية مسيرة الكر والفر، والتقدم والتراجع، والظفر بنصر هنا وخسارة نصر هناك في عالم لم يسمح لروحنا بنصر مكتمل حتى لا نفوز بشرف مطرقة كسر جوزة خرافة "تفوق الأعراق".
توحد الوطن في حصار، صلواتنا في "أقصانا" و"قيامتنا" في حصار، رغبة السفر فينا في حصار، مواسم قطف عنبنا وزيتوننا بعد برتقالنا في حصار، تعليمنا في حصار، إبتسامتنا في حصار، بكاؤنا في حصار، يولد المولود منا في حصار، أسرانا في أحلك حصار.
هو قَدَرنا منذ إختنقنا في حصار خزان الصحراء. لم نكن نعرف يومها سرَّ إختراق الذات المسكونة بالحنين الكسيح نداويه بخطابات الجعجعة. حينها إنطلقت الإرادة مع رصاصةِ "لن أرتدَّ حتى أزرع في الأرض جنتي، أو أنتزع مِن السماء جنته، أو أموت، أو نموت معاً". إنبرى كل منا يحاول فتح ثغرة في جدار الحصار، وكلنا يشدو: "حاصر حصارك لا مفر، وإضرب عدوك لا مفر، وإهجم فأنت الآن حر".
صار "جسدنا هو الحصار وتحدينا الحصار". وأصبحنا لا نهاب الإنتقال مِن حصار إلى حصار. ولم نعد نأبه أن يتلو الحصار حصار. وأدمنَّا أن يلد لنا مِن رحم كل حصار حصار، أو أن يكون لنا بعد كل حصار حصار، وقبل كل حصار حصار، وبجانب كل حصار حصار، بتنا بنهاية كل حصار نبدأ السؤال: هل مِن حصار؟!!!
كان ذاك بروح إنشاد مَن رحل شظايا، لم نستطع نقلها إلى مسقط رأسه ما زال ينتظر. رحلت روحه ولم تتشظى كجسده، بنى فينا الند قبل أن يموت نداً. بعد أسبوعين ستحل ذكراه، وسنحييها إلا في غزة، فتموز الخِصْبُ صار قحلاً في غزة، وأحيلت سهلها يباب، وميادينها حرثها العابثون بالتاريخ. ولست أدري، وربما أدري، ولم يعد مهما أن ندري، إن كان ما زال يرغب في إحياء ذكراه أصلا، وإن كان ما زال يحلم بالإستحمام في ما تبقى لنا مِن بحر في غزة، بعد تعكير صفائه بسيول دمائنا على أيدينا. فالماء لم يعد ذاك الماء. فهو رغم الموت ما زال يسمع رثاء "إنحطاط" روحنا. "كم كذبنا حين قلنا: نحن إستثناء".
الكل فينا في حصار، "قابيلنا" في حصار"، هابيلنا" في حصار، "النصر المبين" في حصار، "الهزيمة النكراء" في حصار، سفن نوح فينا في حصار، حليب أطفالنا في حصار، دواء مشافينا في حصار، "تسوُّل" سد رمق عيشنا في حصار، طحين جوعى "غزتنا" في حصار، عفوا طحين غزة "بعضِنا" في حصار، إكسير أن نبقى مجرد أحياء في حصار، ماؤنا في حصار، خبزنا في حصار، سماؤنا في حصار، أرضنا في حصار، بوابات عبورنا في حصار، لا نأكل، ولا نسافر، ولا نستورد، ولا نصدِّر، ولا نزرع، ولا ننقل مرضانا وحوامل أطفالنا بفعل الحصار. "سلطتنا" في حصار، "سيادتنا" في حصار، كرامتنا على الحواجز في حصار، عنفواننا في السجن في حصار. برغم ذلك، وربما بفعل قصور الذيل في التغلب على ذلك، هناك مَن جُنَّ ولم يخجل عن إنشاد نشيد "النصر" و"الإنتصار"!!!
هذه ملامح "إنحطاط" روحنا تجللنا قناعاً مِن السواد يستبدل الكوفية ورايات تخفق في سمائنا، وهذه إستقالة عقلنا، وإدقاع وعينا، وفقدان بوصلتنا، وإنفلات البدائي مِن غرائزنا، وسطو غرابنا على حمامتنا، وسيادة حماقتنا على بداهتنا، وإجتثاث شوكنا لورودنا، وزحف الجراد على إخضرار سهولنا، وإغتصاب جهالتنا لأشعارنا، وكمون قبليَّتنا في أحزابنا، ومسخ جُهَّالنا لشرف بنادقنا، وتسييد "أنانا" على "نحننا"، وتلويث وسخنا لنظافتنا، وإعتلاء الصدأ فوق ضمائرنا، وتبلد الحس فينا، وإستبدال غبي لـ"حاصر حصارك لا مفر" بـ"حاصر أخاك لا مناص"، وعاقبة ترحيل مشهدنا مِن عملاقية نشيد "إشهد يا عالم علينا وعَ بيروت، إشهد للحرب الشعبية" إلى قزمية مشهدنا في "إشهد يا عالم علينا وعَ غزة، إشهد للحرب الأهلية"، وعاقبة تنصيب الهواة منا على عروش المحترفين بيننا، وجزاء سنمار لكل بناة صرحنا الوطني.
لأجل حريتنا وبمحضها، رغماً عنا وبإختيارنا، قسراً وطواعية، مكرهين وبطيب خاطر، تعودنا أن نبحث عن ثغرة تكسر الحصار، إن لم نجدها بأظافرنا نحفرها في الجدار ونمضي، وندرك أن الحصار سيتلوه حصار، فيما العزيمة شربت مِن ماء أيوب وجبروت جوليات وبعد نظر زرقاء اليمامة وتضحوية مَن تسابقوا على حبل المشنقة في سجن عكا، لقد فعلها جدنا القسام، فرغم حصاره القاتل، لم يطلق الرصاص على فلسطيني يخدم في شرطة الإنتداب، وكان في ذلك لجدنا منجاة مِن موت محتمٍ، فآثر الشهادة على إستباحة دمِ عربي فلسطيني. فلماذا لا نستلهم روح جدنا القسام ونبقى نكرر مآسي عاقبة ثورته. ولماذا ننسخ بدونية وتقليد ممجوج ما فعله "الغرباء" فينا مِن سحلٍ وتمثيلٍ بالجثث وتعرية مهينة تحط مِن الكرامة وتوقيف على الحواجز وتفتيش للبيوت وإنزال للراية الوطنية وممارسة للسلب والنهب وترويع الأطفال. أم أن دونية أننا نحاصَرُ ولا نحاصِرْ، دفعت بعضَنا للعبة "تخوين" بعضِنا حتى يتذوق زيف أن يكون محاصِراً لا محاصَراً، دون أن يعلم أن مَن يحاصره أدمن الحصار منذ ستين عاما، ولم يعد يحس بأوجاعه. ويكفيه ويزيد، ويكفينا جميعا ويزيد.
هل مِن خروج قادم مِن حصار لا حصار بعده؟!!! هو أمل الإرادة المتفائلة رغم العقل المتشائم، هو بالناس يعيدون بوعيهم البسيط رسم صورة للوطن واحدة كما هي في ضميرهم ووجدانهم، أناس ببساطة الحس البدهي وذاكرتهم الجمعية وتوقهم التلقائي للخلاص والحرية سيعيدون النهر إلى مجراه، فاصغوا إلى صوتهم فهو وقع الضمير الذي لا يكلُّ عن دقِّ نواقيس الخطر كلما إنحرف النهر عن مساره "ليظل النهر لمجراه أمينا"، ويبقى النشيد "حاصر حصارك لا مفر، وإضرب عدوك لا مفر".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تحاول فرض إصلاح انتخابي على أرخبيل تابع لها وتتهم الصي


.. الظلام يزيد من صعوبة عمليات البحث عن الرئيس الإيراني بجانب س




.. الجيش السوداني يعلن عن عمليات نوعية ضد قوات الدعم السريع في


.. من سيتولى سلطات الرئيس الإيراني في حال شغور المنصب؟




.. فرق الإنقاذ تواصل البحث عن مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئ