الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يصمد القضاء الليبي أمام الضغوطات السياسية؟

محمد الفخاري

2007 / 6 / 26
دراسات وابحاث قانونية


ينتظر أهالي الأطفال الليبيين المصابين بالإيدز بفارغ الصبر الحادي عشر من يوليوز المقبل ويتوقعون أن تحسم قضية أطفالهم ضحايا نقل دم ملوث بفيروس "إتش آي في" من طرف الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني بعد مراحل ماراطونية أمام القضاء الليبي الذي أصدر أحكاما بالإعدام على المتهمين في هذه النازلة. وبما أن هذه القضية التي تحولت منذ بدايتها إلى قضية رأي عام على أكثر من صعيد أدت إلى تعاطف الكثير من الجهات المعارضة للأحكام الآنفة والمعتبرة إياها بالقاسية جدا مع الممرضات والطبيب الفلسطيني خصوصا بعد تأييد محكمة الاستئناف للحكم الابتدائي الصادر عن محكمة بنغازي, فإن المفاوضات الجارية مع أولياء أمور الضحايا ما زالت في فترة المخاض ولم تسفر بعد عن أي اتفاق ثنائي يرضي الطرفين بالرغم من وجود رغبات جادة لتسوية هذا الملف من طرف السلطات الليبية والاتحاد الأوروبي.

لقد طرحت الجهات المعنية بالمفاوضات مع أهالي الأطفال المصابين بالإيدز بعض الاقتراحات كخيارات تصب في خانة الحلول المحتملة ومن ضمنها تقديم تعويضات مالية تقدر بملايين الدولارات مع التعهد بتوفير العلاجات اللازمة للأطفال المصابين مدى الحياة. ويبدو أن انفراجات وشيكة بدأت تلوح في الأفق يتم على ضوئها التوصل إلى حل نهائي لهذه القضية التي تم تسييسها على غرار قضية لوكربي إلا أن هذه الأخيرة وضعت ليبيا في لائحة الاتهام باعتبارها الراعية للمتهمين الرئيسيين في حادث إسقاط الطائرة, في حين أن القضية الراهنة اعتبرت ليبيا المطالبة بالحق المدني وهو حق مشروع بطبيعة الحال مادام أطفالها هم الضحايا. وحيث أن ليبيا أذعنت للشرعية الدولية وسلمت في آخر المطاف المتهمين للمحاكمة التي أخذت مجراها وأفضت أساسا إلى إدانة المتهمين ومطالبة ليبيا بتعويض أسر ضحايا لوكربي, فإنها تتوقع حاليا أن تأخذ العدالة المسار ذاته بالرغم من تعرضها لضغوطات خارجية لدفعها إلى الافراج عن الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني.

هل ستخضع ليبيا إذن للضغوطات الخارجية التي تمارس عليها منذ إصدار الحكم الأول وتنساق وراء التيار الغربي الذي لا يعترف إلا بشرعيته؟ هل سيصبح القضاء الليبي على المحك إذا تم الافراج عن الممرضات والطبيب الفلسطيني الذي حصل على الجنسية البلغارية؟ ثم إلى أي مدى يمكن اعتبار القضاء الليبي عادلا ومستقلا خصوصا بعد جملة الانتقادات التي يتعرض لها في كل مرة؟

نحن لا نويد أحكام الإعدام الصادرة في حق المتهمين ونشدد دائما على إلغاء هذه العقوبة التي لا تخدم مصالح الإنسانية بل على العكس تسلبها الحق في الحياة وهو حق مقدس لجميع بني البشر ليس لأي أحد كيفما كان وتحت أي ظرف من الظروف أن يتصرف فيه. لا يمكن الاقتصاص من جريمة بجريمة مماثلة الفرق الوحيد بينهما أن الثانية ترتكب تحت غطاء الشرعية والعدالة وليس هي من ذلك في شيء, بل من العبث الاستمرار في تنفيذ أحكام الإعدام التي لا تشكل بأي حال من الأحوال مبررا لمحاربة الجريمة. لكن في المقابل, لا بد من إجراء محاكمات عادلة للمتهمين ومعاقبتهم طبقا للقوانين الجاري بها العمل وحسب نوع الجريمة وخطورتها مع مراعات الظروف الإنسانية الواجب توفرها دائما خلال المتابعات القضائية دون اللجوء إلى التعذيب بشتى أصنافه لدفع المتهمين إلى الاعتراف القسري بجرائم قد يكونون بريئين منها وبذلك تكون هذه الممارسات خرقا سافرا لحقوق الأنسان من جهة وللقاعدة القضائية التي تنص على أن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته.

في الواقع, من الضروري أن يتمتع القضاء بهامش كبير من الحرية والاستقلالية وأن يتخلص كليا من الوصاية السياسية التي تبعده عن الحياد والموضوعية وتؤدي به إلى فقدان هبته وكل مقومات العدل والنزاهة. وإنه لمن الحمكة والتبصر أن تبادر الدول العربية في إطار مسلسلات الإصلاح التي تتبناها في مختلف القطاعات إلى إصلاح منظومة القضاء على وجه السرعة باعتبارها سلطة هامة إلى جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية التي تقوم عليها أسس دولة الحق والقانون والديموقراطية المساهمة في ضمان الحقوق الطبيعية والدستورية للفرد ومن خلاله للمجتمع الذي يمثل الحق المدني.

من جهة أخرى وفي سياق القضية الليبية التي سيسدل عليها الستار قريبا, هناك احتمال وارد بإصدار عفو رئاسي شامل من طرف الزعيم الليبي لفائدة الممرضات والطبيب الفلسطيني حتى لو تم إقرار حكم الإعدام أو تخفيفه هذه المرة وذلك لعدة اعتبارات سياسية تراعى فيها المصلحة العليا للدولة الليبية المتمثلة في انفتاحها على الغرب, هذه المصلحة الاستراتيجية التي تسعى من خلالها ليبيا إلى توطيد علاقتها بأوروبا لأجل تحرير سياستها واقتصادها بعدما ظلا منعزلين لأكثر من عقدين من الزمن.

إن تداعيات قضية الأطفال الليبيين المصابين بالإيدز ستؤثر لا محالة على السياسة الليبية داخليا وخارجيا وستضع الدولة في مأزق حقيقي أمام أهالي الأطفال المطالبين بالقصاص من الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني. مأزق لا يمكن تفاديه ويصعب التكهن بنتائجه إذا عمدت الدولة إلى الموافقة على على المقترحات الأوروبية دون الأخد بعين الاعتبار مطالب الأهالي باسترجاع حقوقهم وحقوق أطفالهم التي يعتبرونها خطا أحمرا ويرفضون حتى الجدل بشأنها, كما تداعيات القرارات التي ستتخد لإنهاء هذه الأزمة سواءا لصالح طرف أو آخر ستطال المؤسسة القضائية في ليبيا بجميع مكوناتها مما سيجعل المواطن الليبي يفقد ثقته بنزاهة قضائه وقدرته على حل قضاياه والدفاع عن حقوقه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرارة الجو ..أزمة جديدة تفاقم معاناة النازحين بغزة| #مراسلو_


.. ميقاتي: نرفض أن يتحول لبنان إلى وطن بديل ونطالب بمعالجة ملف




.. شاهد: اشتباكات واعتقالات.. الشرطة تحتشد قرب مخيم احتجاج مؤيد


.. رغم أوامر الفض والاعتقالات.. اتساع رقعة احتجاجات الجامعات ال




.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا