الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهر البارد والصيد في المياه العكرة

حنان زعبي

2007 / 6 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


المجتمع اللبناني انقسم الى معسكرين كبيرين معاديين، والى هذا الفراغ تدخل ميليشيات مسلحة من كل الانواع، تخدم قوات اقليمية وعالمية، تزعزع الدولة اللبنانية. المعركة في نهر البارد، قتل النائب عيدو وقصف مدينة كريات شمونة بالكاتيوشا، تدل على ان لبنان يتجه نحو التمزق الداخلي وفقدان السيادة.

اغتيال النائب اللبناني وليد عيدو زاد من تصعيد الوضع اللبناني المتأزم اصلا. ولا يقتصر الخطر على الخلاف بين الحكومة والمعارضة برئاسة حزب الله الشيعي، بل دخل الى المعادلة عنصر جديد يزيد من تعقيد الوضع. فقد وقع الاغتيال على خلفية دخول تنظيمات سنية سلفية مسلحة من خارج لبنان، بدأت تزعزع ميزان القوة الهش بين الحكومة والمعارضة في هذا البلد. المعارك التي تدور رحاها بين الجيش اللبناني وتنظيم "فتح الاسلام"، في مخيم نهر البارد الفلسطيني، بالقرب من طرابلس شمالا، تتحدى حكومة السنيورة وتثير علامة استفهام حول السيادة اللبنانية برمّتها.

ويفسر هذا رد فعل الحكومة التي أرسلت جيشها لنزع سلاح الميلشيات في المخيمات الفلسطينية، وتعلن بذلك نهاية الحكم المستقل الذي كان لهذه الميليشيات وتثبت وجود الجيش كقوة مركزية مسلحة وحيدة وتؤكد على سيادة الحكومة اللبنانية.

وقد استند هذا التحرك الاخير على اساس الواقع الذي فرضه قرار مجلس الامن رقم 1701 الذي نظم الوضع على طول الحدود اللبنانية- الاسرائيلية بعد حرب لبنان الثانية. ولكن بالاساس يعتمد على قرار الامم المتحدة رقم 1559 من ايلول 2004، القاضي بحل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها، وهو القرار الذي كلّف رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري حياته اذ نص على سحب القوات السورية من لبنان.

بعد اغتيال الحريري اضطرت سورية تحت ضغط شديد ان تنسحب من لبنان، ولكنها ارادت ان تثبت ان لبنان لن يكون ساحة آمنة طالما انها خارجه، وعمليا رفضت التسليم بهذا القرار. وبالفعل سرعان ما تحول البلد الى ساحة تتنازعها كتل عالمية ومحلية ذات مصالح متناقضة. فامريكا تريد تحويل لبنان الى ديمقراطية غربية موالية لها من خلال دعم السنيورة، وهو ما جعلها تضغط لإقرار المحكمة الدولية بشأن اغتيال الحريري والتي تستهدف بشكل مباشر سورية. وتواصل سورية التأثير من خلال الموالين لها امثال رئيس الدولة اميل لحود، اما ايران فتسعى من خلال حزب الله وامل لحفظ نفوذها.



من نهر البارد لعين الحلوة

"فتح الاسلام" هو تنظيم اصولي جهادي انشقّ عن تنظيم "فتح - الانتفاضة" التابع لسورية والذي كان جزءا من حركة "فتح" ثم انشق عنها. يتزعم حركة "فتح الاسلام" شاكر العبسي الذي رفضت سورية تسليمه للاردن بعدما اتهمه الاردن بالاشتراك مع ابو مصعب الزرقاوي في التخطيط لقتل الدبلوماسي الامريكي لورانس فولي في عمان اكتوبر 2002.

هدف التنظيم كما قال العبسي في مقابلة معه نشرتها صحيفة "الشرق الاوسط"، هو "تجهيز الجماهير لرفع راية الاسلام، وتطبيق الشريعة في المخيمات الفلسطينية اللبنانية، ثم فتح القدس وتحريرها من اليهود... فلبنان وكل بلاد المسلمين هي بلاده،... واشار الى انه يستقبل المتطوعين من غير الفلسطينيين واللبنانيين". (1/3/2007)

دخل العبسي مخيم نهر البارد في 20/5 الماضي، واحتل المواقع التي تواجد فيها تنظيمه الاصلي "فتح - الانتفاضة". باسم الشريعة التي يبرر بها اعماله، نفذ العبسي عملية سطو على مصرف "البحر المتوسط"، مما اشعل فتيل المواجهة مع الجيش اللبناني. فقد تعقبهم الجيش حتى اصطدم بهم في شقة مدججة بالاسلحة في طرابلس، وما زالت المواجهة مستمرة حتى كتابة هذه الاسطر.

ككل حدث يقع في لبنان، تم توظيف المعركة بين فتح الاسلام والجيش اللبناني، في التراشقات السياسية اللبنانية الداخلية. الجنرال ميشيل عون المنتمي للمعارضة والمتحالف مع حزب الله، اتهم الحكومة بالتغاضي عن سلاح التنظيمات الفلسطينية والاصولية، والتركيز على سلاح حزب الله، ملمّحًا الى مسؤوليتها عن تدهور الاوضاع. ورد انصار السنيورة، بذكر الصلة التي تربط شاكر العبسي وتنظيمه بالنظام السوري، محّملين بشكل واضح المسؤولية عن الوضع لسورية.

كما ذكر انصار الحكومة تغلغل نفوذ الاجهزة السورية في المخيمات الفلسطينية شمالي لبنان، خاصة منذ إخراج ياسر عرفات و"فتح" منها في الحرب اللبنانية الاهلية في 1983. وحلت محل "فتح" منظمة "الجبهة الشعبية – القيادة العامة" بقيادة احمد جبريل و"فتح - الانتفاضة" بقيادة ابو موسى، وهما فصيلان مواليان لسورية.

ولا تقتصر المواجهات على نهر البارد فحسب، بل انتشر التوتر لمخيمات فلسطينية اخرى في جنوب لبنان، وخاصة مخيم عين الحلوة في صيدا. وتسود هناك حالة الطوارئ بسبب عودة التوتر بين الجيش اللبناني و"جند الشام"، الشقيق الاكبر لتنظيم "فتح الاسلام".

صحيفة "الحياة" التي نشرت الخبر في 5/6، افادت ان هناك "سؤالا عما اذا كان قرار اتخذ في مكان ما لتحريك "الخلايا النائمة" امتدادا الى منطقة البقاع الغربي من خلال "الجبهة الشعبية – القيادة العامة" بزعامة احمد جبريل الذي يتخذ من دمشق مقرا لقيادته،، وذلك لاستنزاف القوى الامنية اللبنانية بفتح جبهات جديدة للتخفيف من الضغط الذي يواجهه شاكر العبسي في مخيم نهر البارد".

ويشير الخبر ايضا الى ان "الحكومة تتعاطى بجدية مع المعلومات التي تتحدث عن ان القيادة العامة في اماكن انتشارها في البقاع الغربي وتحديدا في المناطق الحدودية التي تربط لبنان بسورية، بدأت توحي وكأنها تستعد للدخول في مواجهة مع الجيش وانها قطعت شوطا على طريق الاعداد لها، بعد ان ضمت الى صفوفها عناصر من لواء اليرموك التابع لجيش التحرير الفلسطيني الموجود في سورية".

وأكدت مصادر لبنانية ان أي قرار بالتصعيد في البقاع الغربي، وحتى في منطقة الناعمة القريبة من مطار رفيق الحريري الدولي، ستكون لها ابعاد دولية واقليمية. وترى الحكومة اللبنانية ان مجرد فتح النار على الجيش اللبناني في البقاع الغربي سيؤدي حتما الى استفزاز المجتمع الدولي الحريص على تطبيق القرار 1701، بما فيه البند الخاص بمراقبة الحدود اللبنانية السورية لمنع تسلل المقاتلين من سورية للاراضي اللبنانية ووقف تهريب السلاح.



المعركة لم تحسم

دخول الجيش اللبناني المخيمات الفلسطينية بموجب قرار 1559 الخاص بنزع سلاح المنظمات الفلسطينية واللبنانية، يثير قلق حزب الله. فهذا يمكن ان يكون سابقة تمهد لنزع سلاحه هو ايضا، بموجب القرار نفسه، الامر الذي قد يقود البلاد الى حرب اهلية من جديد.

ولكن نصر الله لا يستطيع ان يدعم في هذه المعادلة "فتح الاسلام" ضد الجيش اللبناني، حتى لو ان هذه الحركة تنشط ضد خصومه، الاكثرية بزعامة السنيورة، وذلك لانها في نفس الوقت تقاتل بشراسة ضد الشيعة من انصاره في العراق.

هذا الارباك من شأنه ان يفسر صمت امين عام حزب الله، حسن نصر الله، على مدار اسبوع كامل من القصف الذي تعرض له مخيم نهر البارد وتهجير آلاف الفلسطينيين منه، مع انه اعلن تبنيه القضية الفلسطينية وجعلها جزءا من خطابه طوال سنوات. فقط بعد اسبوع من الاحداث اعلن نصر الله ان اجتياح الجيش للمخيم هو خط احمر.

تأتي هذه المواجهات في وضع بات فيه المجتمع اللبناني منقسم الى معسكرين معاديين. انصار سورية وحزب الله في لبنان يسعون لاعادة النفوذ السوري الى لبنان ويدّعون انهم الذين انتصروا على اسرائيل في حرب لبنان الثانية، كما انهم لا يقبلون بالمحكمة الدولية، ويطالبون بحق الفيتو في الحكومة. وفي المعسكر المضاد البرجوازية اللبنانية التي استقلت عن سورية بفعل القرار الدولي والدعم الامريكي والفرنسي تحديدا، وهي تسعى لبناء دولة رأسمالية مركزية والانضمام الى الاسواق الغربية.

الى الفراغ الذي خلقه الصراع بين القوتين تدخل ميليشيات مسلحة من كل الانواع، تخدم قوات اقليمية وعالمية مختلفة، وتزيد في زعزعة استقرار الدولة اللبنانية. اطلاق النار على مدينة كريات شمونة من قبل ميليشيا فلسطينية غير معروفة حتى الآن هو دليل اضافي على ذلك، ونذير بان هذا النزاع قد يصل بلبنان رويدا رويدا الى التمزق الداخلي وفقدان السيادة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج