الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاولة لفضّ الإشتباك

عادل الحاج عبد العزيز

2007 / 6 / 27
الادب والفن


محاولة لفضّ الإشتباك
في جدليّة الكاتب والمكتوب
مجابهة الذات
((شعراؤنا لايزالون مجهولين، وكتابنا لا يزالون مجهولين، وأدبنا لايزال مجهولاً، لان الذين يتكلفون تعليمه ونشره يجهلونه. وهم يجهلونه لأنهم لا يقرؤونه، وإن قرأوا او قل قرأوا منه شيئاً فهم لا يفهمونه على وجهه..(الى قوله) ..يُشرح "الأديب المجهول" بالقراءة الجاهلة، وتُشرح القراءة الجاهلة، وكما المح حسين ب"السلطة المعلومة"، التي تقدس ذاتها وهي تنتسب إلى تاريخ مقدس، لا فجوات فيه)).

(الأديب العربيّ، طه حسين)[1]

ولوج
حمدّت الله كثيراً ان الأمور اتخذت ذلك المنحى المعلوم، فقد لا قيّت مشقة بالغة حتى يرى مقالىَّ الأخير (لاعليك اشراقة..)[2] النور. وانا طبعاً هنا ذلك المُتَّطاول المبتدئ!، في صنعة لا يكسب اهلها الاّ الشقاء.
اصل الحكاية؛ ارسلتُ المقال السالف الإشارة الى مجلة عربية ادبية "عريقة"، والتي يتميز تحريرها بالحذر والشيخوخة! (ليس المقصود السِّن هنا). اذ اعْتُبِر ما كُتبت في مقاليَّ ذاك، محض لذعات وحرباً كلامية. بالطبع رُفض ذلك النص وارسل لبريدي الإلكتروني دون تعليق. ليجد ذلك النّص الملعون النور بواسطة هذه الغراء "سودانيل"، والتي يبدو ان تحريرها اكثر شباباً وتحرّراً.

في غِمار تلك الحرب المزعومة، كُنت اقف مُصطَّفاً بصفٍ "طابور" طويل، في مكتبٍ للبريد. الجّو خارج المكان شديد السوء، عواصف مطرية، برودة لم يتوقعها الإرصاد الذكي (تغيرات المناخ العالمي)، كانت تقف امامي امرأة عجوز"استرالية" لم يُسعفني ضجري حينَّها من تقدير ميلادها، "لكن قَّطِّع شَكْ انها حَضَرتْ الحَربيّن الكِبار". بمناسبة ضجري تلك، فقد تدافعت بصندوق بريدنا "فواتير" من كل صنف، واحدة للكهرباء وثانية للغاز، واُخر لا نعلمُ كيدهنَّ بعد.

ما يهم في الأمر انني تمكنت من تسديد (دفع) ما تيسر منها، في الطريق لمحطة الحافلات القريبة، نظرت ورائي، فإذا بتلك العجوز مازالت تّتبعَني، طبعاً.. حدثت نفسي بأنها الصدفة لا غير.

هنا جنوب الكرة الأرضية، الجو شديد البرودة، قيل: ان الثلوج تساقطت بأسْفُح منطقة "بلو ماونّتن" Blue Mountains ، وهي منطقة بغربيّ مدينة سيدني. والمطر لم يتوقف طيلة اسبوعين، لا كثير تسكع للناس في انحاء المدينة، الغرف صابها الإندهاش من طول اقامة اهلها بها. لا انيس في تلكم اللّيالي الباردة غير، التسكع بمواقع الشبكة العنكبوتية... الكلام كتير.. على قول المصري " على افا من يشيل"، اتصل بي صديقي ما بعد التاسعة مساءً؛ لمزاولة عادة الكلام.. وهنا في استراليا الحديث عبر ذلك الجهاز (الجوال/النقال/الموبايل/ المحمول)، هو خدمة مجانية تقدمها بعض الشركات ما بعد ذلك التوقيت للمواطنين، وبما اننا كسودانين اصبحنا منهم ؛ فصار يستعمله اهلنا ليزيلوا وحشة بعضهم البعض في هذه الأصقاع، لا يحسدهم في نعمتهم تلك (ريِّس) ترك القارب ليحسد القوم في كلامهم، وهو ما نجزم انه " كلام الله والرسول".

هاتفني صديقي، فزادني علماً بان "الرِّيس" ذات مرة، كان قد حسّدَ القوم الذين يعارضونه وقتها في تناولهم " لجعَّتِهم". فقال لي "اخينا": " البلدْ دي اصلو قُبَّال كِدة ما مَرَ عَليها "ريِّس"، حاسِد بهذا القَدرْ".

تساؤل في ليلةٍ باردة
لم يعرف النوم طريقه اليَّ، مكثت مستيقظاً فقد سئمت الكلام والمنام. والبرد خارج الغرفْ لا يُحفّز على شئ سوى الحديث مع النفس او مطالعة متكئة تحتضنها الأسِّرة (سرير) الدافئة.
ورد خاطري سؤال.. ساذج ولحوح يقول لي: لماذا نحن نكتب اذاً ؟
طبعاً .. رغم السذاجة البادية على ذلك السؤال في الوهلة الأولى الاّ انه بالإقتراب منه اكثر، يصير هو نفسه آية في التعقيد و التفذلك "حمانا الله"، وخاصة اذا تم الإعتناء به من قبل بعض المحتفين بمنافيهم!.
قلت لنفسي على رسلك يا هذا..! قبل طرح هكذا تساؤل فقد كان الأجدر التساؤل اولاً لماذا نحن " نُحجي" اي نسرد القَصص؟ .. تذكرت على الفور قول علماء الميثيولوجيا[3] : بأن اهل استراليا الأصلينAborigines هم اكثر اهل الأرض، سرداُ للمرويات. اذ ان مكونات الثقافة الأبروجنية هي استعادة وارجاع لأصوات مُتداخلة، من البيئة بكل مكوناتها من (ارض ونبات وحيوان) في تِلّك الأصقاع النائية من العالم؛ فهم يعتقدون ان "الأرض" تحمل كل حمولة تكوينهم الإنساني، فجاءت قصصهم زاخرة بإعلاء القيم النبيلة وبها كل الذم لرذيل القيم، ليُطرح في فضاء مروياتهم كل الاسئلة الأزلية عن الوجود، مثل خلود الإنسانية واسئلة: الموت والخلق والإنبعاث. وتُكنى اضخم اساطيرهم بزمن الحلم The Dream Time ..

في تلك الأثناء هاتفني صديقي منتصف الليل مجدداً، فحدثته بما ارقني. فقال ساخراً مني: فلنطلق دعوة رقمية اذاً.. لسُكان شمال الأرض مفادها " فِّكونا .. فَهناك مَنْ هُمّ "احَجَّ" مِنْكُمْ".

بعدها حاولت ان اعود بالحديث الى نبرته الرصينة، فقلت له: اتعلم ان هؤلاء القوم البدائيين "الأبروجنيين"، لا سيطرة لفرد ولا توارث في ثقافتهم، فهم في معتقداتهم لا يؤمنون بشخصٍ رئيس او قائد او مُحارب مميز. لا فضل لاحدهم على الآخر منهم، بفروسيته او حتى ترقيه عليهم روحياً او معنوياً، فهم يؤمنون ان الإنسان خُلق وهو مُحارب مُتكامل بذاته الصَمدة. لا فضل لأحدٍ عليه الا ماخضع لقوانين زمن حلمهم... عندها ؛ فقط! طلبت من صديقي ان يحلم هانئاً ما استطاع لذلك سبيلا.

في ليلّتي تلك فارق النوم عينايّ " فُراق الطِّريفي"، حاولت التهرب من السؤال اللّحوح السَّمِج الذي ارقني ليلتها.
قرّرت النُهوض من مرقدي الدافئ، للجلوس على طاولتي المجاورة لسريري، اذ يوجد عليها كمبيوتري (حاسوب). اشعلته ام ادرته لا مُشكِل لديه او لديَّ.. جلست امامه، ومباشرةً الى My Documents ، كنت احتفظ بملفات كثيرة، فكان اول ما عرف طريقه الي شاشته، هذه الكلمات لسركون بولص[4]

هل جاء البرابرة القدامى
من وراء البحر؟
هل جاؤوا؟
وحتى لو بنينا سورنا الصينىّ، سوف يُقال: جاؤوا
انهم مناّ ، وفينا. جاء آخرُنا
ليُضحكنا، ويُبكينا..
ويبنى حولنا سوراً من الأرزاء. لكن، سوف نبقى.

بعدها بقليل ضغطّت على كلمة Back المعلقة بأعلى الجهة الشمال من الشاشة، لأجِّد ضمن مجموعة من الملفات القديمة، ملف قديم يلّخص قدّر الكاتب "والذي يرمز تماماً إلى قدرٍ مقاليّ(عائدة للمقال)، الذي هو غياب القدر المأساوي الحقيقي. لذلك، على العكس من المأساة، ليس ثمة نتيجة داخلية للمقال، اذ ان ماهو خارج فقط يمكنه ان يتدخل وينهيها، مثلما كان موت سُقراط قد رُسِّم من خارج المسرح وانهى فجأة حياته في التساؤل".
تلك الكلمات كانت تخص ادورد سعيد[5]، والتي حاول فيها ان يُلّخِص اهمية النص المكتوب وهو ما سماه فِعل الكتابة. بالطبع بإحالات لا تنتهي لمُفكر كرولاند بارت، تركتْ التفاصيل الكثيرة المحيطة بمحاولة تفسيره للمفاهيم، لتخطف لبيّ مفاضلته الواضحة بين رغبتين هما " الرَّغبة في الكلام" و الآخرى "الرَّغبة في الكتابة".

لا ادري لماذا خطرت لي تلك الدراسة القيِّمة للباحث والكاتب العربي، فيصل دراج؟[6] والتي سماها: الحداثة وجماليّة المُفرد. فقد ذكر فيها ان الأديب طه حسين كان قد قدّم في الدورة السابعة عشر لمؤتمر المستشرقين!، والذي انعقد في أكسفورد 1928، قدم دراسة طويلة عنوانها: (( استخدام ضمير الغائب في القرآن كإسم اشارة)) ورد في سطورها الاولى بالحرف "في النحو العربي قاعدة ثابتة هي ان ضمير الغائب يجب ان يعود إلى اسم يتقدمه. وهذا الاسم يجب ان يكون مذكوراً صراحة في النص او ان يفهم عنه بالضرورة وعلى نحو واضح..، وهذا الضمير الغائب، الذي له ما يدّل عليه في النص، هو ما اخذ به في (ايامه)، مستعيضاً عن انا المتكلم، وهو امر شائع في السيرة الذاتية، بكلمات اخرى، كان يقول (صاحبنا) او (صبّينا)، او يسرد ما شاء متوسلاً ضمير الغائب لا اكثر: "لا يذكر لهذا اليوم اسماً، ولا يستطيع ان يضعه حيث وضعه الله من الشهر والسنة، بل لا يستطيع ان يذكر من هذا اليوم وقتاً بعينه، وانما يقرّب ذلك تقريباً". هذا هو المطلع الشهير الذي بدأ به طه حسين (ايامه الشهيرة).

جاور الملّف السابق(على الشاشة)، ملّف قديم آخر ارسل به صديق؛ وكان عبارة عن مقالة اكاديمية تطرح قراءة مغايرة "لدور الصين في العلاقات الدولية". لم تكن تعتريني رغبة لِولوجه، فقد تسلّل البرد لاطرافي رويداً.. رويداً، وانا اجلس على تلك الطاولة. فتبسمت! محدّثاً نفسي ان هذه الصين قد تمددّت هذه الأيام الى كل شئ، حتى انها طالت كِتابات كُتّابنا، وهذا ما فسر لي لماذا حتى بعض "كبار" كُتابنا صار يكتب بما يمكن ان يُعرَّف ب" الكتابة بواسطة الوخز بالإبر"، ولي ان اتخيّل الى اي مدى هي قد تكون صدِئة.

حينها شعرت ان البرد بدأ يتملكني، تركت جهاز الكمبيوتر (الحاسوب) مشتعلاً، عساه يساهم في تدفئة الغرفة. التقطت جواربي الصوفيّة القديمة، حتى تمنحَ اطرافي الدفئ.
ارتديتها بسرعة؛ حتى تأكد لي تماماً ان البرد لم يَنفخنِّ (ي) او اني لم اكن قد تَخرجّت يوماً في جامعة الخرطوم!. وانا عبدالله الفقير ضعيف البنيّة!

في تمام الساعة الثالثة صباحاً ؟!.. هاتفني مجدّداً صديقي السّهدان، لم يمهلني لأحتج لديه! فقال مُسرعاً: " "اخينا" حالِّف ينهيها (عشرة/صفر)". اجبته إجابة جاءت مطبوعة، بطبيعة الجو المحيط.. فقلت:"الصباح ليهو عيون"، فنّم.

هرعتْ بعدها لسريري، ما كان لجفوني ان تعرِّف النوم بسرعة. فيما تسمّرت عيوني بسقف غطائي، تذّكرت ساعتها بلادي واهلي بها (كجبار/المحس)، فاعينهم لن تعرف النوم الاّ ضحى الغدْ بتوقيت (سيدني) هنا. فهل لي ان اناجيهم تُصبحون على وطّن؟!
انتهى..
عادل الحاج عبد العزيز

الهوامش:-------------------------------------------------------------------------------
[1] مجلة الكرمل الثقافية الفصلية، خريف 2001 ، تصدر عن مؤسسة الكرمل الثقافية، رام الله فلسطين.
[2] الحاج عبد العزيز،عادل، مقال بعنوان "لا عليكِ "اشْراقة"انه "التِّجَني""، سودانيل الالكترونية، 2007/6/8 يوجد بهذا الرابط الآن:
[3] المصدر السابق، ص215
[4] المصدر السابق، ص143
[5] سعيد، ادورد، 2002، "مفارقة الهوية"، دار الكتاب العربي، دمشق، سوريا.

[6] مجلة الكرمل، خريف 2001، ص53
[7] دريدا، جاك، 2000، "الكتابة والإختلاف"، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب.
[8] موروا، اندريه، 1999، "فن التراجم والسير الذاتية" ، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، مصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟