الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جريمة قتل في شارع عام - قصة مقتل اولوف بالمة

خالد صبيح

2003 / 9 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


جريمة قتل في شارع عام
( قصة مقتل اولوف بالمة)
ترجمة: خالد صبيح

تقديم

عند مقتل السيدة (آنا ليند*) وزيرة خارجية السويد في 11-9 - عندما كانت تتسوق بدون حرس، كعادة السياسيين في هذا البلد، في احد مراكز التسوق الكبرى وسط العاصمة السويدية- الحادث الذي احزن وابكى الكثيرين خارج السويد وداخلها حيث عبر الناس عن ألمهم وحزنهم بطريقة صادقة وتلقائية، كان السؤال الاول الذي اقلق المجتمع والدولة هو مصير الديمقراطية وحدود ومستقبل الانفتاح الذي يتميز به المجتمع السويدي ويتقدم به على الكثير من المجتمعات الاوربية. وقد اعتبر هذا الاعتداء اعتداءا على قيم المجتمع الديمقراطي المنفتح ومحاولة لارباك العلاقة بين السياسي، الذي هومنتخب اصلا، والمواطن  حيث تختفي الحواجز بينهما ويكون فيه السياسي مواطن يمارس حياته العادية بحرية وبشكل مشترك مع المواطنين الاخرين ولايعتكف في صومعات يكون فيها بعيدا عن رؤية ومعايشة الناس.كما هو الامر في الكثير من بلدان العالم.
اخترت لهذه المناسبة قصة مقتل** اولوف بالمة رئيس وزراء السويد عام 1986 لدلالاتها المميزة وساترك امر استكشاف تلك الدلالات للقارئ مكتفيا بالاشارة الى ضرورة معرفة وتمثل تلك الخبرات وانماط السلوك الاجتماعي للسياسي وعلاقته بالمواطن  في التجارب الديمقراطية المتقدمة علها تعيننا على الفهم وتفتح لنا افق نستشرف منه بناء تجربتنا في بناء ديمقراطي بابعاد انسانية بعيدة عن الزيف والمظاهر الفجة ..

*  *  *


لم يكن لاولوف بالمة دائما حرس شخصي فقد كان يفضل احيانا ان يتدبر اموره من دونهم.
ذات مرة، وكان يريد السفر خارج البلاد فرافقه اثنان من رجال الامن الى المطار. لكن في الطريق حدث عطب باحدى عجلات السيارة وتوقفوا لتبديله.
وبينما كان الشرطيان منهمكين بالعمل كان اولوف بالمة يروح ويجيء في المكان منزعجا. ربما قلقا على ان لايفوته موعد الطائرة.  فجاة  فتح صندوق السيارة واخذ حقيبة سفره ووقف في الطريق مشيرا للسيارات المارة. بعد دقائق توقفت سيارة عابرة واقلته وسط نظرات الشرطيين الذاهلة وهم ينظرون لرئيس الوزراء المكلفين بحراسته وهو يبتعد بسيارة غريبة.
 في اليوم الذي سبق يوم مقتله كان بالمة يتجول في المدينة بدون حراسه الشخصيين. فقد قطع الشارع ماشيا من مبنى الحكومة الى شارع (الملك) ليبتاع لنفسه بدلة جديدة. بعد ذلك عاد الى مكتبه حاملا بدلته الجديدة في كيس. الناس الذين تعرفوا عليه في الطريق كانوا يلوحون له بايديهم فرحين وكان هو يبادلهم التحية.  ربما كان هذا يشعره بالحرية والامن كاي عمدة في مدينة صغيرة. فقد كان يسير وسط الناس بغير انزعاج. وهذا يشعره انه واحد منهم..
 فما حاجته الى الحراس اذن؟.
كان يوم 28 فبراير( شباط) 1986 يوم جمعة.
كان يوما فيه الهواء بارد ورطب.
 في الصباح ذهب بالمة كعادته في ايام الجمعة الى احدى الصالات الرياضية في المدينة ليلعب التنس. بعد اللعب اخذ حماما ساخنا( ساونا) مع زميله في اللعب تاركا حراسه يجلسون في الصالة بانتظاره.
 في الطريق الى مبنى الحكومة هبط بالمة من سيارته في شارع (الملك) ليعيد البدلة التي ابتاعها بالامس الى محل الالبسة الذي اشتراها منه.
كانت زوجته اليزابيث غير مرتاحة لهذا.
استمر يوم العمل كاالمعتاد مشحونا بالنشاط فقد التقى بالمة بعض من اعضاء الحزب وعقد لقائين قصيرين مع سفيري العراق والنروج.
في الساعة العاشرة والنصف صرف حراسه الشخصيين الى بيوتهم. بعد ذلك عقد لقاءا صحفيا مع احدى الصحف المحلية وقد امتنع لسبب غريب عن التقاط صورة له قرب الشباك.
- المرء لايعرف ابدا ماذا يوجد هناك في الخارج. هذا ماقاله. 
عند الغداء لاحظ بعض الوزراء شيء من التوتر باديا عليه ولم يعرف احد منهم لماذا.
وهكذا انقضى ماتبقى من اليوم.
كانت الساعة قد تجاوزت السادسة بقليل حين غادر بالمة مكتبه متوجها الى بيته في جانب المدينة القديم.
حول المائدة تحدث مع زوجته اليزابيث عن عزمه قضاء الامسية في الذهاب الى السينما. تردد الزوجان في اي فلم سيشاهدان لكنهما عقدا العزم في الاخير على مشاهدة فلم ( الاخوة موتزارت) لاسيما وان ولدهم( مورتين) وزوجته سيشاهدان ذات الفلم.
- سنلتقي امام السينما.
قال بالمة لولده في التلفون.
قبل ان ياخذا طريقهما الى السينما اجرى بالمة بعض المكالمات التلفونية مع رفاقه في الحزب ومع ان المكالمات كانت قصيرة الا ان اليزابيث كانت تحثه على الاسراع.
 حين خرجا من البيت كانت الساعة قد تجاوزت الثامنة والنصف بقليل. ذهبا الى محطة مترو المدينة القديمة واستقلا الخط 17 ليذهبا الى شارع (رودمان).
كان القطار مزدحما فظلا واقفين طيلة الطريق. من محطة (رودمان) سارا الى مبنى السينما في شارع( سفيا) كأي فردين عاديين من ابناء العاصمة ومنحهما ذلك شعورا ممتعا بالحرية فقد كانت ليلة من دون ازعاجات الحراسة.
امام السينما التقيا ولدهما( مورتين) وزوجته. كانت تذاكر السينما على وشك النفاد الا ان الحظ حالفهما وحصلا على اخر التذاكر المتبقية.
هكذا دخلا ليشاهدا الفلم وليقضيا معا اخر امسية في حياتهما.
انتهى الفلم في الساعة الحادية عشرة والربع وبعد ان ودعا ولدهما وزوجته ذهب الزوجان بالمة جنوبا في شارع سفيا باتجاه محطة المترو القريبة.
كانا يسيران ببطء ويتحدثان عن الفلم الذي شاهداه.
 كانت ليلة مدلهمة بدرجة حرارة دون الصفر بست درجات وهواء قارص.
 الشارع شبه فارغ .. كانت العطلة الرياضية على وشك الانتهاء والكثير من ابناء ستوكهولم في الخارج لتمضية العطلة الشتائية. بعد قليل اتجه الزوجان بالمة الى الجانب الاخر من الشارع حيث كانت اليزابيث ترغب في رؤية ملابس في الواجهة الزجاجية لمحل ( ساري) الهندي. وقفا قليلا ينظران الى تلك الملابس ذات الالوان المبهجة.  ثم واصلا طريقهما الى محطة المترو القريبة.
لدى مرورهمامن امام محل( ديكروميا) للالوان والواقع عند تقاطع شارعي( سفيا) و( تولين) كان هناك رجل، اربعيني، متوسط القامة بشعر وملابس داكنة، يقف قرب الجدار ويحدق بهما.
بعد ان تجاوز الزوجان الرجل ببضع خطوات تحرك هو ببطء تاركا مكانه قرب محل الالوان واقترب من رئيس الوزراء. عند اقترابه منهما لمس من الخلف كتف بالمة، وحين التفت رئيس الوزراء ليرى من الذي وضع يده على كتفه سمع صوت اطلاقة مسدس. في نفس اللحظة التي ظنت بها اليزابيث ان الصوت جاء من مسدس لعبة للاطفال سقط زوجها قربها على الارض. بعد لحظة جاء صوت اطلاقة ثانية. وقع ذلك بخفة وسرعة قرب اليزابيث دون ان تشعر به.
نظرت هي الى الرجل ذي الملابس الداكنة وادركت حينها ان زوجها قد اطلقت عليه النار وان القاتل يقف امامها. بادلها القاتل التحديق لبضع ثوان، بعد ذلك دار القاتل حول رئيس الوزراء ووضع المسدس في جيب معطفه الداكن واستدار ماشيا في شارع (تولين). سار في البدأ متمهلا ثم اسرع من خطوه ليختفي راكضا وسط الازقة المعتمة من غير ان يستطيع احد ايقافه.
خرت اليزابيث على ركبتيها قرب زوجها المضرج بالدماء وادركت ان حالته صعبة وربما يكون ميتا.
اثناء ذلك اتصل احد سائقي الاجرة بالشرطة التي جاءت الى المكان بعد بضع دقائق. بعض من رجال الشرطة هرع في شارع (تولين) مشرعين سلاحهم بحثا عن القاتل..
 اقترب احد مفتشي الشرطة من المراة الراكعة على ركبتيها وسالها عمن تكون.
- الست عاقلا؟
صرخت اليزابيث.
انا اليزابيث بالمة وهنا ملقى زوجي بالمة.
على الفور قام مفتش الشرطة بالاتصال بمركز الشرطة من جهاز اللاسلكي الذي يحمله، وكان قلبه يخفق بقوة حين قال:
-اتعرفون من هو الضحية؟ حول.
- كلا لانعلم من يكون. حول
- هو رئيس الوزراء! اكرر: هو رئيس الوزراء اولوف بالمة. انتهى. حول
- واضح انتهى.
كانت الساعة 11,21  حين اطلق الرجل بالملابس الداكنة النار على رئيس الوزراء. وفي الساعة 11,28  وصلت سيارة اسعاف وحملت المصاب الى المستشفى.
اكد طبيب التخدير في المستشفى ان اولوف بالمة قد مات سريريا عند نقله الى المستشفى. فقد كان جثة هامدة، نبضه قد توقف وكذلك تنفسه. وقد اجريت محاولات لاعادة الحياة اليه لكن بدون جدوى.
 وفي الساعة 00,03 اعلن الاطباء ان رئيس الوزراء اولوف بالمة قد مات.
 ____________________________

هوامش

*القي القبض مؤخرا على شخص مشتبه بارتكابه تلك الجريمة البشعة وهو صاحب سوابق اجرامية وله ارتباطات مع مجاميع وشخصيات نازية ويمينية متطرفة. التحقيقات ماتزال جارية ولم يدن هذا الشخص بعد.

** اخذت هذه القصة من كتاب في اللغة السويدية عن الجريمة في السويد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يخيب آمال الديمقراطيين خلال المناظرة الأولى أمام ترامب


.. تهديدات إسرائيل للبنان: حرب نفسية أو مغامرة غير محسوبة العوا




.. إيران: أكثر من 60 مليون ناخب يتوجهون لصناديق الاقتراع لاختيا


.. السعودية.. طبيب بيطري يُصدم بما وجده في بطن ناقة!




.. ميلوني -غاضبة- من توزيع المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي