الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فضيحة دار الحنان لشديدي العوق بين الحقيقة والوهم

علي جاسم

2007 / 6 / 28
مواضيع وابحاث سياسية



قبل الخوض في حملة ضد الحكومة العراقية ازاء تقصيرها واهمالها للاطفال الايتام في العراق لاسيما شديدي العوق والذين يحتاجون الى رعاية استثنائية ومتابعة خاصة وبشكل يومي وغير متقطع وخصوصاً بعد فضيحة دار الحنان للاطفال شديدي العوق لابد لنا من التمعن جيداً في ابعاد هذه القضية وتداعياتها من حيث المضمون والاسلوب الذي ظهرت فيه هذه القصة والتدقيق في التوقيت الذي اطلقت فيه الى وسائل الاعلام الباحثة عن مادة دسمة تتصدرعنواين نشارتها الاخبارية.
وكي نتجنب السقوط في مطب الخروج عن الحيادية والموضوعية التي تعتبر صفة اساسية يتصف بها الاعلامي خصوصاً عند تناوله قضايا حساسة قد يترتب على نتائجة اموراًكثيرة، ولتجنب الانزلاق في تطبيق اجندات سياسية تهدف الى تغير مسار الحكم في العراق لابد لنا من وقفة تحليلة متأنية ودقيقة لهذه للفضيحة قبل ان نصب جمنا وغضبناعلى المسؤولين في الحكومة العراقية ومنظمات المجتمع المدني التي تتحمل هي الاخرى جزء كبير من مايحدث للاطفال اليوم والناتجة عن قلة الزيارت الميدانية لدور الايتام وضعف المتابعة اليومية للمؤسسات الانسانية .
ولو انطلقت نظرتنا التحليلية من الاسلوب الذي طرحت فيه هذه القضية لوجدنا انه حاول التركيز على اظهار الجنود الاميريكان وهم يحملون قناني الماء ويضعونها في فم الاطفال في الوقت الذي تقتل فيه هذه القوات عشرات الاطفال يومياً من خلال القصف العشوائي للاحياء السكنية وهذا يدل على سعيهم في اقناع الراي العام بان الامريكان ليس اعداء للعراقين .
اما اذا نظرنا الى المضمون نجد انه اتجه الى اثارت مشاعر العالم باسره باعتبار ان الطفل لاسيما اذا كان معاقاً يحتاج الى رعاية وعطف مستمرين وليس معاملة قاسية مثل تلك التي شاهدناهاعبر وسائل الاعلام والتي يظهر فيها الاطفال في دار الحنان للاطفال عراة ومكبلين على الاسرة والذي يذكرنا بمشهد فضيحة ابي غريب .
اما الوقت الذي كشفت فيه هذه الفضيحة فانه ثمة سؤال يطرح هنا لماذا اختارت القوات الامريكية هذا التوقيت بالذات ؟وهل يرتبط هذا التوقيت بمسالة معينة ام انها كانت مجرد صدفة وليس معدة مسبقاً ؟وللاجابة على هذا السؤال لابد لنا ان نعرف ماهي مصلحة هذه القوات من اظهار هؤلاء الاطفال امام وسائل الاعلام و في هذا الوقت تحديداً؟
يمكن تشخيص الدوافع الاميركية بعدة جوانب ياتي اولها محاولة التغطية على مسالة تسليح العشائر والجماعات المسلحة التي اثارت السخط الشعبي داخل الاوساط العراقية وبمختلف شرائحه من اجل تمرير هذا المشروع والذي سيضع العراق امام اتون الحرب الاهلية لذلك عمدت هذه القوات الى طرح هذه القضية لتجذب وسائل الاعلام نحوها بدلاً من التركيز على مسالة تسليح العشائرالذي ينبغي ان يكون المادة الاساسية لوسائل الاعلام بكافة اشكالها.
ثانياً محاولة تشويه سمعة الحكومة المبتلاة بالارهاب من خلال وضعها في زاوية المسؤولة عن الحادث خصوصاً وان الساحة العراقية الان تشهد ظهور تكتلات جديدة بعضها مدعوم اميركياً لقلب الطاولة على اصحابها وتغير هيكلية العملية السياسة تمهيداً لاسقاط الحكومة .
ان الرجوع الى مبادئ التي تنطلق منها اساليب الحرب النفسية والاشاعة يمكن ان يضعنا امام حقيقة مهمة يجب تداركها لان في مراجعة اسلوب هاتين الوسيلتين نجد ان عملهما يقتصرعلى وضع الجهة المراد توجيه الحرب النفسية والاشاعة نحوها في موضع الضعف والاستسلام .
ان التدقيق في بعض الحوادث المشابهة التي حصلت في بعض الدول والتي تدخل في اطار الجهد الاستخباراتي الساعي الى تحويل انظار الراي العام في بلد معين ووقت معين الى قضية اخرى غير القضية الرئيسية التي ينبغي ان يصب فيها التوجه العام للجماهير يمكننا الاستدلال على بعض حلول هذه الاشكالية.
ففي فترة الاربعينات عندما حدث ارتفاع كبير وغير مسبوق في اسعار اللحوم في المانيا لم تستطيع الحكومة الالمانية انذاك تدارك هذه الازمة بعد ان اخذت تتوسع الى ان بلغت حد المظاهرات العامة مما دفع الحكومة الالمانية الى اتباع اسلوب استخباراتي جعل المواطن الالماني يعزف عن تناول اللحوم الحمراء لاكثر من ستة اشهر عن طريق فربكة قصة مفادها ان طفلة صغير جميلة الشكل تسير في احد شوارع المانية باحثة عن والدها وفي هذه اللحظة ياتي رجل طويل القامة قبيح المنظر ليخبرها ان والدها ينتظرها في احد الاماكن وعندما ذهبت هذه الفتاة مع الرجل تفاجئت بان هذا الرجل خدعها واصطحبها الى شقة في احدى العمارت يوجد فيها عصابة تعمل على قتل الفتيات الصغيرات ومن ثم تقوم بتقطيعهن وبيع لحومهن في الاسواق .
اثارت هذه القصة وقتها مشاعر الغضب لدى الشعب الالماني وحولت سخطه على الحكومة بسبب ارتفاع اسعار اللحوم الى تعاطف معها لانها فضحت هذه العصابة الخطيرة اضافة الى انها انعكست على خفض اسعار اللحوم الى اقل بكثير مما كان عليه قبل اطلاق هذه القصة .
ثمة قصة اخر حدثت قبل ثلاثة اعوام في سلطنة عمان الدولة الخليجية البعيدة عن اي صراعات داخلية اوخارجية وهذه القصة اخذت ماخذاً كبير لدى وسائل الاعلام العربية وخصوصاً الصحف ومواقع الانترنت ومفادها ان فتاة من سلطنة عمان لايتجاوزعمرها ستة عشر سنة قامت بتحويل موجة محطة تلفزيونية خاصة بتلاوة القران الكريم الى محطة اخرى تبث اغاني الفيديوكليب ونتيجة لهذا العمل تحولت الفتاة وحسب االقصة الى اشبه بالماعزعلى رغم انها وان فعلت ذلك فانها لم ترتكب جريمة مقارنة بصغر سنها ولاتقارن بالاعمال الارهابية التي تمارس يومياً باسم الاسلام .
والغريب ان كثير من الدول العربية والاسلامية اخذت تداول هذه القصة بمصداقية عالية بل انها اصبحت المادة الرئيسية للصحف ومواقع الانترنت والبلوتوث بالرغم من ان فبركة مثل هكذا قصص اصبحت مكشوفة لدى الجميع لان الله سبحانه وتعالى يترفع عن ايذاء الانسان بهكذا عقاب دنيوي فكيف بالك وان الشخص الموجه له العقوبة مجرد طفلة صغيرة لاتكاد تميز بين الخطأ والصواب فضلاً عن انها مسلمة.
ولم اجد في كتب التاريخ الاسلامية وغير الاسلامية مايشير الى مثل هكذا عقوبات صحيح ان القران اشار في بعض اياته الى مايدل على وجود المسخ لكن لااحد يعرف الوقت الذي وقع فيه المسخ ولا الاسباب التي ادت اليه ولاعلى اي الاقوام طبق لذلك فان مثل هكذا قصص لايمكن ان تمت للواقع بصلة.
اما سبب اطلاق المخابرات العمانية لمثل هكذا قصة فانه يرجع الى حدوث محاولة فاشلة لقلب نظام الحكم في هذه الدولة الامنة من قبل "80" ضابط من الجيش العماني قبل ايام من اطلاق الاشاعة وبذلك تمكنت الحكومة العمانية من تحويل الانظار من قضية الرئيسية والتي تتعلق بامور الدولة والحكم الى مسالة اخرى تغازل مشاعر المسلمين وتدغدغ احاسيسهم الاسلامية.
ومن خلال تلك القصتين وغيرها نستطيع ان نعرف ان الجانب الاستخباراتي يلعب دورفعالاً في قلب الحقائق وتزيفها وهذا يمكن ان يطبق على درا الحنان للاطفال شديدي العوق لان هناك ترابط واضح بين القصص الثلاثة يتعلق بشخوص الموضوع وهو الطفل الذي تحول الى وسيلة مهمة في التعبئة الجماهيرية وكسب الراي العام وتضليله .
لذلك فان الحديث عن قضية دارالحنان يجب ان ينطلق من نظرة موضوعية وحيادية ولانسمح للتعاطف ان يجرفنا نحو تحقيق اهداف الجهة الواقفة وراء ترويج هذه الحادثة
وهذا لايعني بالضرورة عدم وجود اخطاء وتقصير في ممارسة بعض المسؤولين الحكومين ولانريد ان نبرءهم من هذه القضية بل ان المسؤولية الانسانية والتاريخية تقع على عاتق المسؤولين العراقين سواء صحت مصداقة هذه القضية اولم تصح .
وفي الوقت نفسه نطلب من الحكومة العراقية تشكيل لجنة من المختصين وليس من الاحزاب للوقوف على ابعاد هذه القضية الغامضة وتداعياتها وضرورة ايجاد القائمين على هذا الدار الذي لايعرف احد اين هم الان من اجل التحقيق معهم في هذا الموضوع الحساس والخطيرة.
وعليها ان تحاسب المقصرين بشكل فوري ودون تسامح اوتهاون اما في حال اثبتت هذه القضية عدم صحتها فعليها ان تكشف هذه الحقيقة حتى يستطيع الناس ان يشخصوا الصح من الخطأ وحتى لانصبح قطيع يوجهنا الاخرون كمايشاؤون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية