الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحداث نهر البارد .. من المسؤول؟

محمود الباتع

2007 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


لأن هناك جملة من الحقوق المهدورة أو الضائعة والتي لم يتسن لأصحابها الحصول على أي منها، فإن مثل هذه الظواهر السلبية ستظل تطفو على السطح، كما يطفو الخبث على الحديد المصهور، فلأن من حق الدولة ان تكون واحدة موحدة وان تتمكن من بسط سيادتها على كامل أراضيها بدون وجود بؤر استثنائية، ولأن من حق اللاجئين أن يعودوا الى ديارهم التي هجروا منها قسراً دون أدنى رغبة منهم في ذلك ولأن من حق الانسان حتى ولو كان لاجئاً في مخيم ان يحظى بالحد الأدنى من العيش الكريم المتمثل في فرصة العمل الشريف والسكن اللائق والحد الأدنى من التعليم والرعاية الصحية بما يحفظ له كرامته الانسانية على الأقل ولأن من حق أي كان العيش في جو من الأمان وتحت ظل القانون الذي يكفل له النوم الهادئ دون ان يضطر الى حمل السلاح بنفسه للدفاع عما قد يهدد حياته، ولأن جميع هذه الحقوق غير متاحة في لبنان وفي المخيمات الفلسطينية فيه، بالاضافة الى الوجود القدري لهذا البلد في بؤرة الصراع العالمي، فقد جاءت الى الوجود منظمة «فتح الإسلام».

ظهرت منظمة فتح الإسلام للمرة الأولى إثر بيان أصدرته يوم 27 نوفمبر من العام الماضي عندما اعلنت إثر إشكال معها انشقاقها عن منظمة فتح الانتفاضة التي هي أصلاً منشقة منذ اكثر من ربع قرن عن منظمة فتح الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات في حينه، مؤكدة أنها جماعة «إسلامية» هدفها قتال اليهود ومن يساندهم من «المتصهينين» وان غايتها الشهادة في سبيل الله ولا شيء غير ذلك، وكان أول نشاط معلن لها هو تورطها في تفجير حافلتين للنقل بمنطقة «عين علق» المسيحية قرب بلدة بكفيا بقضاء المتن شمال شرق بيروت في الثالث عشر من شهر فبراير الماضي، وهو العمل الذي اسفر عن مقتل ثلاثة اشخاص وجرح اكثر من 20 آخرين، وأتى هذا التفجير في الترتيب السادس عشر من سلسلة التفجيرات الغامضة التي شهدها لبنان اعتباراً من اكتوبر من العام 2004م، وقد أثار وقوعه عشية ذكرى اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري مجموعة من التساؤلات عن الجهة الحقيقية التي تقف وراءه وعن حقيقة غرضها من تنفيذه وفي تساؤلات ظلت بمثابة الاحاجي اللبنانية التي حيرت ولاتزال جميع المهتمين بالمسألة اللبنانية واخذ كل منها يدلي بدلوه فيها من خلال منظوره الخاص ومفهومه عن حقيقة الوضع هناك.

يقدر عدد أفراد جماعة فتح الاسلام بنحو مائتين الى ثلاثمائة فرد والعدد هنا ليس مهما بقدر ما يهمنا التركيبة الفكرية المعلنة لهذه الجماعة والتي من الممكن ان نرى جليا ظلال وبصمات تنظيم القاعدة والجماعات الأخرى التي تعتنق أفكار هذا التنظيم وتقدم نفسها الى الملأ بنفس أسلوب القاعدة الذي اضحى مألوفاً للجميع، ولكن الغريب في المسألة هو ذلك الربط المشبوه بين هذه الجماعة وبين فلسطين من خلال تسميتها غير البريئة، الهدف كما من خلال تركيز وجودها في المخيمات الفلسطينية، الأمر الذي يضفي كثيراً من الغموض على الهدف الحقيقي من تفعيل نشاطها وتعمد جعله متزامناً مع أحداث العار التي تجري في غزة بين فلسطينيين يقتتلون فيما بينهم على كسرة السلطة التي أصبحت يابسة، بل ويأكلها العفن من كل وجوهها.

لقد دار الحديث منذ زمن طويل عن تصفية القضية الفلسطينية وعلى ما ييدو انه وفي ظل استراتيجية الفوضى الخلاقة التي تتبناها الدولة الأعظم في العالم اليوم تفتقت العقلية الشريرة التي ابدعت هذه الاستراتيجية عن الطريقة المثلى لضرب عصفورين بحجر واحد، أول هذين العصفورين هو تصفية تلك القضية التي سببت كل هذا الصداع للعالم منذ ستين عاماً ولاتزال مرشحة لتسبب الكثير منه في المستقبل المنظور وغير المنظور وذلك مادامت هذه العقلية الشريرة لديها من الحماقة ما يكفي لأن لا تدرك عواقب الاحساس بالظلم والغبن الشديدين لدى أبناء هذه القضية التي تلامس القداسة في ضمائر العرب والمسلمين. أما العصفور الثاني فهو فتح فصل جديد من فصول الحرب الأمريكية على الإرهاب الذي تأبى الولايات المتحدة ألا تراه إلا إسلاميا، وحيث إن محاولات خلق فتنة طائفية مذهبية في لبنان بين المسلمين والمسيحيين من جهة وبين السنة والشيعة من جهة أخرى قد باءت معظمها بالفشل حتى تاريخه وذلك على الرغم من كل هذا التخبط السياسي الموجود بين كل الأطراف، قد جاء هذا التنظيم تحت عنوان فتح الإسلام «ولاحظ التسمية» الذي كانت أولى ممارساته تفجير عين علق ليتبعه بعد ذلك بسرقة بنك في شمال لبنان ليفر بعدها منفذو هذه السرقة إلى إحدى الشقق التي طاردتهم إليها قوات الأمن اللبنانية بصفتهم من لصوص البنوك، لتنهال نيران هذه العصابة على المداهمين موقعة منهم عشرات القتلى في ما اعتبر كميناً للجيش اللبناني فر بعده الجناة إلى مخيم فلسطيني واختبأوا بين بيوته واتخذوا من أهله البائسين دروعاً بشرية يحتمون بها من نيران قوى الأمن الحكومية، ليبدو الأمر وكأنه مجموعة من الفلسطينيين المتشددين دينيا تحصن نفسها داخل مخيم للاجئين وتقوم بتنفيذ أعمال عبثية وخارجة على القانون من سرقة ونهب وتفجير سيارات تستهدف حياة المدنيين من اللبنانيين الأبرياء، وليتبع ذلك قيام اللاعب الخفي على الساحة اللبنانية بتنفيذ تفجيرين متتاليين في كل من المناطق المسيحية والمسلمة على السواء، وكل هذا من أجل أن تشتعل شرارة الفوضى في لبنان والتي كان أول ارهاصاتها مطالبة بعض اللبنانيين علناً وعلى شاشات التليفزيون باجتثاث الوجود الفلسطيني من جذوره من الأرض اللبنانية باعتباره مصدرا لكل الشرور التي تحيق بذلك البلد. إنه نفس الجحر الذي لدغ منه كل من الفلسطيني واللبناني سابقاً ومازالت ندوبه بارزة حتى الآن وها هم يستدرجون إليه ثانية وإن بمظهر مختلف هذه المرة.

الغريب في الأمر هو انسياق البعض وراء هذه الدعاية التي تتعمد ربط هذه المجموعة بالقضية الفلسطينية رغم تأكيد مختلف الفصائل الفلسطينية على براءتهم ورغم الإعلان الفلسطيني الذي صدر عن منظمة التحرير الفلسطينية والتي مازالت حتى الساعة الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني عن دعمها للشرعية اللبنانية في مواجهة الخارجين على القانون الذين ليسوا من أهل المخيم الفلسطيني وإنما هم وافدون من جنسيات مختلفة كما دلت جثث القتلى منهم، فمنهم السعوديون واللبنانيون والسوريون والجزائريون ومنهم من ألقت أجهزة الأمن القبض عليهم من الأفغان والبنغال، كذلك ولم يسجل حتى الساعة إلقاء القبض على فلسطيني واحد متورط بهذه الأحداث وإن وجد فلا يعني ذلك أن التنظيم كله فلسطيني ولا يبرر قيام الجيش اللبناني مع كل ما يمتلكه من مسوغات شرعية بكل هذا القصف العشوائي لأحياء وبيوت المخيم بدون تمييز بين سكانه وبين من اختبأ من أفراد تلك العصابة.

كما كان غريباً أن الدولة اللبنانية والممثلية الفلسطينية الرسمية في لبنان لم تورد قبل الآن أي تعليق أو استنكار لوجود هذه الفئة على الأرض اللبنانية لا قبل حادثة عين علق ولا بعدها، ولم يكلف أحد منهم نفسه عناء البحث المعمق والموضوعي عن أهداف هذا التنظيم الجديد وعن مدى ارتباطه أو عدم ارتباطه بجهات داخلية أو خارجية معينة بدلاً من سوق الاتهامات الانطباعية والمزاجية يميناً ويساراً دون تقديم دليل على صحتها. كما كان لافتاً للنظر وبينما كان هاجس الجميع وهوسهم موضوع «نزع السلاح غير الشرعي» الذي لم يكد يبقي على ألسنتهم غير هذه العبارة وهو الأمر المطلوب بشدة، رأينا كيف تسللت أسلحة هذا التنظيم إلى حيث وجدت ولم ينتبه إليها أحد لا من الجهاز الرسمي اللبناني ولا من أجهزة أمن المخيمات الفلسطينية في الوقت الذي كانت تحتفل فيه الجهات الحكومية اللبنانية بكل تباه بتوقيف وضبط كل شحنة سلاح متوجهة إلى حزب الله في الجنوب اللبناني وكأن السلاح غير الشرعي مقتصر على بنادق حزب الله دون غيره.

عفواً فليس القصد هو التصيد في الماء العكر وبالتأكيد ليس هو صب الزيت على النار التي لا يعوزها المزيد منه ولكنها محاولة لتحميل كل طرف مسؤوليته، التي دأبنا على رؤية الجميع يتبرأون منها ويغسلون أيديهم من تبعاتها ويهرب كل منهم إلى الأمام بإلقاء التهم المعلبة جزافاً على هذا وذاك، وفي النهاية سنجد أن الوطن هو الذي سيحترق، وأن القضية هي ما سيموت وأن العدو هو وحده من يستحق ان يستلقي على قفاه ضاحكاً ساخراً ومنتشياً بكل ما يجري.

ليس المطلوب من نجوم الفضائيات وأبطال المؤتمرات الصحفية ان يستعرضوا علينا عضلاتهم اللسانية وعبقرياتهم في التنظير الماورائي في تفسير الأحداث، ولكن قليلاً من العمق والتحلي بالمسؤولية التي يضطلعون بها ومن أجلها يجلسون على مقاعدهم الوثيرة ويحلون على الناس ضيوفاً ثقالاً على الشاشات، لا فرق بينهم في ذلك بين فلسطيني ولبناني أو مسلم ومسيحي أو كائناً ما كان غير ذلك، فكلكم أيها السادة في الهم سواء وجميعكم في السيل غثاء.

ولكم مودتي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحركة الطلابية العالمية تتضامن مع فلسطين … الأبعاد و التداع


.. كيف تتطور أعين العناكب؟ | المستقبل الآن




.. تحدي الثقة بين محمود ماهر وجلال عمارة ?? | Trust Me


.. اليوم العالمي لحرية الصحافة: الصحافيون في غزة على خط النار




.. التقرير السنوي لحرية الصحافة: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريق