الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعاصير دمشق قصة الانقلابات السورية بقلم شاهد عيان 1

سلطان الرفاعي

2007 / 7 / 1
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


لقد سرح شكري القوتلي نصف الجيش ، واقدم على التصنيف المجحف لأسباب سياسية بعيدة كل البعد عن مصلحة الجيش ومصلحة البلاد ، وذلك قبل نشوب حرب فلسطين ، فأخذ الاستياء يزداد وينتشر في صفوف الجيش . ولما نشبت الحرب ومُنيت قواتنا بهزيمة سمخ غدا الاستياء نقمة عارمة وغضبا يتأجج .
لما استلم حسني الزعيم القيادة انصرف فورا الى درس شكاوى الضباط ، وتلبية مطالبهم . اخذ يتصل بهم ، كبارا وصغارا ، ويستمع الى آرائهم بكل انتباه ، فأخذت الحال تتحسن بصورة مطردة ، سواء أكان من ناحية الاسلحة ام من ناحية الاغذية .
وانتهت حرب فلسطين بالهدنة المعلومة ، وفي نفس كل أفراد الجيش خيبة مرة ، ونقمة على الأوضاع بصورة عامة وعلى رجال السياسة الذين كان استهتارهم سبب النكبة . كان في نفس كل واحد منا حسرة واقتناع باننا ، على ضعف امكانياتنا وقلة عددنا كنا نستطيع أن ننقذ فلسطين لولا-----
و(لولا) هذه تجسدت في شكري القوتلي لما هو ، ولما يرمز اليه .
وقد مهدت النقمة واختلاط حسني الزعيم بالضباط للانقلاب الأول الذي أطاح بشكري القوتلي . واكتسب حسني الزعيم شعبية كبيرة في اوساط الجيش حين جعل التغذية جيدة ، وحقق مع المتعهدين المتلاعبين وسجن المقدم حسن غنام ووفر بعض اسباب الترفيه لقطعات الجيش في الجبهة .
لما وثق حسني الزعيم من قوته ومكانته في الجيش ، قرر، بالاتفاق مع رفقائه ، القيام بالانقلاب ، وكان اعوانه كثيرين ، اهمهم المقدم اديب الشيشكلي ، وهو جندي ممتاز ، وافر الذكاء ، والرئيس ابراهيم الحسيني ، والمقدم محمود بنيان --
وكان الجو مهيئا ، فنظم حسني الزعيم جمهرة من المدرعات والمشاة وسلم قيادتها للمقدم اديب الشيشكلي وجعل مركزها في قطنا ، ثم شرع يتخذ التدابير الانقلابية بكل حزم وكل دقة ، وفي صباح 29 أذار 1949 احتل دمشق عسكريا واعتقل رئيس الجمهورية شكري القوتلي ورجال حكومته ، وفسما من ضباط الجيش الذين كانوا يدينون بالولاء للحزب الوطني ورجال الحكومة .
كان هذا الانقلاب الاول من نوعه في تاريخ سوريا الحديث ، وقد قابله الجيش والشعب ، في بادئ الأمر بالسرور والابتهاج والارتياح لأنه قضى على ما اشتهر به عهد القوتلي من الميوعة والاستهتار والمحسوبية وتسخير المصالح العامة للأغراض الشخصية .
ولكن بعد مرور أسابيع قليلة أخذت تظهر حقيقة حسني الزعيم ---لقد سكر الرجل بالنصر الذي أحرزه ، وبالشعبية الكبيرة التي نالها قأماط اللثام عن طموحه الى الديكتاتورة المطلقة ، واسفر عن غروره الاهوج الذي لا يقف عند حد ، فاذا بتصرفاته الشاذة تستفز الجيش اولا ، ثم تثير الاستياء والخيبة في اوساط الشعب وفي صفوف الاحزاب .
في الجيش اقدم على تسريح عدد كبير من الضباط والجنود ، وهم ما يزالون في الجبهة ، وقد مضى عليهم سنة وستة اشهر تقريبا وهم في خطوط النار . صدر الامر بتسريحهم فجأة وبصورة اعتباطية ، دون تعويض ، وفوق ذلك انتزعت منهم البستهم العسكرية وارسلوا الى قراهم حفاة عراة لا يملكون شروى نقير ، ولا يجدون عملا يرد عنهم غائلة العوز والفقر والجوع ---
ورأت دمشق مشهدا لم تقع العيون على مثله في التاريخ---
رأت رجلا يتجسد العزم في قسمات وجهه وتلمع البسالة في عينيه ، وقد راح يتجول في الشوارع والأزقة والاسواق متسولا يستجدي الاكف ، يمشي حافيا ، حاسرا ، ويرتدي كيس جنفيص تلمع عليه اوسمة البطولة والنضال في معارك فلسطين---وكلما بسط يده للمارة يقول : ((حسنة لهذا الرقيب في الجيش السوري ، صدقة لهذا المقاتل الذي سرحوه من الجبهة دون انذار ، ودون سبب، ودون تعويض --
ان أعمال حسني الزعيم الشاذة ، وسياسته الخرقاء ، هي التي جعلتنا نفكر بضرورة العمل للقيام بانقلاب جديد . فحسني الزعيم هو الذي حكم -بشذوذه وغرابة أطواره - على عهده بالانهيار ، وعلى نفسه بالموت .
بدأت الاتصالات تجري ، بصورة مباشرة ، بين الضباط الناقمين ،فاتجهت الأنظار الى اللواء المتمركز على الجبهة الفلسطينية ، بقيادة الزعيم سامي الحناوي .
كان هذا اللواء يتألف من ثلاثة أفواج مشاة عدد كل فوج 1700 مقاتل وسرية القيادة المؤلفة من 200 مقاتل وفوج المدرعات الأول وفيه حوالي 70 قطعة الية مدرعة .
وفي ليلة من اوائل ايلول 1949 ، جاء الحناوي سرا من الجبهة ، تحت ستر الظلام ، فوصل في الساعة الثالثة عشر ليلا الى مكان الاجتماع السري الحاسم ، الى مرتفع حرش عين زيوان الواقع على مسافة خمسة كيلومترات غربي القنيطرة ، حيث كان يعسكر فوج المدرعات الأول .
في ذلك المكان وفي خيمة عسكرية منفردة اجتمع ثلاثة : الزعيم سامي الحناوي ، والمقدم امين ابو عساف آمر فوج المدرعات الاول ، والملازم الاول فضل الله ابو منصور ، كاتب هذه المذكرات ، واخذنا نبحث الحالة الراهنة ، والخطر الذي يهدد البلاد ، وتفاصيل حركة الانقاذ التي لا بد منها .
واتفقنا على بذل كل الجهود للقيام بالانقلاب والقضاء على عهد حسني الزعيم ، وقررنا، في حال الفشل ان ننسحب الى جبل الدروز ، لانشاء خط دفاع هناك ، يمكننا من مواصلة النضال .
ولما تم الاتفاق على كل شيئ ، أقسمنا بشرفنا وبالله العظيم على القيام بالعمل الخطير الذي انتدبنا له انفسنا ، تلبية منا لنداء الوطن المحفوف بالاخطار .
كُلف الحناوي بالاتصالات الشعبية . وبقي على ابو عساف وعليَ الاتصال بضباط الجيش .
وفي تلك الأثناء أحس حسني الزعيم بأن هناك حركة خفية تستهدف عهده ، فاطلق جواسيسه يبحثون ، وبث العيون والارصاد قي كل مكان ، وأحاط نفسه بتدابير وقائية من كل نوع ، فغدت كل حركة مشبوهة تشكل خطرا على صاحبها ، وكل كلمة مبهمة تجعل قائلها في موضع الشبهة .
هكذا أصبح شعار المعركة ((الضربة الرابحة لمن سبق ) واصبح كسب الوقت وسرعة التنفيذ شرطين جوهريين من شروط النجاح .
وقد باشر حسني الزعيم تصفية الذين يرتاب بهم ويخشى نقمتهم ، فاخذ يُسرح بعض الجنود والضباط ، بعد ان كان قد سرح العقيد اديب الشيشكلي ، وكان ينوي الاستعانة بضباط اجانب من الاتراك وغيرهم ، لاقامة حراسة قوية تحميه من كل اعتداء . الا أن الضباط السوريين سبقوه الى العمل فتمكنوا من القضاء عليه.
13 آب 1949 ، كان فوج المدرعات الاول متمركزاً في معسكرات قطنا الواقعة على مسافة 30 كم من دمشق غربا ، وفي الساعة الحادية عشرة ليلا ، عقد اجتماع حضره كل من :
الزعيم سامي الحناوي ، العقيد علم الدين قواص ، امقدم آمين ابو عساف ، الملازم الأول فصل الله ابو منصور آمر المدرعات ، الرئيس محمد دياب ، الرئيس عصام مريود ، الرئيس محمود رفاعي ، الرئيس فريد سيف درويش ، الملازم مصطفى دواليبي ، الملازم حسن حدة ، الرئيس محمد معروف ، الملازم يعقوب مبيض ، الملازم الأول مصطفى المالكي ، الملازم الأول انطون خوري ، الملازم الاول حسين الحكيم ، الملازم غالب شقفة ، الملازم عبد الغني دهمان ، الملازم نور الدين كنج ، الملازم بكري الزبري .
قي ذلك الاجتماع التاريخي تقرر الانقلاب فورا ، اي في ليل 13-14 آب ، وكان قد تم الاتفاق مع ضباط حامية دمشق الذين اخذوا يراقبون ما يجري وهم على اتم الاستعداد لمجابهة الطوارئ ، ومن هؤلاء الضباط : الرئيس زياد الاتاسي ، الرئيس توفيق الشوفي ---
كتبنا المهمات على اوراق صغيرة ، وتركنا للضباط حرية اختيار العمل الذي يريدون القيام به . ولما طُرحت مهمة احتلال قصر الرئاسة واعتقال حسني الزعيم ، ساد صمت ثقيل وعلا الاصفرار بعض الوجوه ، فمددت يدي الى الورقة واخذتها قائلا : ((هذه مهمتي --والله لو اخذها غيري لما رضيت ))
فارتفعت الأيدي تحييني : (( يحيا ابو منصور !--)) وشرب الحاضرون نخبي ، كؤوسا مترعة من الوسكي .
وفي الساعة الثالثة عشرة ليلا ، اي بعد مرور ثلاث ساعات على بدء الاجتماع وزعت المهمات خطياً على الضباط فأُعلن سامي الحناوي قائدا للانقلاب ، والعقيد علم الدين معاون قائد الانقلاب ، والمقدم امين ابو عساف قائد الجمهرة ، أما أنا -وكنت ملازما أولا- فقد أُسندت الي المهمة الرئيسية التي اخذتها وهي دخول الشام واعتقال رئيس الجمهورية حسني الزعيم ، فانطلقت للقيام بهذه المهمة على رأس ست مصفحات وستين جنديا تنقلهم سيارات .
وانطلق في الوقت نفسه ، كل من الرئيس عصام مريود ، والملازم الاول حسين الحكيم ، والملازم عبد الغني دهان على رأس ثلاث مصفحات وثلاثين جنديا لاعتقال محسن البرازي ، رئيس الوزارة .
وسار الرئيس محمد دياب والملازم نزر الين كنج مع ثلاث مصفحات وثلاثين جنديا لاحتلال مركز شرطة دمشق .
ومشى الرئيس محمود رفاعي والملازم بكري الزبري مع ثلاث مصفحات وثلاثين جنديا لاحتلال البنك والمحافظة عليه .
ومشى الملازم حسين حدة مع ثلاث مصفحات وثلاثين جنديا لاحتلال قلعة الدرك.
اما القوة الباقية ، وهي مؤلفة من ست مصفحات وفوج مشاة وكل من الزعيم سامي الحناوي ، والعقيد علم اليدين ، والمقدم امين ابو عساف ، والرئيس خالد جادة ، والملازم الاول يعقوب مبيض ، والملازم انطون خوري ، فقد كانت مهمتهم احتلال مركز الاركان العامة والتمركز فيه .
واسندت الى الرئيس مخمد معروف مهمة اعتقال بعض الضباط المعروفين بولائهم لحسني الزعيم وبعض الشخصيات السياسية المشبوهة .
وقد كان نظام الزحف على الوجه التالي :
اولا - الزعيم سامي الحناوي مع اركانه وقائد الجمهرة امين ابو عساف .
ثانيا -الملازم الاول فصل الله ابو منصور مع فرقته في المقدمة .
ثالثا -الرئيسعصام مريود وفرقته .
رابعا-الرئيسمحمود رفاعي مع فرقته .
خامسا - الرئيس فريد سيد درويش مع فرقته .
سادسا- الملازم حسين حده مع فرقته .
سابعا - الملازم يعقوب مبيض في المؤخرة مع القوة الاحتياطية .
يتبع

من كتاب اعاصير دمشق
فضل الله ابو منصور








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قارورة مياه تصيب رأس #دجوكوفيتش بعد تأهّله


.. الداخلية العراقية تؤكد عزمها ملاحقة عصابات الجريمة المنظمة ف




.. مخاوف من تلف المواد الغذائية العالقة أمام معبر رفح بسبب استم


.. واشنطن تنتقد طريقة استخدام إسرائيل لأسلحة أميركية في غزة




.. قصف وإطلاق نار مستمر في حي الزيتون جنوب مدينة غزة