الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعا صديقي توني...ومرحبا بك في الشرق الأوسط

محمد الفخاري

2007 / 7 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


غادر توني بلير رئاسة الوزراء بعد تقديم استقالته للملكة إليزابت الثانية وكله أمل أن يذكره الشعب البريطاني مثلما يذكر أسلافه الذين تعاقبوا على السلطة في المملكة المتحدة بدءا من ونستون تشرشل وانتهاءا بمارغريت تاتشر. بلير الذي تميز مشواره السياسي المعقد بالتحالف مع الولايات المتنحدة الأمريكية في ما تسميه بالحرب على الإرهاب كان وفيا لصديقه جورج ولكر بوش لدرجة تعذر فيها الفصل بين الصديقين في الكل القرارات التي كان بلير ينال من خلالها رضى الريس الأمريكي ولو على حساب سمعته وثقة الشعب البريطاني به. هذه العلاقة الرومانسية التي تبلورت على صعيد القرارات الصعبة التي اتخدها بلير بغض النظر عن كونها قرارات متسرعة وعارية من الحكمة, طغى عليها جانب التحيز والمغازلة والطاعة العمياء للولايات المتحدة الأمريكية حيث جعلت بلير يتورط في صراعات كانت بريطانيا في غنى عنها ولعل أبرزها المشاركة في الحرب الأمريكية على أفغانستان والعراق بموجب قرار أحادي الجانب تحت غطاء محاربة الإرهاب ونزع أسلحة الدمار الشامل التي لم يعثر عليها قط.

إن مثل هذه القرارات التي لم يعارضها جزء كبير من الشعب البريطاني فحسب بل عارضها العالم كله أدت إلى زج القوات البريطانية في حرب لا طائل منها وكبدتها والقوات الأمريكية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد سواءا في أفغانستان أو العراق وجلبت لبريطانيا على وجه الخصوص متاعب كثيرة تجلت في تهديد أمنها الداخلي بفعل الانفحارات التي استهدفت قطارات الأنفاق في العاصمة لندن إلى جانب تراجع نسبة المؤيدين للسياسة البريطانية في الشرق الأوسط. وبذلك أصبح العديد من الشعوب الإسلامية يناصب العداء لبريطانيا ويبرر كل ما تعرضت له من أعمال تخريبية بسبب موالاتها لأمريكا ومساهمتها في تكريس مصالحها الاستراتيجية المتمثلة في بسط سيطرتها على العالم سيطرة تامة نابعة من السياسة الامبريالية المتبعة من طرف الولايات المتحدة تحت ذريعة نشر الديموقراطية والحرية لفائدة الشعوب التي ترزح تحت نير الدكتاتورية.

هكذا وعلى مدى عقد من الزمن ترك بلير "داون ستريت" مخلفا وراءه إرثا سياسيا لا يحسد عليه, إرثا فظيعا سوف يرميه لا محالة في مزبلة التاريخ. فما يزال حتى الآن محور انتقادات لاذعة من لدن عدة أحزاب في بريطانيا بما فيها حزب العمل الذي تزعمه طول مدة تواجده على رأس الحكومة. وأمام عجزه عن الأخد بزمام الأمور في ظل الانتقادات المتزايدة, يسلم بلير السلطة لوزيره السابق في المالية غوردن براون متمنبا له حظا موفقا في تصحيح أخطائه وإصلاح ما تعذر عنه القيام به عساه يمسح بعض الغبار على صورته أمام الرأي العام البريطاني ويجنبه كوارث محتملة قد تعصف به وبمستقبله إذا تعرض للمساءلة. لقد أصبح بلير في وضعية حرجة مثل الذي يتمسك بحطام السفينة بعد العاصفة وبات مصيره مرهونا بقدرة براون على حل معظم القضايا العالقة التي يتحمل مسؤولية التورط فيها ولن يسلم من تداعياتها حتى بعد مغادرته السلطة إذ من المحتمل أن تطرح على مجلس العموم ملفات ساخنة تنصب في صلب سياسة الوزير المستقيل والله أعلم بما قد تسفر عنه النتائج.

من جهة أخرى, وعقب التصريح الذي ألقاه مؤخرا الرئيس الأمريكي حيث أشاد بصديقه الوفي توني بلير واصفا إياه بالمخاطب الماهر والسياسي المحنك, من الواضح أن هذا الأخير يحضى بدعم أمريكي غير مسبوق لا سيما انه عين مبعوثا رسميا على رأس اللجنة الرباعية المكلفة بالشرق الأوسط وهو الخيار الذي يرى فيه الرئيس بوش امتدادا للتعاون المشترك بينهما في بناء مشروعهما الطموح الذي يجسد الرغبة الأمريكية الجامحة في تقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات ضمن ما يسى بمشروع"الشرق الأوسط الكبير".

هذا وبالرغم من تحفظ روسيا على قرار تعيين بلير لهذه المهمة, فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستمد المبعوث الجديد بكل ما يحتاج إليه من آليات لبلورة مشروعها في الشرق الأوسط حيث تنتظر منه تسخير كل مهاراته السياسية والخطابية لتبرير تدخلها في المنطقة وسعيها الحثيث إلى تقزيم دور الحركات الإسلامية في فلسطين ولبنان إن لم نقل القضاء عليها تماشيا مع مخطط محكم أعدته الإدارة الأمريكية بمباركة إسرائيل هدفه اجتثاث كل منابع المقاومة في العالم العربي وفرض المزيد من التنازلات على الحكومة الفلسطينية. يأتي إذن هذا التعيين غداة انعقاد مؤتمر شرم الشيخ برعاية مصرية وأردنية وهو ما اعتبر بمثابة الضوء الأخضر لإسرائيل كي تهاجم حركة حماس - وهو ما بادرت إليه بالفعل عقب اجتياحها لغزة- ودفع هذه الأخيرة إلى الانصياع لحكومة الطوارئ وإلى قرارات الرئيس أبو مازن الذي يرفض الحوار معها.

إن مهمة بلير الجديدة وإن اختلفت كثيرا عن مهمته كرئيس وزراء كان يتمتع بنفوذ وسلطات أوسع, تبدو بنفس التعقيد غير أنه كمبعوث للشرق الأوسط سيواصل الاستراتيجية ذاتها المعتمدة أنفا في المنطقة. لكن هل سينجح في ثني الحكومة الفلسطينية عن مواقفها تجاه إسرائيل؟ هل سييستطيع حتى لو حالفه الحظ في مهمته أن يخفف من حدة الانتقادات الموجهة إليه داخليا وخارجيا؟ هل سيغير نظرة المسلمين إليه والصفة الملازمة له والتي نعت بها من طرف صحيفة "دي السان" ككلب لبوش أم سيؤكد صحتهما؟ على كل حال, لا يمكن الجزم بإمكانية نجاح بلير في الشرق الأوسط بعد فشله كرئيس وزراء وإذا كانت الملكة غاضبة منه فأن الرئيس الأمريكي راض عنه بكل المقاييس والدليل على ذلك تعيينه له مبعوثا للجنة الرباعية, هذا التعيين الذي عمد إليه الرئيس بوش ليس لسواد عيني بلير بل فقط لكونه الراعي الأول لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط وتلك هي روح السياسة التي لا تعترف لا من قريب ولا من بعيد يالأخلاق أو الصداقة لأن المصلحة هي سيدة الموقف.

مما لا شك فيه أن بلير سعيد بهذه المهمة فلا يعقل أن يجرد كليا من أي عمل سياسي لأنه تعود على السلطة ولعب أدوار طلائعية في السياسة الخارجية الأمريكية. لهذا سيتفانى في أداء مهمته الجديدة وقد يكون مهندسا لاتفاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل سيتم اللجوء إليها لاحقا إذا اقتضت الضرورة لاحتواء الوضع السائد في ظل تنافر الفرقاء الفلسطينيين وكل ذلك يعتمد بالأساس على قدرته في إقناع الجانب الفلسطيني بمزيد من الليونة في موقفه مقابل وعود إضافية بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل تعترف بها وتعيش معها في سلام تام. بعبارة أخرى, سيحاول بلير إحياء "خارطة الطريق" مرة أخرى ودفع الطرف الفلسطيني إلى تبنيها وتطبيقها تماما كما صيغت من طرف الولايات المتحدة الأمريكية لصالح إسرائيل وهي فرصة ليثبت جدارته بالمهمة التي فشل المبعوث السابق في القيام بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو