الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوري يتلصص على الحرية

علي ديوب

2007 / 7 / 1
الصحافة والاعلام


هنادي حيدر، لم أكن أسمع باسمها، من قبل. وربما شكل الاسم ومكان العمل (التلفزيون السوري) لدى البعض، حالة مماهاة مسبقة مع النظام الحاكم. رغم أن هذا الأخير أساء للفئة التي يتحدر منها، مرتين: مرة من خلال استهدافه بالعداء كل مكونات الشعب، ومرة ثانية من خلال استعداء فئات الشعب ضد بعضها بعضاً؛ إضافة لاستعدائها مجتمعة ضد الفئة المذكورة، لمجرد أن لهجتها تذكر بالزنازين وفظاعات المخابرات وجنرالات الموت.
نقرأ للزميل ماهر منصور أن هنادي في الأيام الأخيرة فقدت حماستها للعمل... وبمعنى أدق سلبت هذه الحماسة. كان ثمة شخص ما يريد إعادة هيكلة معدي برنامج صباح الخير فأعاد ترتيب قائمته وفق معاييره الخاصة: المصالح الشخصية، الولاء، تصفية الحسابات مع البعض، أو تصفيته مع البعض على حساب البعض..وبنتيجة هذه المعايير، كان استبعاد هنادي الحيدر عن فريق إعداد "صباح الخير" طبيعياً. ولأن هنادي كانت نكهة صباح الخير، كان من الطبيعي أيضاً أن يشكل استبعادها مفارقة تطوير البرنامج وتنشيط دورته الدموية البرامجية، ولاسيما أن الجميع يعرف أن ما من فقرة مميزة في هذا البرنامج إلا وكانت وراءها هنادي، وأن أكثر أيام "صباح الخير" مهنية ومتعة كانت تلك الأيام التي تعدها هنادي، وأن ما تفتقت به ذهنية كثير من معدي ومعدات التلفزيون، كان جزءاً منه نقلاً أواغتصاباً من أفكار هنادي.. في مكان آخر، كان من الممكن لهنادي حيدر أن تكون نجمة بحق، ولكنها اختارت الإخلاص والعمل في مكان تُطفأ فيه حتى الشمس، وحين سُرقت حماستها، وخرجت الصبية لتبحث عنها لم يتح لها الموت الفرصة لاستعادة حماستها وتحقيق أحلامها في مكان آخر.
انتهى كلام الزميل، فمن كانت الراحلة هنادي؟ لا تتعبوا أنفسكم بالبحث عن إجابة على هذا السؤال، عبر مواقع الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في سوريا، أو في موقع وزارة الإعلام، فلن تظفروا بغير الأغنيات التي تمجد وتتغنى بالقائد، وبأخبار إنجازاته ومكرماته وعطاءاته واستقبالاته وتوديعاته. فإن فكرتم باللجوء إلى موقع اتحاد الصحافيين (الذي لم أجده لحسن حظي) عليكم أن تقرأوا ما جاء في بيان لجان الدفاع عن الحريات الديموقراطية وحقوق الإنسان في سوريا، بتاريخ 3/5/2007، الذي يصف اتحاد الصحافيين بأنه مؤسسة رقابية صارمة يصدر العقوبات بحق الصحافيين عبر أوامر إدارية . حيث صدر قانون اتحاد الصحافيين برقم 1 لعام 1990 وقد نصّ في المادة 3 منه أن اتحاد الصحافيين هواتحاد مؤمن بأهداف الأمة في الوحدة والحرية والاشتراكية وملتزم بالعمل على تحقيقها وفق مقررات حزب البعث العربي الاشتراكي وتوجيهاته.. وهذا ما جعل جهوده تثمر، ووجوده يمثل غطاء لقانون المطبوعات، أو "قانون السلطة للصحافة" رقم 50 لعام 2001، والذي حمل عقوبات اشد من عقوبات القانون الصادر في عام 1949، وأعطى صلاحيات واسعة لرئيس مجلس الوزراء ووزير الإعلام في رفض وقبول التراخيص للصحف الجديدة، ودون تبيان الأسباب، ووصلت بعض العقوبات بالسجن إلى ثلاث سنوات، وتم رفع الغرامات إلى مليون ل.س. وإن المادة "1 ـ 52" والتي تفسح المجال أمام مقاضاة الصحفيين والكتاب والمفكرين وسجنهم، إذا ما قاموا بنشر أوكتابة شيئاً تعتبره الدولة أوأجهزتها محرضاً ومضراً بأمن الدولة. وان المادة "51أ" والتي تجرم بنقل الأخبار الكاذبة أوالملفقة أوالمزورة.. الخ.
وفوق احتكار المؤسسة العامة لتوزيع المطبوعات الحكومية، منذ إنشائها في عام 1975 بموجب المرسوم التشريعي رقم "14"، تقوم "الجمعية السورية للمعلوماتية" و"المؤسسة العامة للاتصالات" في سوريا بالتحكم بشبكة الإنترنت في سورية، وتضم قائمتها السوداء عشرات الآلاف من المواقع الإلكترونية الإخبارية والإنسانية وسواها، وخصوصاً تلك التي تكون سوريا في دائرة اهتمامها.. وفي تشرين الأول 2006 تم حجب خدمة المدونات المجانية التي يمنحها موقع غوغل العالمي BlogSpot.
ـ كل الشهادات تصف هنادي بأنها معدة برامج متميزة، وصاحبة خصال شخصية نادرة، أعطت لبرنامج تلفزيوني صباحي، بل وللصباحات معه، طعماً خاصاً. ولعل هذا ما يوجب التساؤل عن معنى الإبقاء عليها في عملها، وعدم إزالتها من طريق نهر ثورة الفساد، التي قضت مؤخراً (تأخرت!) بفصل زوجة أنور البني من عملها، دون ذكر الأسباب، ودون حق العامل­ة في الرجوع إلى القضاء (بموجب المادة القاتلة رقم 85 من قانون العاملين الأساسي في الدولة). أما سبب فصل زوجة أنور من عملها، كما يعرف الجميع (من غير كلام) فيتحدد فقط في كونها زوجة ذلك الآبق: لم تتنكر لجحوده عطاءات السلطة الحانية، فحسب؛ بل سولت لها نفسها أن تدافع عنه، وهو هو ذلك المتلبس بإضعاف الشعور القومي للمواطن الثائر السائر خلف نهج القيادة الحكيمة.
كيفما وأنى ترد كلمة صباح تذكرني ببرنامج الإذاعة السورية الأنجح "مرحبا يا صباح"، والذي ظل يقدمه كل من المذيع الراحل منير الأحمد والمذيعة النادرة نجاة الجم، على مدى سنين وسنين، وجبة صباحية صحية للأذواق والعقول، مفتتحا ومختتما بموسيقى أغنية فيروز لاقطفلك بس هالمرة. والآن: يقضي مبدأ التقية ألا يتذكر أحد (خاصة من زملاء المهنة) اسم منير الأحمد، حتى سابع جد، فما بالك بأن يبوح بسر حبه له!
حين رحل جوزيف سماحة، لم أجدني منساقاً لرثائه ـ حتى بيني وبين نفسي ـ بل كنت أغبطه على مماته الخصيب، كما حياته، الغنية المغنية. حتى أني كنت أغبط أصدقاءه وزملاءه وتلامذته، الذين عرفوني ـ كأنما لأول مرة ـ عليه، وعلى معنى أن يكون الإعلام والإعلاميون، الثقافة والمثقفون.. مدارس! كما عرفوني أكثر على ما كنت أعرفه أقل ـ مع أني فيه ـ في ما يخص الأوضاع الرديئة للصحافة والثقافة والإعلام والفن والتربية.. الخ في بلدي سوريا. والتي هي هي جميعها التي تستحق الرثاء.
أستغرب من أين تنبع هذه القدرة على التحدي، في أناس بلدي، وواقع الحال يقدم مثالا نادرا عن تعقيم الطاقات، ومصادرة الإمكانيات، وإعاقة النشاطات. تقوم سياسة المؤسسات الطامحة للتقدم، أينما وجدت، على تنمية قدرات الكوادر العاملة فيها، وهذا على عكس ما تقوم به مؤسسات بلدي. ولا بد لمن ينجو بعقله وذوقه وخياله بسلامة، من أن يكون مثالاً نادراً معاكساً لما هي عليه المؤسسات تلك من القبح والبشاعة، والفظاعة أيضاً.
تقول الشاعرة هالة محمد في إجابة افتراضية على احتمال افتراضي­ كما حملت مقدمة المحرر، في جريدة الثورة، كجواز سفر للنشر ـ فشهادة الصحافة على عصرها يجب ألا تتعدى الافتراضات، تقول هالة: وأنا كمعظم المواطنين السوريين بت أعرف المسموح والممنوع.. فأخاف. ـ وهالة هي من هي ـ كما أسرتها ـ في قوة التمسك بحقوق المواطنة؛ فماذا عن المجتمع المزلزلة فرائصه خوفا؟ ففي دولة الخوف، بحسب غسان تويني، أوالدولة الأمنية، بحسب طيب تيزيني، يعبر أصدق تعبير كلام الكاتب والصحافي المعروف حكم البابا: "لا يغلب على الصحافي السوري شعور أقوى من الخوف، إذا أراد أن يكون شاهد عصره ومؤرخ لحظته، وسيكون خوفه مضاعفاً لوقرر الكتابة في شؤون مهنته". كما أوضح أسباب افتقار الصحافة السورية لأساتذة ـ كما هو الحال لدى صحافة زميلة على بعد أميال؛ يراد لها أن تبتعد عنا سنين ضوئية. أو حتى أن يبتلعها ثقب أسود فيستحيل عليها حتى حق الوجود.
ففي الوسط الإعلامي لوحده، حتى الرسمي منه، يوجد في سوريا أفراد في غاية الذكاء والحرفية والنبوغ.. ولكن الحجر المضروب على الحرية وعلى الجدة والتجدد، يحرمهم من التعبير عن معنى وجودهم الحقيقي، بأن يواكبوا العصر، ويشاركوا بفاعلية في مجرياته. فيتحرروا من صورتهم الممسوخة والمشوهة والمشينة، كمجموعة من الببغاوات، وحملة شعارات جاهزة، وناسخي قرارات القيادة الحكيمة... ممن يحولون الصحافة من سلطة رقابة على السلطات، إلى تنويعات على أغاني التمجيد بحكمة القيادة، ومحفوظات يومية، "عن ظهر حزب"، يسممون بها الأفئدة، دون عناء. ومن غير أن يبذلوا أدنى جهد ـ حتى بالحد الذي يقتضيه فعل التسميم!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق.. رقصة تحيل أربعة عسكريين إلى التحقيق • فرانس 24


.. -افعل ما يحلو لك أيام الجمعة-.. لماذا حولت هذه الشركة أسبوع




.. طفلة صمّاء تتمكن من السمع بعد علاج جيني يجرّب لأول مرة


.. القسام: استهداف ناقلة جند ومبنى تحصن فيه جنود عند مسجد الدعو




.. حزب الله: مقاتلونا استهدفوا آليات إسرائيلية لدى وصولها لموقع