الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسرائيل: مجتمع مهاجرين متفكك

برهوم جرايسي

2007 / 7 / 3
القضية الفلسطينية


بعد مرور 59 عاما على قيامها، لا تزال تحاول إسرائيل جاهدة لإظهار مجتمعها على أنه مجتمع واحد متماسك، وترصد موارد جمّة، وميزانيات ضخمة، من أجل صهر مئات آلاف المهاجرين الذين تدفقوا عليها، خاصة في السنوات الـ 17 الأخيرة، في داخل المجتمع، ولكن الصورة الماثلة أمامنا هي أن المجتمع الإسرائيلي لا يزال مجتمع مجموعات مهاجرين متفكك، وغير منسجم في غالبية المجالات.
وبين الحين والآخر تظهر الدراسات والأبحاث التي تعزز هذا الاستنتاج، لتتبعها سلسلة من الإجراءات والأنظمة الفوقية، من المؤسسة الرسمية، في محاولة لتغيير هذا الواقع، الذي من المفترض أن يكون مقلقا لإسرائيل والحركة الصهيونية العامة، التي ترفع على رأس أولويات أجندتها العامل الديمغرافي، وجعل إسرائيل التجمع الأكبر والاستقراري، لأبناء الديانة اليهودية في العالم.
وقبل أيام قليلة ظهرت في إسرائيل معطيات بحث علمي، بين الشبان المهاجرين الروس، في المرحلة المدرسية الثانوية (التوجيهي)، يظهر فيه أن 45% من هؤلاء لا يرون مستقبلا لهم في إسرائيل، بمعنى أنهم في مرحلة ما سيبحثون عن مستقبل لهم خارج إسرائيل.
وقد امتد عمل هذا البحث على مدى عدة أشهر، وأجري كاستطلاع بطريقة المقابلة الشخصية، وحسب ما نشر فإن معطياته واستنتاجاته الأساسية ستعرض بعد فترة ضمن يوم دراسي خاص.
وفي هذا البحث هناك عدة معطيات تؤكد عدم قدرة هذه المجموعة على الانخراط في المجتمع الإسرائيلي، لا بل أنهم يؤمنون بأن ثقافة وطنهم الأصلي هي أرقى من ثقافة وعادات المجتمع في إسرائيل.
فعلى سبيل المثال، فإن 35% من الذين شملهم الاستطلاع لا يعتبرون أنفسهم إسرائيليين، وقال 30% إنهم لا يشعرون بأي حاجة لتعلم شيء من عادات إسرائيل، والثقافة والتصرفات السائدة في المجتمع الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن 65% من الذين شمهلم الاستطلاع يوافقون على تسميتهم إسرائيليين، إلا أن 88% منهم يفضلون وصفهم بـ "إسرائيلي- روسي"، أو "قادمون من الاتحاد السوفييتي"، أو "قادمون من روسيا"، مع استبدال اسم الجمهورية التي هاجروا منها.
وهذه معطيات جديرة بالتوقف عندها، فنحن لا نتحدث هنا عن مجرد استطلاع هاتفي عفوي، بل بحث علمي، ومعطياته ليست بعيدة عن الواقع الملموس في إسرائيل، التي استقدمت منذ العام 1990 قرابة 1,1 مليون شخص من دول الاتحاد السوفييتي السابق، ويضاف اليهم قرابة 300 ألف مهاجر من دول أخرى، أبرزها اثيوبيا التي وصل منها قرابة 110 آلاف مهاجر في السنوات الماضية.
وعلى الرغم من مرور سنوات طويلة على هجرتهم، إلا أنهم لا يزالون يعتبرون أنفسهم مهاجرين، ولهم أطرهم الخاصة في المجتمع المدني، وحتى في الخارطة السياسية في إسرائيل، حيث لهم أحزاب تتقلب بوتيرة عالية مع كل موسم انتخابي برلماني، وهم يعيشون في مجموعات شبه معزولة عن باقي الشرائح في إسرائيل، فهم يعيشون في مجموعات وأحياء مشتركة في عدة مدن كبرى بالأساس، ويحافظون على لغتهم، إلى درجة أن اللغة العبرية شبه معدومة في بيوتهم، كيف لا وأن هذه الظاهرة موجودة بقوة حتى في بيوت الذين هاجروا منذ عشرات السنوات، لتصبح اللغة العبرية هي لغة شارع ومؤسسات، وحتى هنا فإن للغة الروسية حضور قوي جدا أيضا في الحياة العامة.
ولم تنجح كل برامج المؤسسة الرسمية لدمج مجموعات المهاجرين في المجتمع الإسرائيلي وفرض شعور الانتماء المصطنع لوطنهم الجديد، فإذا كان هذا الحال بالنسبة للمهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق، فإنه أكثر حدة بالنسبة للمهاجرين من أثيوبيا، الذين يقدر عددهم بحوالي 130 ألف مهاجر (بعد الولادات)، فهؤلاء لم يختاروا الانعزال عن المجتمع الإسرائيلي، بل إن المجتمع نفسه هو الذي ينفر منهم وينبذهم من منظرو استعلائي، والغالبية الساحقة من الإسرائيليين ترفض الاختلاط بهم، أو السكن بجوارهم، أو أن يتعلم أبناؤهم في نفس المدرسة أو الصف الدراسي الذي يتعلم فيه أبناء الأثيوبيين.
وظاهرة عدم الشعور بالانتماء لدى المهاجرين باتت مقلقة للمؤسسة الرسمية، والصهيونية بشكل عام،، فالقسم الأكبر من هؤلاء هاجر إلى إسرائيل بدوافع اقتصادية، وباغراءات مالية ضخمة سمعوا عنها في أوطانهم من خلال دعاية صهيونية مكثفة، وبعد وصولهم إلى "ارض السمن والعسل"، كما يسميها اليهود، اصطدموا بواقع مرير، وغالبيتهم اضطرت للتخلي عن مهنها، وخاصة الأكاديمية، بسبب سوق العمل الضيق، واتساع ظاهرة البطالة، وظهرت الكثير من التقارير على مر السنين، عن أطباء وكبار المختصين في مجالات الطب والهندسة وغيرها من العلوم، اضطروا للعمل بأعمال أخرى، وصلت إلى حد قطاع الخدمات مثل النظافة وخدمة البيوت وما شابه.
وشعر هؤلاء أنهم أسرى تعهدات مالية اضطروا للتوقيع عليها حال وصولهم من أجل شراء بيوتهم وأثاثهم، وما إلى ذلك، والقليل منهم نجح في الإفلات من هذا وعاد مسرعا إلى وطنه، وقالت آخر دراسة أن 5% من المهاجرين الروس عادوا إلى وطنهم مهاجرين كليا من إسرائيل، في حين ان ما بين 20% إلى 25% يتواجدون باستمرار في وطنهم الأصلي، ولكنهم لم يتخلوا بعد عن الهوية الإسرائيلية.
مما لا شك فيه ان هذه الظاهرة ستزيد من القلق والهاجس الإسرائيلي الصهيوني في قضية العامل الديمغرافي، فالهجرة إلى إسرائيل تراجعت منذ العام 2001 مستوى 15% من المعدل الذي كان في سنوات التسعين من القرن الماضي، حين كان المعدل السنوي حوالي 120 ألفا مهاجر، أما اليوم فإن المعدل السنوي هو قرابة 21 ألف مهاجر، ولكن مقابل هؤلاء هناك ما بين 7 إلى 8 آلاف شخص يغادرون إسرائيل مهاجرين، ليصبح المعدل "الصافي" للمهاجرين سنويا، قرابة 14 ألفا، وحتى أقل من ذلك.
وكما ذكر، فإن حالة التفكك في داخل المجتمع الإسرائيلي لا تنحصر على موجات الهجرة الأخيرة، فمن ينظر إلى داخل هذا المجتمع، يتأكد من حقيقة انه مجرد تجمع لمجموعات مهاجرين، وكل مجموعة لا تزال تحافظ على تقاليد موطنها الأصلي، وحتى أولئك الذين هاجروا إلى إسرائيل منذ أكثر من خمسين عاما بما في ذلك الأجيال التي ولدت من بعدهم، وهذا بدءا من البيت ومطبخه، وحتى في الطقوس الدينية، والاحتفالات الشعبية والاجتماعية، وحتى التزاوج بين هذه المجتمعات، يعتبر "زاوجا مختلطا"، وفي كثير من الحالات يعتبر "اختلاطا إشكاليا" لمحيط الزوجين.
والاختلاف بين هذه المجموعات يصل إلى حد التعامل العنصري، فمثلا عانى اليهود الشرقيون على مر السنوات من تمييز العنصري وضعت أسسه المؤسسة الرسمية والحكومات المتعاقبة، التي سيطرة عليها اليهود الأوروبيون (الاشكناز)، وإن بدى وكأن هذه الظاهرة تراجعت مقارنة بما كان سائدا حتى قبل سنوات، إلا أن آثار هذا التمييز والشعور بالظلم لا يزال قائما، وبين الحين الآخر يظهر بقوة تحت تسمية "العفريت الطائفي".
وآخر هذه الأمثلة، هو قناعة الكثير من اليهود الشرقيين بأن تهمة الاعتداء الجنسي الموجهة للرئيس الإسرائيلي المستقيل، موشيه كتساب، كانت مجرد مؤامرة وتلفيق من أجل التخلص منه لأنه شرقي، وهو من أصل ايراني، وكتساب نفسه ألمح إلى هذا في مؤتمر صحفي عقده قبل خمسة أشهر، قال فيه إن وسائل الإعلام في إسرائيل لم يرق لها فوزه بمنصب الرئيس في العام 2000، بعد أن هزم شمعون بيرس (الاشكنازي).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس