الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يتحول الغناء العربي إلى ظاهرة استعراضية

صالح اهضير

2007 / 7 / 4
الادب والفن


من اللافت للنظر في الوقت الراهن، أن الغناء العربي في مجمله أصبح ظاهرة استعراضية بشكل ملموس...
ونحن هنا، لا نعني بالاستعراض ما كان يقدم في الماضي القريب ولا يزال يقدم اليوم من حين لآخر من عروض غنائية على المسارح أو عبر شاشة السينما والقنوات الفضائية ، مثل الفوازير والأوبيريتات الغنائية ، وغير ذلك من الإنتاجات الموسيقية التي ألّفت وتؤلف للغرض ذاته ..
وإنما نعني ما يطال الأغنية العربية أو يطبعها عامة من مظاهر ديكورية وأكسوسوارية ، وتلاعب بالأضواء الباهرة / / Jeux De Lumière ورقص وإيماءات محركة للغرائز، و"مطربون" و "مطربات" من الدرجة العاشرة يرفلون في أزياء "قوس قزحية"ومثيرة ، تصاحبهم في الغالب مجموعات صوتية لفتيان وفتيات تتعالى أصواتها ويتردد صداها مع جلجلة وصخب المجموعة الإيقاعية ، وغير ذلك مما يتنافى وطبيعة الغناء كصوت يعتمد على ملكة السمع بالدرجة الأولى،وطبيعة الغناء العربي الرفيع الذي يتسم بالهدوء في الأداء مع التعبير عن الإعجاب بالتصفيقات أو إشارات استحسان من جانب المتلقي بلا هرج أوتهريج ..
ولفهم بعض من إشكالات الظاهرة وإيضاح لتجلياتها، يجدر بنا تبيان وجرد لأهم دوافعها وأسبابها ، وعلى ضوئها يمكن استخلاص الحلول الممكنة :
أولا – انتشار القنوات الفضائية الغنائية المستقطبة لفئات عريضة من جمهور الشباب العربي أدّى إلى هيمنة هذا المظهر الاستعراضي المبتذل للأغنية العربية وتحويلها إلى منتوج أو سلعة ذات واجهة براقة تخفي في باطنها كلمات ونصوص غنائية مائعة ورديئة ..وبعبارة أكثر وضوحا ، فقد تم استغلال الغناء العربي كوسيلة لإبراز المفاتن والنتوءات الجسدية، وبخاصة من جانب المغنيات ،مع ما يصاحب ذلك من رقص عشوائي مرتجل وفوضوي ،لا صلة له إطلاقا بفن الرقص وأصوله ، وغير ذلك من الوسائل الإغرائية التي تؤدي إلى طمس الأسماع وردعها عن التقاط النغم الهجين والكلمة المائعة الركيكة !!
ثانيا – إن ما يصلح لغيرنا قد لا يصلح بالضرورة لنا.. فالتقليد الأعمى ، ومن غير روية أو تمحيص أو اقتباس لما هو ملائم وضروري ، للأشكال الغنائية الغربية ، قد أدّى بشكل ملحوظ إلى تعديلات جذرية مست هيكل الغناء العربي بحيث كادت أن تؤدّي إلى طمس لطابع الأصالة فيه ، ومن ثمة إظهاره بمظهر مثير للهلوسة بحيث لا يمت بصلة للمتعارف عليه في تقاليد نمطنا الغنائي ..
ثالثا – الجمهور ذاته لم يعد ذلك الجمهور الذي حافظ على دوره في أدبيات عملية التلقي؛ لقد كاد أن يتحول إلى محور للعملية الموسيقية خلال فترة الأداء ، كمصاحبته للمغني والمجموعة المرددة طيلة الوصلة،أو أن يعمد إلى الرقص أو الصياح،وفي بعض الحالات يصاب بحالة هذيان أوإغماء .. وهي كلها سلوكات غربية محضة ..
على أن المسؤولية الكبرى بالطبع تقع على عاتق المؤلف الموسيقي وكاتب الكلمات بالدرجة الثانية مادام كل منهما مزودا رئيسيا لما يتلقفه الجمهور ..ومع ذلك فإن لهذا الأخير،وبلا أدنى شك، نصيبا من المسؤولية باعتباره من العناصر الأساسية للعمل الموسيقي.. فلا معنى لوجود الملحن والشاعر والعازف في غياب المتلقي الذي يعي ما يقدم إليه و يمتلك بالتالي قدرة وحاسة دقيقة لتقييم هذا العمل أوذاك أو قبوله ورفضه !!
ونحن لا ندعو الجمهور إلى رد فعل يطبعه الوجوم في تجاوبه مع المغني ، وإنما ندعوه إلى الاتزان والرزانة وحسن الإصغاء خلال فترة العرض بعيدا عن الردود الفعلية الكرنفالية ...
رابعا – اعتماد المؤلفين الموسيقيين العرب في البناء اللحني لإبداعاتهم على قوالب غنائية جاهزة ذات إيقاعات بسيطة وسريعة راقصة في الأغلب الأعم حتى ولو كانت طبيعة اللحن تستدعي إيقاعات ثقيلة ومركبة..فلا يعقل ، والحالة هذه ، أداء أغنية على مقام"الصبا" بإيقاع راقص!! علما بأن هذا المقام كما هو معروف يحتوي على نبرات جد حزينة وبخاصة في الرباعي الصوتي الأول من تركيبات المقام ...
ولقد لاحظنا في السنوات الأخيرة من القرن الماضي وبداية القرن الحالي إلى اليوم نزوع بعض المهتمين بالتوزيع الموسيقي إلى إعادة توزيع الأغنية العربية وكذا المعزوفات الموسيقية لكبار المطربين الرواد على إيقاعات سريعة ، مثل إيقاع "الوحدة السائرة"،ربما بذريعة تكييفها مع الواقع الجديد لتكون مسايرة للتطور ..غير أن ذلك حولها مع الأسف إلى وصلات راقصة وحاد بها عن بنيتها الأصلية بشكل مفرط ..
وأغلب الظن أن هذا المنحى في الرجوع إلى القديم، وإعادة تشكيله وفق ما هو جديد، ليس إلا دليلا صارخا على الشعور بالتذمر واليأس إزاء الفراغ الذي تعيشه الساحة الفنية في الوطن العربي، بل ليس إلا حنينا لاستعادة أمجاد الغناء العربي الواعد...
ومع ذلك، فيبدو من الصعب أن نحشر في هذا الوضع المزري ثلة من أقطاب الغناء العربي،من أمثال: صباح فخري وفيروز ووديع الصافي وكاظم الساهر، وغيرهم قليل.. إنهم بحق الأعمدة التي لا تزال تشدّ بنيان إبداعاتنا الغنائية، وهم قبل هذا وذاك بمثابة نبراس ينبعث منه بصيص من أمل في متاهات ليل دامس..
ولا ينبغي أن يفهم من كل ما سبق أننا ندعو إلى نبذ الجديد وإحلال القديم محله! وإنما ندعو إلى ألا يتحول هذا الجديد إلى بضاعة مغلفة بشتى أنواع الورق القشيب.. تبهرالأعين وتأخذ بالأبصار.. يروج لها اليوم ليحل بها الكساد غدا .. وتلك لعمري هي الطامة الكبرى !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صراحة مطلقة في أجوبة أحمد الخفاجي عن المغنيات والممثلات العر


.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24




.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع


.. عوام في بحر الكلام - د. أحمد رامي حفيد الشاعر أحمد راي يتحدث




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت يوضح محطة أم كلثوم وأح