الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مو وردْ .. طلع دغل...إ.

عبد الجبار السعودي

2007 / 7 / 5
كتابات ساخرة


بنبرة إنفعال بعض الشيء، تكاد تتمزق من خلالها خلايا جهاز الهاتف الحسية، عاتبني (أبو ضامن) على تلك البصيلات التي أوصيته بشراءها قبل سنوات قلائل من أحدى محلات بيع الزهور، لكي ينبتها داخل مساحة الحديقة الصغيرة في بيته المتواضع والذي أستأجره على قدر ما يحصل عليه من مساعدة مالية شهرية تعينه على العيش هو وعائلته الصغيرة. ولم يمهلني حينها كثيراً حتى أعرف منه سرّ كل هذا الغضب من أجل تلك البصيلات اللاتي لا يتعدى سعرهن الثلاث دولارات ! بل وطالبني ( بالأخوّة و الملح و الزاد ) الذي بيننا أن آتي اليه حالاً، لكي أرى حال هذه الحديقة التي لم تثمر زهوراً لحد الآن، رغم مرور كذا عام .. ! وكانت آخر كلماته لي : عَبـرة الجســر عليـــّه !
ولأن عبور الجســــر المعلّق يستغرق أكثر من ساعة عبر التنقل بأكثر من باص، فقد أستعنت بدراجتي الهوائية للوصول الى مدينته التي يفصلنا عنها نهر كبير، يكاد يوازي شط العرب في عرض أمتاره، ورغم المشقة التي يدفع ثمنها العابرين لمثل هذه الجسور الضخمة من راكبي الدراجات الهوائية، وهم في غالبيهم من الطلبة والعمال والموظفين الذين يجدون في ذلك هواية ورياضة ذات منافع صحية و روحية متعددة، فها أنا قد وجدت نفسي بعد أكثر من نصف ساعة من العناد مع الريح الشديدة، في بيت (أبو ضامن) أجلس الى جانبه في الهول وهو يقدم لي كوباً من الشاي (المعطّر برائحة الهيل) والذي صنعه بيده، بعد أن غابت (أم ضامن) عن البيت لسفرها الى أهلها بمدينة العمــــارة، حيث يعيشون هناك !
ولم يكاد كوب الشاي أن يفرغ ،حتى طلب مني أن أرافقه الى حيث حديقة البيت التي لا تتجاوز مساحتها الأربعة أمتار مربعة،حيث سرّني ما شاهدته من حسن التنظيم ومهارة اليد الفلاحية التي عُرف بها (أبو ضامن) ومعرفته الدقيقة بتفاصيل الأمور الزراعية منذ أن كان شاباً يافعاً في بساتين (الحلفايـة) حيث عاش مع أهله وأقاربه لسنوات طوال، قبل أن يهجر الأرض والزرع بحثاً عن مورد آخر في المدينة! وما لفت أنتباهي، هو المساحات الصغيرة في أطراف حديقته هذه التي زرعها بمحاصيل (الرشاد) و(الكراث)و (الفجــل) وأخرى بشتلات من الفلفل الأخضر الحار! وقرب الباب المؤدية الى الحديقة، كان هناك قفص صغير معلــّق يعيش فيه أثنان من (طيور الحب) بريشهما الأصفر الجميل، حيث يستثمر هدوء الأجواء و دفئها لكي يخرجهما قليلاً الى حيث ما يعتبره بستانـاً صغيراً لديه !! هذه الأجواء التي خلقها لنفسه، لم تمنعه من البحث عن أشياء أخرى جديدة يجرب زراعتها في الأرض الرملية التي لا تشبه أرض بساتين الوطن بشيء ما، فجاء ببعض من بصيلات الورود لكي يزين حديقته لاحقاً بها والتي كافح من أجلها وأنتظر طلوعها منذ أكثر من عامين دون أن يفلح بذلك !
شوف يابــَـه .. هاي الوردات اللي منتظرهن من سنين وليومك هذا .. وهذا الباكيت اللي جانن البصلات بداخله .. شوف إشلون ورد حلو بالصـورة ! وعلى وصيتك ..، رحت للمحل وأشتريتهن، وجمالــــه سألت أبو المحل عن طريقة زراعتهن بهاي الكَــاع !
السنـة اللي فاتت أيضاً خضـّرن وأنتظرت .. وكلما يعلــَـن إشويه .. أكَـــول .. ياربي فـَرَجك علينه . وهاي أنت اللي تشوف كَــــدام عينك .. بس وركَـ أخضر .. و طـول !
طالعتُ (الباكيت) الذي أشتراه صاحبي جيداً وقرأت عن محتواه، فلم أجد ما يشير الى أن الورد المُنتظر ليس ورداً، بل وتؤكد الشروحات الوافية الى أن البصيلات ستزهرُ بعد مرورثلاثة أشهر تقريباً من غرسها في الأرض!
وسألت (أبو ضامن) عن طريقة زراعة البصيلات ، فضحك وأجابني بعصبية واضحة .. أنت جاي تريد تعلـّمني ؟ لـو هاي أنتـرنت جان كَـلت ما أعرف ؟! مو آنه مثل ما يكَــول ذاك المطرب .. أنـه فلا ّح وأبويـه فلا ّح .. جدّي وجـدْ جدّي فلا ّح ! قابـل هيــّه فد عِلـِمْ ؟
ترددتُ كثيراً في أن أشرح الى (أبوضامن) من أن هذه البصيلات قد خضعن الى أجواء معينة من درجة الحرارة والرطوبة قبل أنضاجهن وطرحهن للبيع، وربما يحتجن الى نفس الظروف الجوية لكي يزهرن ويعطين ورداً جميلاً، كالذي موجود على (الباكيت) الذي أشتراه. وبدلاً من ذلك طلبت منه أن ينتظر حتى نهاية هذا الموسم ويرى النتيجة ! لكنه بادرنـي قائلاً :
هسـّه لو دغـل، جان كَلـت هذا دغـل وطالع لوحده من الكَـاع .. وما أنتظر لحظة وحده، إلا وأشلعـه من جذوره ، بس ليش كل هذا الطــول وهاي الأوراق الخضرة .. وماكــو ورد ؟ ولكي أمزح مع صاحبي بادرته قائلاً : إعتبره خـَضـار بالبيت، وحط الباكيت اللي بيه صورة الورد بصفـّه ، بلكي يشتم الخضــار ريحــه و يستحي .. و يطلـّع ورد ؟!
ضحك (أبو ضامن) كثيراً على هذه ( القسـمة ) التي أسماها وعلى هذا الحــظ الأغبر ! وحينها هبّت قليل من الريح وباغتتنا رشقات من المطر الخفيف، مما أضطرنــا لترك الحديقة والعودة سريعا الى داخل البيت دون أن ننسى (عصافير الحب) كما يسميها صاحبي ! وفي تلك الأثناء كانت نشرة الأخبار تنقل موجزاً متسارعاً عن أحداث دراماتيكية لم نفهم عن فحوى ما تضمنه حديث المذيع من كلمات .. وجاء تعليق صاحبي على ذلك ..
واللــه الناس ملـّت .. ومو بس ملـّت .. الناس تريد حـل لهاي المصايب .. وما تكَــدر تنتظر .. وجم دوب الأنتظار ! لا ، والنوب .. ( وهنا نقل المذيع خبراً عن أمر القبض على وزير بالحكومــة .. وقد ولـّى الوزير هارباً الى جهة غير معلومـة) !! و رغم أن الخبر لم يكن مفاجئاً الى (أبو ضامن) ، لكن طريقة إلقاء المذيع ونبرة صوته، هي التي جعلتنا نصغي بأنتباه واضح اليه، وما تلا ذلك من تعليقات أنصبّت على المحنة الكبيرة التي أبتلى بها الشعب وهو يدفع شلالات من الدم، دون أن يكون (للكبـار) من فطنة أو حكمة في عقولهم و ينتبهوا الى الحال الذي وصلت اليه الأمور وحال الشعب اللي صار ( شــذر مــذر ) كما قال صاحبي !!
صمتنا للحظات.. وهـامَ وبـانَ الكدر على أرواحنا و وجوهنا، حتى بادر (أبو ضامن) معلـّقاً وساخراً ..
هاي مثل سالفة ورداتنـه، طلعن.. دغــلْ ! اللي على الباكيت شكل .. واللي بالواقع غير شكـل!
وأنبرى يغني بصوته الريفي العذب بيتاً من أبيات شعر الأبو ذيـّه ..

الكَبـاحــه دوم من أشفاك تنبـــاع
إبفلس ما ظن بسوكَـ الهرج تنبـــاع
من حَجيَك غشيم الراي تـن بــــاع
وطلع كلـّه دَغش و سمـوم حيـّــه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا