الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خمس صدمات ثقافية من برلين

باتر محمد علي وردم

2007 / 7 / 7
العولمة وتطورات العالم المعاصر


تتيح زيارة المدن الأوروبية الكبيرة فرصة للزائرين من العالم الثالث ومن العالم العربي بالذات لمحاولة فهم الأسباب التي تجعل هذه الدول متقدمة حضاريا في الوقت الذي لا نزال فيه متأخرين نلاحق الجوانب الاستهلاكية من الحضارة ونبتعد عن الدوافع الحقيقية لدعم التقدم. وجهة النظر الرئيسية تقول بأن أوروبا تتقدم حضاريا بسبب التكنولوجيا والعلوم والديمقراطية ودولة الرفاه الاجتماعي والنمو الاقتصادي بعكس العالم العربي والإسلامي الذي يعاني من الكثير من القيود إضافة إلى "المؤامرة الصهيونية-الأميركية" المتواصلة والتي تعيق التقدم في دولنا، ولكن الواقع وبكل أسف يؤكد أن الفارق ليس في التكنولوجيا ولا الاقتصاد بقدر ما هو الفارق الشاسع في القيم الاجتماعية والتي تكون دائما في صالح أوروبا، وهذه خمسة أمثلة على صدمات ثقافية شاهدتها في برلين تتعلق مباشرة بمستوى الحضارة والسلوكيات الاجتماعية.
الصدمة الأولى للزائر أن الشوارع في برلين نظيفة تماما من النفايات، ويعتبر من قبيل الخيال أن نشاهد شخصا يرمي النفايات من سيارته أو وهو سائر في الطريق. لا توجد شرطة بيئية ولا كاميرات مراقبة في برلين ولكن الالتزام الشخصي من المواطن الألماني والزائر ايضا يجعل شوارع برلين مثل المرايا اللامعة وكل النفايات يتم إلقاءها في مجموعات من ثلاث حاويات مخصصة لفرز الورق والكرتون والبلاستيك والمواد العضوية والصلبة، وهذا السلوك لا علاقة له بالتكنولوجيا بقدر ما هي قيمة اجتماعية وسلوكية لا تكلف شيئا.
المدخنون في ألمانيا منبوذون تماما، وسياسة منع التدخين في الأماكن العامة يتم تطبيقها بمنتهى الحرص، ولا مجال في هذا السياق لما يسمى "الحرية الشخصية" والتي هي اسمى قيمة في أوروبا لأن قيمة "صحة الآخرين" تكون أهم منها. أما في مجتمعنا الذي لا يحترم "الحرية الشخصية" لأي إنسان يتم دائما اللجوء إلى الحرية الشخصية للمدخن حتى يستمر في مضايقة الآخرين، ولا توجد أدوات رقابية تلزم الناس بعدم التدخين.
بالرغم من ألمانيا هي السباقة في التكنولوجيا الحديثة ولديها واحدة من أكبر شركات الاتصال في العالم وهي شركة سيمنز ولكن لا يمكن أن ترى شخصا ألمانيا يجلس على مقعد ويضع هاتفه النقال على الطاولة للتفاخر، كما لا يمكن لأي شخص ألماني أن يثرثر بالهاتف الخلوي طوال اليوم لأن الوقت له قيمة عالية في الإنتاجية ولا يضيع في الكلام الفارغ. الهواتف الخلوية لا تظهر ولا ترن في ألمانيا إلا للعمل ولا يمكن أن تسمع رنين الهاتف أثناء اجتماع أو مؤتمر لأن كل الهواتف تكون مغلقة أو صامتة احتراما للآخرين.
الوقت في ألمانيا له قيمة هائلة، والموعد في الساعة التاسعة والربع لا يعني التاسعة والنصف ولا العاشرة إلا ربعا، ويظهر الألمان الضيق الشديد في حال التأخر بالمواعيد وأحيانا يتم إلغاء موعد تأخر لمدة عشر دقائق، وهذا من أهم قيم احترام الإنتاجية واحترام وقت الآخرين .
قيادة السيارات في ألمانيا متعة بسبب الإنضباط والالتزام التام بقوانين السير. بالرغم من وجود أكثر من مليون سيارة في برلين فإن السير منظم ومبرمج بكل دقة وهناك احترام تام لحق المشاة في المرور، فعندما تكون إشارة المرور خضراء يمكن للمشاة أن يسيروا وهم مغمضي العيون بسبب التزام كل السيارات، ولكن السير بناء على الإشارة الخضراء للمشاة في الأردن يبقى دائما عملا انتحاريا بدون الإنتباه إلى السيارات القادمة من كل الاتجاهات والتي تريد تجاوز كل قوانين السير.
ما ذكرناه من أمثلة على الحضارة والقيم الاجتماعية لا تكلف فلسا واحدا وليست مرتبطة بالثراء والفقر بل بوجود منظومات من القيم الاجتماعية المنضبطة التي نتمنى أن تنتشر في العالم العربي والإسلامي وهي خطوة رئيسية نحو الحضارة قد تكون أهم من الديمقراطية والاقتصاد والتكنولوجيا وبالتأكيد ليست لها علاقة بالمؤامرة الصهيونية-الأميركية على المستقبل العربي!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع