الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعتذار إلى البنك الدولي،وشكر لوزير الاقتصاد والتجارة... وبشرى لشعب سورية!!..

قاسيون

2007 / 7 / 11
مواضيع وابحاث سياسية



هكذا إذاً... لقد فعلها وزير الاقتصاد والتجارة السوري، وأعلنها سافرة لا لبس فيها ولا مجال للتأويل. أعني بها السياسة الاقتصادية الليبرالية (الاقتصاد الحر) التي طالما حاول بعض أفراد الفريق الاقتصادي في الحكومة أن يؤجل الإعلان عنها أو يتحاشى الحديث (علناً) حولها.
لقد كان وزير الاقتصاد والتجارة الدكتور عامر لطفي صريحاً عندما تولى الوزارة، إذ أعلن مراراً أن سياسته هي اقتصاد السوق. لكنه اضطر بعد قرار القيادة السياسية بالتوجه نحو (اقتصاد السوق الاجتماعي) أن يستخدم هذا التعبير في الوقت الذي يعلن صراحة أن (تحرير التجارة الخارجية هو قاطرة النمو) مستفيداً من التباس المصطلح وحداثته بالنسبة لسورية من جهة، وضعف الثقافة الاقتصادية من جهة ثانية.
والمعروف أن تحرير التجارة هو أحد الأركان الرئيسية لليبرالية الاقتصادية الجديدة، التي تمثل جوهر سياسة البنك الدولي (وهو أحد أطراف إجماع أو توافق واشنطن).
وبينما حاولت الإدارات الاقتصادية المتعاقبة، منذ منتصف الثمانينات، نفي أية علاقة لسياستها الاقتصادية بالبرنامج المعلن عنه للبنك الدولي وصندوق البنك الدولي (وإجماع واشنطن) الذي جمع هاتين المؤسستين الدوليتين مع حكومة الولايات المتحدة، نقول بينما حاولت هذه الإدارات نفي أية علاقة بين سياساتها (الانفتاحية)، وبرنامج الإصلاح والتكييف الهيكلي لإجماع واشنطن، فإن وزير الاقتصاد يقوم الآن بدور (المعرف) لهذا البرنامج وللبنك الدولي بالتحديد، فلأول مرة بتاريخ سورية، تعقد في دمشق ورشة عمل رسمية، يتم فيها الإعلان بأن علاقة (الحكومة) مع البنك الدولي تأخذ «خطاً تصاعدياً وإيجابياً» ويقوم وزير الاقتصاد والتجارة بالتعاون مع بعض أركان البنك من خلال هذه الورشة بتعريف الجمهور السوري بأفكار البنك الدولي وسياساته في محاولة «لتوضيح أهمية تطوير العلاقات مع البنك الدولي» شارحاً وموضحاً، خاصة (لأولئك الذين لا يعلمون تماماً الآلية المؤسساتية التي تعمل وفقها هذه المؤسسة) موضحاً لهؤلاء (الجهلة) الذين ترسخت لديهم مفاهيم قديمة (خشبية) عن لا إنسانية سياسة البنك الدولي، وعما يقدمه من (مساعدات وقروض مشروطة بسياسات معينة قد لا تصب في المصلحة الوطنية).
يا لجهلنا، ويا حسرتنا على الأيام والسنين التي انقضت دون أن نتعرف على ما يعرفه السيد وزير الاقتصاد عن هذه المؤسسة الدولية، كم ظلمناها، وكم كنا (أغبياء) حين اعتقدنا أنها تعمل لغير مصلحتنا الوطنية، فأضعنا الفرص العديدة في الأعوام السابقة دون أن نستطيع استيعاب تلك الغايات النبيلة التي يعمل من أجلها البنك الدولي، ومعه صندوق النقد الدولي، وفوقهما حكومة الولايات المتحدة ممثلة بالمدير العام الذي (الذي توافقت الدول الكبرى أن يكون أمريكياً) ولطالما وعدت الولايات المتحدة شعوب العالم بالازدهار والنمو الاقتصادي في مقابل شرط (بسيط)، هو أن تفتح أسواقها وترفع (وتطبق) شعار حرية التجارة، وتفتح عقلها وفكرها على القيم الأميركية، وتدع طرقاتها وسمائءها (مسرحاً) لأضواء إعلانات الكوكاكولا والماكدونالد، وغيرها من عناوين الحياة الأمريكية، فتعيش حياة التقدم والرفاه الموعود.
أخيراً.... كشف السيد وزير الاقتصاد والتجارة عن حقيقة السياسة الاقتصادية الليبرالية الجديدة، التي يتبناها بعض أعضاء الفريق الاقتصادي في حكومتنا العتيدة.
لم يعد هناك أي محذور من هذا الإعلان، واختفى التستر وراء الكلمات الغامضة أو المثيرة للالتباس مثل (اقتصاد السوق الاجتماعي)، إنها الحقيقة التي على الشعب أن يستوعبها أو يتعايش معها، حقيقة أننا نسير بهدي نصائح وتوجهات البنك الدولي وإجماع واشنطن، فهي (السبيل) إلى التقدم والالتحاق بالاقتصاد العالمي المعولم، وتلقي الثناء والرضا من عمالقة ومؤسسات العولمة.
أما أفكارنا السابقة عن البنك الدولي وتوصياته، فهي من نسج خيال (الموتورين) وأصحاب الآراء الخشبية. فهؤلاء من كانوا يروجون للأفكار الخبيثة ضد البنك الدولي وسياساته التي لا تستهدف إلا سعادة البشرية، فأوهمونا بأن أسباب الخراب والجوع والاضطرابات الاجتماعية والاختلالات الاقتصادية في العالم، هي الرضوخ لسياسات ووصفات (إجماع واشنطن)، وأن إخفاقات التنمية تعود لسياسات الليبرالية الاقتصادية الجديدة.
كيف صدقنا ذلك؟ كيف صدقنا عبد الناصر عندما قال: إن البنك الدولي رفض تمويل إقامة السد العالي إلا إذا (رضخ) لمطالب وشروط الولايات المتحدة؟ كيف صدقنا أن برامج الإصلاح والتكييف الهيكلي هي من سبب المجاعات والأمراض في أفريقيا؟ كيف صدقنا أن توصيات البنك الدولي هي التي أدت إلى التأزم وعدم الاستقرار في العالم؟ كيف صدقنا أن الاضطرابات الاجتماعية في أميركا اللاتينية وجنوب وشرق آسيا كان سببها (الروشتة) التي كانت تفرض من البنك والصندوق الدوليين؟ لماذا هذا التجني على هاتين المؤسستين الدوليتين المحترمتين؟ ومن قال إنهما تعملان بوحي الولايات المتحدة وتخضعان لسياساتها وتروجان لأفكارها؟
منذ عامين تولى «وولفوفيتز» رئاسة البنك الدولي، وأعلن أنه سيعمل على إزالة المفاهيم الخاطئة حول البنك الدولي، وأنه سيسعى إلى تصحيح الأفكار المنتشرة حوله. وورشة العمل التي شهدتها دمشق مؤخراً تأتي في هذا السياق. وحتى وإن كان (وولفوفيتز) قد غادر البنك بسبب الفساد (وهو أحد مهندسي الحرب على العراق)، وهو كان سيقول لنا (وهكذا سيقول خلفه الأميركي) إن احتلال العراق وتدميره وتفتيته هو إحدى ثمار (العولمة) بعد عسكرتها على يد الجيش الأميركي المسالم، والهدف السامي لذلك هو إقامة (نموذج ديمقراطي) مشابه للديمقراطية الإسرائيلية، قابل للتعميم على جميع دول المنطقة.
وبعد أن وقفنا على حقيقة الأهداف (السامية) للبنك الدولي، وما يقدمه من (مساعدات) ومعونات قيمة من خلال الورشة التي أقامها وزير الاقتصاد، وبعد أن توضحت لنا تلك الأهداف، ليس لنا سوى أن نتقدم (بالاعتذار) من البنك الدولي عن أفكارنا (الخاطئة) حوله، وحول أهدافه وسياساته وارتباطاته بسياسات وأفكار الولايات المتحدة ومشاريعها في السيطرة على العالم.
وبهذه المناسبة، ليس لنا إلا أن نتقدم من السيد وزير الاقتصاد والتجارة الدكتور عامر لطفي بالشكر الجزيل على تعريفنا بتلك الحقائق عن البنك الدولي، وعلى سعيه الحثيث بالترويج لهذه المؤسسة الدولية الهامة التي تعمل لخير البشرية وسعادة البشر.
وإذا كان من غير المعقول، أن يخطر ببالنا أن يقوم وزير الاقتصاد بهذا المجهود ويتحمل عبء التعريف بالبنك الدولي والترويج لسياساته لوحده، وأنه لا بد أن يكون قد (استأذن) مرجعه الرسمي في ذلك، إلا أننا نحصر الشكر به، لأنه الوحيد الذي يعرف حقيقة البنك الدولي وسياساته باعتباره الأكاديمي الاقتصادي المحترف، الذي (اكتشف) الخصال والمناقب التي يتحلى بها البنك، ووقف على أهمية المساعدات التي يقدمها لشعوب العالم التي لم تقف بعد على الحقيقة.
والشكر أيضاً إلى وزير الاقتصاد لأنه يسارع الآن إلى (الحج) والناس راجعة، ليجد لكوادر البنك عملاً جديداً يليق بها وبتاريخ البنك، بعد أن أصبحت تشكو من قلة العمل، بعد أن أحجمت معظم بلدان العالم عن طلب (معونة) البنك واتهمته (زوراً وبهتاناً) بأنه ضد الشعوب. فها هي روسيا تتوقف عن الاستفادة من مواهب البنك ومؤهلاته، كما فعلت قبلها دولاً عديدة في أميركا اللاتينية وجنوب وشرق آسيا، وهاهي الولايات المتحدة نفسها تتمسك بالإنفاق على الشأن الاجتماعي وتتمسك بالسياسات الحمائية، وها هي فنزويلا تنسحب من البنك الدولي ومن الصندوق فتشجع غيرها من البلدان (الملسوعة) من سياسات هاتين المؤسستين الدوليتين (الوديعتين).
لكن المدير الإقليمي للبنك الدولي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا السيد جوزيف سابا الذي حضر ورشة العمل إلى جانب السيد الوزير، أصبح مشغولاً جداً، بعد أن انهالت عليه أسئلة المسؤولين السوريين طالبة مشورته ونصائحه (كما جاء في المقال الذي نشرته النيوزويك في 15-5-2007) حيث نقل عنه كاتب المقال (ستيفين غلين) قوله: «إن عدداً من المسؤولين الكبار التواقين لتحديث الاقتصاد وإصلاحه يتزايد (في سورية). إنهم يسعون للحصول على (أفضل) نصائح دولية يستطيعون تحصيلها، بما في ذلك مشورة البنك الدولي وتطبيقها على الوضع السوري».
وهذا ما يفسر (عقد الورشة) الذي نحن بصدده، وما يؤكد حقيقة توجهات السياسة الاقتصادية للفريق الاقتصادي الحكومي، الذي أصبح يستمتع بالثناء والمديح الذي يأتيه من مسؤولي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي (والغواني يغرهن الثناء) فنراه يختال «بفخر ليبرالي» منتشياً بهذا الثناء والمديح، كما يقول كاتب مقال النيوز ويك المشار إليه.
وإذا كنا نقدم هذا (الاعتذار) للبنك بعد أن وقفنا على (حقيقته)، وإذا كنا نتقدم (بالشكر) إلى السيد وزير الاقتصاد والذي يعود إليه فضل كشف هذه الحقيقة، فإننا (نغبط) شعبنا على ما سيلقاه من سعادة ورفاه بعد أن تستكمل السياسات الاقتصادية الليبرالية المطبقة حتى الآن، التي لم يبق منها سوى بندين أساسين لنصل إلى (حكومة الحد الأدنى) المطلوبة من إجماع واشنطن وصولاً إلى الدولة الهشة الضعيفة (وهذا ما تريده الولايات المتحدة)، وهذان البندان نقصد بهما (إزالة الدعم «خاصة عن المشتقات النفطية» والخصخصة).
ونبشر شعب سورية، بأن الفريق الاقتصادي جاد بهذا الشأن، ومشروع زيادة أسعار المازوت والبنزين أصبح جاهزاً، ما لم توقفه القيادة السياسية، كما فعلت مراراً قبل الآن.
أما الخصخصة فلها حديث آخر....
* د. منيـر الحمش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا