الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في وصف التعذيب وما وراءه

نائل الطوخي

2007 / 7 / 8
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


أساطير كثيرة حول التعذيب تدحضها الباحثة بسمة عبد العزيز في كتابها الصادر مؤخرا عن ميريت بعنوان "ما وراء التعذيب. الجوانب النفسية والسياسية". تتخلى بسمة عن الرؤية الرومانتيكية التي تعتبر القائمين على التعذيب شياطين. تقتحمهم باستخدام التحليل النفسي لتكتشف أشخاصا عاديين، أكثر إيمانا ربما، أو أكثر تعرضا لغسيل الدماغ. ولكن الشيء المؤكد كما تقول: "إن أي شخص يبدو عاديا بيننا، يمكن أن يصبح، أو أن يكون فعليا، ضالعا في التعذيب."
كيف يمكن أن يحدث هذا، يشرح الكتاب عدة وسائل يتعرض لها المتدربون لأجل الاقلال من الحساسية تجاه التعذيب: " ينبغي على المتدربين تحمل التعذيب والتعاطي معه، ويقومون بالصراخ بمفردات وأنشيد تدور حول القتل والعنف". تستشهد عبد العزيز برسالة أرسلها أحد رؤساء الجهاز المخابرات المصري السابقين اقترن عهده بالتعذيب إلى أبناء أسرته: "لقد كانت العبارة التي قلتها أثناء العملية وأنا بالبنج منذ ثلاث سنوات والتي عرفتوها من الأطباء وأظنكم تذكرونها هي أنني أعيش لأسعد الثلاثين مليون، ومستعد أضحي بحياتي من أجلهم."
تتدخل الباحثة في العلاقة التي تربط بين القائم بالتعذيب وضحيته. تكتشف أن التآلف بينهما ليس له من غرض إلا أن يزيد حدة التعذيب، عكس ما هو متوقع، فبمرور الوقت وحدوث تآلف بين الطرفين يكتشف القائم بالتعذيب أن ضحيته تختلف عن الصورة التي رسمها وأن المبالغة في التهويل من شأن ما ارتكبت هو محض تزييف لما يلمسه بنفسه، من هنا يقع صراع داخلي بين ما يعتبر واجبا عليه "الاستمرار في التعذيب" وبين ما بدأ يدركه، وبما أن التخلي عن عمله الوحيد هو أمر بعيد الحدوث، لا يصبح أمامه سوى الانتقام من الطرف الأضعف الذي تسبب له في صراع غير مرغوب فيه.
الضحية أيضا تخضع لتحليل الباحثة. الضحية التي تتعرض لنوبات هياجية، غير منسقة أو متوقعة، من العنف الشديد، بالإضافة للنزوات التي يتم فيها فرض قواعد جديدة. تضيف عبد العزيز أن عنصري عدم التوقع وعدم الاتساق، هما العاملان الأساسيان، اللذان يؤديان لمضاعفة خوف الضحية، وليس الإساءة الجسدية. على العموم فتقنيات كثيرة تؤدي إلى أن تقتنع الضحية بأن القائم بتعذيبها يتمتع بالحصانة الكاملة وأن المقاومة هي محض عبث وبالتالي فإن البقاء على قيد الحياة يعتمد على الفوز بصفحه وغفرانه. يحدث هذا تحولا مثير لدى الضحية إذ يتولد لديها شعور بالامتنان تجاه القائم بتعذيبها بسبب السماح لها بالبقاء على قيد الحياة، وهو الشعور الذي ينتظره القائم بالتعذيب ويشعر حياله بالافتتان والتدله.
ليس هذا فقط، بل إن الأكثر إرعابا هو الضحية في وحدتها والتي تحتاج لأي قدر من التواصل الإنساني، ولا يكون أمامها سوى القائم على التعذيب لتحقيق هذا التواصل. هنا يؤدي احتياج الضحية للإبقاء على أي صورة من صور الارتباط بالآخرين، كما تستشهد الكاتبة، إلى إنكارها لتجربة الاعتقال والتعذيب من الأساس.
تلتفت الباحثة في نهاية كتابها إلى رد فعل المجتمع على حالات التعذيب التي يتم الإعلان عنها أو نشرها، إذ عادة ما تقابل هذه الحالات باللامبالاة، بل وأكثر من ذلك، بتجريم الضحية، ولا يحدث هذا التجريم والتسفيه من قدر الضحية عن قناعة حقيقية في أغلب الأحيان بل إنه يبدأ في الظهور على السطح عندما تستمر معاناة الضحية وإهانتها وانتهاكها دون أن يملك جمهور الشهود القدرة على التدخل والإنقاذ. هنا يصبح التعذيب في ذهن الجمهور العادي مجرد جزاء وفاق لما ارتكبته الضحية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تغلق -الجزيرة- والقناة القطرية تندد بـ-فعل إجرامي- •


.. حسابات حماس ونتنياهو.. عقبة في طريق المفاوضات | #ملف_اليوم




.. حرب غزة.. مفاوضاتُ التهدئة في القاهرة تتواصل


.. وزير الاتصالات الإسرائيلي: الحكومة قررت بالإجماع إغلاق بوق ا




.. تضرر المباني والشوارع في مستوطنة كريات شمونة جراء استهدافها