الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشريك الفلسطيني والسياسة الإسرائيلية

برهوم جرايسي

2007 / 7 / 9
القضية الفلسطينية


مرة أخرى عادت الحكومة الإسرائيلية إلى نغمة "الشريك الفلسطيني"، ولكن في هذه المرة فإن صيغة التصريحات الإسرائيلية مختلفة عما درجت عليه في الفترة الأخيرة، وهذا في أعقاب انقلاب حركة حماس في قطاع غزة، إلا أنه من حيث الجوهر واحد.
فمع قيام حكومة الطوارئ الفلسطينية، اندفع ساسة إسرائيل للتعبير عن "الارتياح"، والادعاء بأنه الآن هناك جانب فلسطيني بالإمكان التحاور معه، فيما كثر الإعلان الإسرائيلي عن النية بتقديم "تسهيلات" للفلسطينيين، وكأن القضية الفلسطينية باتت مسألة ليست أكثر من "تسهيلات" في الحياة اليومية، وحتى هذه بدعة إسرائيلية باتت بالية.
بداية هناك حقيقة من الضروري التذكير بها بين الحين والآخر، خاصة في عصر خلط الأوراق والبلبلة السياسية التي لا نستطيع اتهام إسرائيل وحدها بها، بل لدينا "صناعة محلية" للبلبلة السياسية وإضاعة البوصلة، والحقيقة الواقعة هي أن المفاوض الوحيد للحكومة الإسرائيلية منذ بدء مسار أوسلو هي منظمة التحرير الفلسطينية، ولم تكن أي من حكومات السلطة الفلسطينية مفاوضة على المستوى الاستراتيجي، وإنما بسبب ازدواجية الوظائف لدى عدد من الشخصيات الفلسطينية، فقد اختلط على البعض الأمر.
ولدى إقامة أول حكومة لحركة حماس، انتهزت إسرائيل هذا الخلط لتختلق ذريعة جديدة تبعدها عن طاولة المفاوضات في إطار العملية السياسية، فمثلا ما بين اغتيال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وحتى وصول حماس إلى رئاسة الحكومة، مرّ عام ونصف العام، كان فيها الرئيس محمود عباس وحكومة برئاسة حركة فتح، ولم نلمس أي تقدم في العملية السياسية.
ولكن الخطورة الأكثر في هذه المرحلة تكمن في أمرين، أولهما أن الخطاب السياسي الإسرائيلي يرفع كثيرا من مستوى التوقعات لحكومة الطوارئ الفلسطينية، التي من المفترض وحسب كتاب القوانين الفلسطيني، فإنها ليست حكومة دائمة، وفي حال لم تجر انتخابات تشريعية فلسطينية مبكرة، فإنه يجب إقامة حكومة فلسطينية أخرى، وحسب موازين القوى في داخل المجلس التشريعي، فإنه من الصعب أن تقوم حكومة فلسطينية بغير رئاسة حماس.
والهدف من رفع مستوى التوقعات هو التمهيد للإعلان مستقبلا عن "خيبة الأمل" التي درجت إسرائيل للإعلان عنها بين الحين والآخر، ضمن قائمة الذرائع الإسرائيلية المألوفة للابتعاد عن دائرة العملية السياسية، ودفع إسرائيل نحو مستحقات الحل الدائم.
ولكن بطبيعة الحال فإن إسرائيل لن تنتظر "خيبة أملها" تأتي وحدها، بل هي تدفع في هذا الاتجاه، من خلال تصعيد الأوضاع الأمنية، ومن يراقب وتيرة العمليات العسكرية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعدد الشهداء الذين يتساقطون يوميا على مذبح الاحتلال في كل بقعة من الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن دون استثناء أي تنظيم من الفصائل الفلسطينية المسلحة، يعرف تماما وجهة إسرائيل في هذه المرحلة.
وهناك أسباب داخلية لإسرائيل تدفعها للسعي في هذا الاتجاه، والسبب الدائم، وهو الأساس، هو أن إسرائيل الحالية، وبتركيبتها السياسية ليست معنية بأي انفراج سياسي يدفع نحو الحل الدائم، يلزمها بتقديم ما ترفض تقديمه أصلا، وحتى من باب الجدل إن رأى البعض أن هناك فرصة ونية للخروج إلى دائرة المفاوضات، مثل أن يجرب رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، فرصته في المسار السياسي، فإنه أضعف من أن يقود إسرائيل إلى مسار سياسي جريء وجدي، في الوقت الذي يصلت من فوق رأسه سيف خلعه عن منصبه.
أما السبب المرحلي الداخلي في إسرائيل، فهو أن إيهود براك، الذي تولى حقيبة الأمن، بحاجة إلى تحقيق "إنجازات عسكرية"، ليس فقط تطبيقا لعقليته العسكرية، بل أيضا من منطلقات حزبية انتخابية، فهو الذي أمسك للتو بزعامة حزب "العمل" الإسرائيلي الشريك في حكومة إيهود أولمرت، يعرف ان الرأي العام الإسرائيلي "يعلق عليه آمال" إعادة الهيبة للجيش الإسرائيلي في أعقاب الحربين على قطاع غزة ولبنان قبل نحو عام.
ولهذا فإن براك على قناعة بأن "إنجازات" كهذه، وهي لا بد وأن تكون إنجازات دموية، فإنها ستزيد من رصيده في الشارع الإسرائيلي تمهيدا لانتخابات برلمانية قادمة، وهذا الأمر يجعلنا في موضع قلق من أن تستغل إسرائيل أبسط حادثة لشن عدوان واسع، على الأقل أمام الفلسطينيين، إن لم يكن أكثر، فمن خلال توغلاتها "المحدودة، في قطاع غزة والضفة الغربية، وما تخلفه من ضحايا وقتلى تسعى إلى ظهور رد فلسطيني عسكري، تستخدمه ذريعة لها لشن عدوان واسع جديد، ذريعة تتلاءم مع طابع موازين القوى البائسة والمنحازة كليا لإسرائيل في الأسرة الدولية.
والحكومة الإسرائيلية لا تترك أي لحظة فراغ في ظل الوضع الفلسطيني الداخلي القائم، فهي تغدق في "مديح" حكومة الطوارئ، ليس فقط من أجل خلق أوهام "النوايا الحسنة" تجاه هذه الحكومة، وإنما لأنها أدركت نجاح سياسة "عناق الدببة" التي اتبعتها تجاه القيادة الفلسطينية في الآونة الأخيرة، والمقصود المديح المصطنع تجاه هذه القيادة.
فإسرائيل التي تضع على رأس أولوياتها ممارسة الحرب النفسية ضد الشعب الفلسطيني، خاصة في السنوات الأخيرة، تعرف أن مديحها لأي جهة فلسطينية ينعكس بتراجع ثقة الشارع الفلسطيني بهذه الجهة أو القيادة.
ولكن إسرائيل ليست وحدها في هذه المناورة، بل إنها ترتكز في هذا المجال إلى "صدى" مناورتها في الشارع الفلسطيني، بمعنى أن جهات وقوى سياسية فلسطينية، تستخدم "عناق الدببة" الإسرائيلي، استثمارا سياسيا لها، وهذا ما نشهده من خلال انفلات خطاب التشكيك والتخوين، وسياق مقاومين فلسطينيين كالخراف إلى شوارع غزة وذبحهم أمام عدسات التصوير، بعد تخوينهم، والحكم عليهم من خلال عصابات الشوارع المنفلتة في قطاع غزة.
لقد عرف الفلسطينيون كيف يحملون الأسلحة النارية على أشكالها لمقاومة الاحتلال، ولكنهم ليس فقط أهملوا الحرب النفسية المبرمجة، والتي يقوم عليها في إسرائيل طاقم من أكبر المختصين، وهذا تم الكشف عنه في الماضي القريب، بل إن ما يجري في الشارع الفلسطيني عمليا هو التجاوب مع هذه الحرب، بقصد أو من دون قصد، ومن لا يعرف نتائج هذه الحرب، أو يقلل من شأنها فهو مدعو إلى توجيه نظرة ثاقبة ومعمقة لمجريات الأمور في الشارع الفلسطيني.
مرة أخرى هناك ضرورة للتأكيد على أن استنتاج أن حكومة إسرائيل الحالية ليست معنية أو ليست قادرة على التوجه نحو عملية سياسية حقيقية، فهذا ليس مدعاة لليأس والإحباط، بل هو تحليل لواقع علينا العمل من أجل تغييره، وهنا أيضا ضرورة للتأكيد على أن مصلحة الشعب الفلسطيني تستوجب التشبث بخيار المفاوضات والمقاومة في آن واحد، فالخطاب السياسي الفلسطيني الواضح والموحد من جهة، والمقاومة الشعبية العامة، التي شهدها شعبنا في الماضي، قادران على تحقيق مكاسب في الأسرة الدولية قد تساهم في ظهور ضغط دولي جديد على إسرائيل يدفعها نحو العملية السياسية ومستحقات الحل الدائم









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب: حملة -تزوجني بدون مهر-.. ما حقيقتها؟ • فرانس 24 / FR


.. كأس أمم أوروبا 2024: ديشان يعلن تشكيلة المنتخب الفرنسي.. ما




.. هل تكسر واشنطن هيمنة الصين بالطاقة النظيفة؟


.. سكان قطاع غزة يعانون انعدام الخيام والمواد الغذائية بعد نزوح




.. إسرائيل تقدم ردها لمحكمة العدل الدولية على طلب جنوب إفريقيا