الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول توحيد الشيوعيين في سوريا

سلامة كيلة

2007 / 7 / 9
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


أطلق مجلس اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين مبادرة "على طريق وحدة الشيوعيين السوريين"، دعا فيها الى تشكيل "مجلس تشاوري مركزي" يضم ممثلي التيارات الشيوعية، تتمثل "بشكل متساوٍ"" وتتخذ قراراتها على أساس التوافق، لتنقية الأجواء بين الشيوعيين وتطوير أشكال العمل المشترك. وهي المبادرة الثانية بعد المبادرة الأولى التي قامت على أساس ميثاق الشرف، وتشكلت على أساسها "اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين"، والتي لم تثبت نجاحها، بل عانت من انشقاق كذلك.
وما من شك في أن الظروف الموضوعية باتت أفضل لتحقيق خطوات في هذا الإتجاه، لهذا تشكل تجمع اليسار الماركسي. وأيضاً فإن الظروف الموضوعية تفرض البحث الحثيث لتحقيق أوسع إئتلاف للقوى الماركسية في مواجهة الأخطار التي تتهدد المنطقة. كما نتيجة الوضع الهش الذي نشأ من النهب المنظم للاقتصاد، وأفضى الى إفقار فئات متزايدة في سوريا. وبالتالي نتيجة الضرورة التي تفرض فتح الأفق لتغيير الوضع العربي برمته، لأن ذلك هو وحده الذي يسمح بمواجهة المشاريع الامبريالية الصهيونية، وتغيير ميزان القوى لمصلحة الوحدة والتطور والديمقراطية والحداثة.
لكن لا بد من الاشارة الى التالي:
1) أتت المبادرة الجديدة بعد تشكيل تجمع اليسار الماركسي الذي يضم خمسة قوى شيوعية، إضافة الى شخصيات ماركسية، ويبدو أن المبادرة هي شكل من أشكال "قطع الطريق" أو الاعتراض على صيغة استطاعت أن تجمع عدداً من القوى والشخصيات، والتي قامت على أساس برنامج سياسي واضح. والتي تبدأ بالتوافق على برنامج سياسي وصيغة للعمل المشترك، لتصل الى تشكيل حزب موحد للماركسيين.
أشير الى ذلك من أجل القول أن الهدف من المبادرة هو هدف تكتيكي. لهذا جاءت كمبادرة تتعلق بصيغة تنظيمة دون أساس سياسي.
2) وبالتالي فإن الملاحظة الأساسية على المبادرة هي أنها لا تقوم على أساس سياسي، بل تنطلق مما هو شكلي: أي تعبير الشيوعية. حيث وجهت الدعوة الى التيارات الشيوعية بغض النظر عن الاختلاف السياسي فيما بينها، وبغض النظر عما باتت تعبّر عنه طبقياً. فقد تفككت الحركة الشيوعية "المعروفة تاريخياً" نتيجة رؤيتها، وبالتالي موقعها الطبقي الذي عبّرت عنه هذه الرؤية، ولم تتفكك نتيجة أية أسباب أخرى. ولازالت أحزاب منها تلتزم الرؤية ذاتها، وتضع نفسها في الموقع الطبقي ذاته. والتوحيد على أساس ذلك ليس ممكناً نتيجة ما هو غير سياسي، أي نتيجة صراعات "ذاتية" لم تمسّ العقلية ولا السياسة التي حكمت تلك الأحزاب.
لقد إنبنت سياسة الحزب الأم (الحزب التاريخي) علىرؤية هي أقرب الى الرؤية الاشتراكية الديمقراطية، أي تلك السياسة التي تدافع عن الطبقية العاملة من موقع "إنساني"، ولا تطرح سياسة الطبقة العاملة. لهذا تبنت برنامجاً مطلبياً (وبالتالي إصلاحياً) في سياق الانضواء تحت مشروع تحقيق التطور الرأسمالي لأن تجاوز الاقطاع يفرض ذلك. وبهذا كانت ظلاً لطبقة رأسمالية "وهمية" (تُمثّل عادة في شخص). وحين إستلم البعث السلطة ظلت تطرح رؤية اشتراكية ديمقراطية بعد تحالفها مع البعث، حيث إعتبرت أن ما يطرحه هو الاشتراكية رغم أنه يعبّر عن مطامح فئات ريفية تحنّ الى المساواة، المفضية حسب تحليل ماركس (وحسب ما لمسناه واقعياً) الى الترسمل. وهنا جرى تقزيم الاشتراكية الى "قطاع عام" و"خطة خمسية" و"إصلاح زراعي" (رغم أهمية كل هذه المسائل). وهنا كانت ظلاً لـ"الحزب القائد"، أي لفئات وسطة. وهي الآن ظل لـ"رجال الأعمال" الذين أمعنوا في تعميم اقتصاد السوق المتوحش.
ولقد لعب كل ذلك دوراً أساسياً في تهميشها وهامشيتها، وإنقطاع الصلة مع الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، وتحوّلها الى حزب مقطوع الجذور طبقياً. وهو ما أسهم في تحوّلها الى بنية مغلقة، أصبحت الخلافات الهامشية جوهرية، وطغى ما هو عرضي وشخصي، الأمر الذي فرض التفكك والتفتت. خصوصاً مع وجود قاعدة حزبية كانت تبحث عن خيار مختلف، ورؤية أخرى. وهو ما كان يستغلّ في تلك الصراعات العرضية من قبل القادة.
إن السعي لتحقيق التوحيد دون إعادة بناء الرؤية والموقع الطبقي لن يقودا الى الوحدة، أو ربما يصنعا وحدة هشة لا طعم لها. ولقد جرّب الرفاق في اللجنة الوطنية صيغة للوحدة دون تغيير عميق في الرؤية دون أن يتحقق شيئ الى الآن. وها هم يقدمون صيغة أخرى إبتعدت عن لمس الرؤية أكثر من المحاولة السابقة، وبالتالي لن تفضي الى ما هو جدي. لهذا أشير الى أن الوحدة يجب أن تقوم على أساس رؤية جديدة، كما على أساس موقع طبقي واضح مع العمال والفلاحين الفقراء. التوحيد إذن ليس جمعاً كمياً لمتناقضات، بل يجب أن يبدأ من رؤية مختلفة، ومن دور سياسي مختلف، وهذا الموضوع هو الذي يجب أن يحظى بالحوار والبحث.
3) وبالتالي فإن المفصل الأساسي الذي يسمح بأن تبدأ مسيرة التوحيد وتأسيس حزب لكل الماركسيين، يبدأ بتحديد الدور الطبقي السياسي للشيوعيين. دور معبّر حقيقة عن العمال والفلاحين الفقراء، عن وضعهم الطبقي وعن رؤيتهم السياسية، وعن مناهضتهم للمشروع الامبريالي الصهيوني، وسعيهم لبناء دولة ديمقراطية علمانية.
وهذا ما هدف إليه الحوار الذي بدأ منذ عامين بين عدد من القوى والشخصيات الماركسية، وتبلور في الوثيقة التي قام على أساسها تجمع اليسار الماركسي. لهذا ندعو للحوار على أساسها، وانطلاقاً منها.
المسألة هنا لا تتعلق بالتجميع، بل تتعلق بالوحدة في إطار الفرز بين اتجاهات، فليس من وحدة تنظيمية ممكنة مع ليبراليين، أو مشاركين في السلطة، أو دون موقف واضح من المشروع الامبريالي، أو لا يطرحون الديمقراطية كقيمة وكهدف، ولا يدافعون عن الطبقات الشعبية ويعملون لمصلحتها. أو لا يبدو الماركسية لديهم سوى قشرة تغطي ركاماً من السياسات الخاطئة ومن الاخفاقات. وكذلك من الذيلية والرهانات الوهمية. لقد هجر قطاع كبير من الشيوعيين أحزابه نتيجة كل ذلك، وتفكك الحزب الى ستة أو سبعة أحزاب نتيجة ذلك أيضاً. وتهمّشت كلها وإنفصلت عن قاعدتها الاجتماعية للسبب ذاته. فهل نكرّر المكرور؟
توحيد الشيوعيين ضرورة، نعم. لكن يجب أن يقوم التوحيد على سياسة جديدة، تغيّر من مسار فاشل، وتضع الشيوعيين في صيرورة هم الفاعلون فيها، والمحققون للتطور والديمقراطية والمعبّرون عن مصالح الطبقة العاملة والفلاحون الفقراء، والساعون لأن يحقق هؤلاء مشروعهم الطبقي. لهذا يجب أن تبدأ من توافقات سياسية واضحة تجعلهم في الموقع الذي يحقق لهم ذلك، لا أن تبدأ من صيغة تكرر التصورات ذاتها، التي أدت الى تهميشهم وتفككهم.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يستعد لتولي السلطة.. تعرف على مسيرته من


.. هل يصمد -السّد الجمهوري- الفرنسي في وجه اليمين المتطرف؟




.. ?? ???? ????? ???????? ??????????


.. مسمار جديد في نعش المحافظين.. السلطة الرابعة في بريطانيا تنح




.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: -إذا وصل اليمين المتطرف للحك