الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انسان خلف قضبان الإعاقة

سعيدة لاشكر

2007 / 7 / 10
الادب والفن



غادر الدرب الضيق المظلم مستعينا بعصاه الخاصة ومستعينا بضيق الدرب, يمرر العصى بمحاداة الجدار ويده الأخرى تتلمس الجدار المقابل, إلى أن وصل أخيرا لنهايته المنفتحة على الشارع الواسع, المليء بصخب السيارات والمارة و المضيء بأشعة الشمس المتوهجة لكن رغم هدا لم تتغير الصورة في عينيه, فما زالت كما هي ظلام في ظلام, سواد في سواد لا يرى شيئا ولا يميز شيئا.

انتقل للجانب الأيمن من الدرب, مازالت يده على الحائط وما زالت العصى تدق الأرض دقا رتيبا, أحيانا تنبهه لوجود حفرة صغيرة أو حجرما وأحيانا أخرى تنسى فتوقعه في مشاكل جمة, لكن وبفعل السنوات فقد تعود عليها وأصبحت يده الخبيرة تمررها في كل النواحي التي تسير فيها قدماه, لدا بات من الصعب أن تعرقله الأرض, أما دونها فمحتمل جدا, وصل للسور الحديدي عبتت يده بقضبانه إلى أن وصل للبوابة التي ما إن تجاوزها حتى استقبله البواب ممسكا بيده ليعبرو الدرجات المفضية للداخل, هنا كان أول تواصل له مع دوي اعاقته في هذه الدار دار ’المعاق ودوي الإحتياجات الخاصة’ تعلم ما لم يسمح له مجتمعه بتعلمه, تعلم القراءة الخاصة بالضرير, لعب بألعاب وحمل الأقلام وكون أصدقاء كل هذه الأشياء كانت شغله الشاغل حين كان صغيرا, أما الآن فقد كبر وكبرت أفكاره وأصبحت تتجاوزاللعب والمرح وتتجاوز هذه الشكليات لتغوص في الأعماق, أعماق الأشياء التي لم يكن يشعر بها وهو طفل, أوصله البواب للكرسي حيت يجلس بجانب الطاولة الخشبية الصلبة, جلس صامتا وتفكيره هائم, أصبح الآن تفكيره منصبا حول الغد, حول المستقبل, بعد أن كان لا يهمه إلا أن يعيش يومه بساعاته ودقائقه, نضج عقله ونضج معه ذلك الركن المنزوي داخل قلبه ذلك الركن الذي يصرخ منذ البداية ليقول كلمة واحدة ’ وماذا بعد’ كلمة واحدة لكنها قادرة في لحظة أن تتفرع لمئات الكلمات, ماذا بعد اللعب؟ ماذا بعد التواصل؟ ماذا بعد زول مصدر مصروفه الوحيد؟ ماذا بعد مجيئه للدار يوميا؟ ماذا بعد سن التلاتين؟ ماذا بعد سن الأربعين؟ ماذا بعد سن السبعين؟ كيف سيعيش؟ كيف سيتأقلم؟ كيف سيموت؟ أسيكون بجواره أحد عندما يكون على فراش الموت؟ وبفعل كل هذه الأسئلة تتدفق الآحزان, تتدفق مشاعر كثيرة, يأس, سأم, حسرة, ضياع, وعجز, عجز كبير.

قاطعه عن أفكاره صوت صديقه الضرير أيضا الذي جلس بجواره بعد التحية والسلام سأله الصديق سؤالا عجيبا:
- إذا سألتك ماذا تريد أن ترى في هذا العالم فبماذا ستجيب؟
أجاب وكأنه طالما انتظر هذا السؤال:
- لو منحت نعمة البصر فأحب أم أرى ملامح كل الناس المحيطين بي, وأحب أن أرى الشمس, أن أوجه عيني نحوها مباشرة, أحب أن أرى المحيط, هذا البحر الواسع من الماء الذي يحكى عنه, أحب أن أملأ عيني بنسيمه المميز وأحب أن أبصر الطبيعة الأشجار, الأعشاب , الأزهار من كل الألوان , الأنهار, الجداول, الطيور, الفراشات والنحل وأن أتدوق وجبة وأنا أراها بعيني, وأن أتحدت مع شخص وأنا أتمعن في عينيه, وأن أجري بأقصى سرعتي والريح تلفح وجهي والمطر يتصبب فوق رأسي أجري ولا تهمني العوائق ولا ألقي بالا بالمطبات, وآخر شيء أحب أن يرى كل الناس هذه الأشياء من وجهة نظري أنا, وأن يعلمو أن الله أنعم علينا بنعم كثيرة تستوجب الشكروالإمتنان في كل يوم مئة مرة أو ألف مرة. ربما هم لا يحسون بها ولا يشعرون بها يمكن لأنهم ألفوها تمكنو منها حتى أصبحت من المسلمات لذيهم لكن إن فكرو في عدها فهم بالتأكيد لن يستطعو أبدا لذى فهم لن يفكرو في ذلك بل سيتركون التفكير لنا نحن...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي