الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صفقات شيطانية

بدر الدين شنن

2007 / 7 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


منذ انقلاب 8 آذار 1963 ، انتقلت السياسة في سوريا إلى مرحلة مغايرة في مفاهيمها ومعاييرها ، عما سبقها في الزمن القصير الذي يقع ما بين الاستقلال والانقلاب ، إن على مستوى الحكم ، أو على مستوى المعارضة ، أو على مستوى القوى البينية في السياسة والاقتصاد
قبل الانقلاب ، باستثناء عهد الجمهورية العربية المتحدة وأزمنة البلاغ رقم واحد العسكرية العابرة ، كان هناك تداول للسلطة عبر صناديق الاقتراع ، وتداول للمواقع وفق معايير ديمقراطية . أي أن القوى الحاكمة اليوم قد تصير في المعارضة غداً والعكس صحيح . وهذا ما كرس قيم الاحترام المتبادل في العلاقات والصراعات بين مختلف القوى ، وحقق تداول المصالح .. وتداول الحكم بسلاسة دستورية في منتهى الرقي ، إذا ما قورنت باستعصاء تداول الحكم في الزمن الراهن . وكان الوطن " الوطنية " وعاء السياسة والمحور الذي تدور حوله آليات الصراعات ومضامينها الاجتماعية والاقتصادية . ولهذا كان كل من ينحرف عن هذا " العقد السياسي " إن جاز التعبير ، سواء كان في الحكم أو في المعارضة ، ويشطأ بالاجتهاد بعيداً عن مضامينه ، أي أنه يقفز خارج وعاء الوطنية في ممارسة السياسة ، كان يوسم بالعمالة ويحترق سياسياً . وإذا ما انتقل من الاجتهاد إلى ممارسة التعاون والتحالف مع الخارج ، كان يتهم بالخيانة ويوضع في قفص الرفض الشعبي ، وأحياناً يوضع في قفص العدالة برسم المحاسبة ودفع الثمن
ذلك أن الخارج كان محدداً وواضحاً . وكان السوريون ينظرون إليه بعيون الوطن .. وحريته .. ومصالحه .. لم تكن هناك أية غشاوة إعلامية أو ستار أيديولوجي أو أكاذيب ذرائعية قادرة على تجميله وتسويغ التعامل معه . فقد كانت صور مشاهد ومآسي وبطولات معارك الحرية ضد الاحتلال حية .. لم تدخل بعد حيز الذكرى أو النسيان . وفيالق الثوار السياسيين والعسكريين الذين مازالوا أحياء ، مازالوا يشكلون بؤرة الكبرياء الشامخة والعزة والكرامة الوطنية ، ويشكلون مهماز الرفض للمشاريع الاستعمارية

لقد سقط تيار سياسي كبير كان يمثله زعيم حزب الشعب رشدي الكيخيا لأنه حاول أن يربط سوريا بمشروع الهلال الخصيب الاستعماري ، ونهض وساد تيار التجمع القومي البرلماني ، الذي كان يمثله خالد العظم وصبري العسلي وخالد بكداش وعفيف البزري وأكرم الحوراني لأنه رفض وتصدى لحلف بغداد الاستعماري الأسوأ ، وحافظ على ا ستقلال البلاد ، ولأنه كان متمسكاً ب " العقد السياسي " الذي كان يترك الآفاق مفتوحة أمام تطلعات مختلف القوى السياسية والاجتماعية المشروعة في التغيير والتقرير وصياغة حاضر الوطن ومستقبله

بعد الانقلاب الآذاري 1963 وتداعياته وصراعاته المتلاحقة ، تكرس واستقر ، خاصة بعد عام 1970 ، عهد استبدادي دمر في مقدمة تدميراته اللاعقلانية واللاوطنية دمر " العقد السياسي " . وأغلق الآفاق أمام القوى السياسية والاجتماعية ، التي هي خارج نظامه ، وألغى حقوق الغالبية الساحقة من الشعب من حق المشاركة في صياغة القرار الوطني . وقد اتسم هذا التدمير والغلق بالعنف والقهر والاعتقال والنفي لمن تم تصنيفهم في خانة المعارضة حسب معيار " من ليس معنا فهو ضدنا " . وقد انعكس احتكار النظام للسياسة والسلطة وقيادة الدولة والمجتمع ، بكل ما تعنيه مفردات هذا الاحتكار من جهالة علمية ومظالم سادية واستهتار وطني غير محدود ، انعكس على قوى المعارضة وقطاع الرفض الشعبي الصامت .. تمزقاً .. وتقية .. وعزلة .. وتوجساً ، وساهم في ظهور عقليات ومفاهيم في السياسة مشوهة .. متطرفة ، باتت ، رغم محدوديتها ، تأخذ أبعاداً خطيرة على الوطن برمته ، بمعنى ، أن التطرف المتمثل باستبدادية النظام وانغلاقاته اللامسؤولة على الإصلاح باتجاه التغيير الوطني الديمقراطي ، شكل العلة التي أفضت إلى نشوء حالات " معارضة " متطرفة .. منفعلة .. مقابلة .. بلغت حد التصريح من هذا أو ذاك .. أنه مستعد للتعاون مع الشيطان للخلاص من النظام

بالإضافة إلى ذلك ، شكل تعاطي التطرف الاستبدادي ومتعلقاته السالبة مع الصراعات الإقليمية والدولية ، وخاصة بعد نشوء حالة الاستقطاب الدولي الأحادي ، من زاوية التمسك بدور إقليمي متميز ، واستباحته عقد صفقات شيطانية مع القوى الدولية الإمبريالية ، حول مصيره ومصائر بعض شعوب المنطقة ومسائل الصراع العربي الإسرائيلي ، شكل عاملاً مساعداً على تمويه هذا الخارج والتطبع معه . أي الاعتراف بدور الخارج المقرر والمقبول في مصائر المنطقة . واعتبار انتقال هذا الخارج للحوار مع النظام حول هذه المسائل ، هو بمثابة حركة مفتاحية يرتهن لها مستقبل سوريا " النظام " إلى حد كبير . ما عبد الطريق إلى واشنطن ولندن وباريس وبروكسل أمام من يرتضي لنفسه ، من هذا أو ذاك من المعارضة ، ركوب عربة الصفقات الشيطانية أيضاً قبل فوات الأوان الآن .. وركوب الدبابة الغازية للوطن
للوصول إلى السلطة غداً

واللافت أنه في تلك العواصم الدولية تحديداً تحدث التقاطعات بين تطرف النظام والتطرف الآخر ، ويأخذ كل منهما ينافس الآخر لإرضاء سادة تلك العواصم والتفاخر بإقامة صلات أو علاقات معها . ما يشي بأن " الغادري " لن يكون " المعارض " السوري الوحيد الذي يزور تل أبيب علناً معترفاً بدورها الإقليمي ، ليس في إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط فحسب ، وإنما في إعادة النظر بخريطة سوريا الجيو ـ سياسية أيضاً ، وما يشير أيضاً ، إلى أن تقاطعاً ذي أهمية كبيرة يلتقي عنده قطبا التطرف ، وهو ا ستبدال خيار الداخل الديمقراطي بخيار الخارج الاستعماري ، متجاهلين حقائق الواقع الفاقعة ، التي تؤكد أن مكونات الخارج الدولي الراهن هي مكونات معادية .. هي إسرائيل وأميركا وبريطانيا وفرنسا وبقية دول حلف الأطلسي السيء الذكر ، وكل هذا الخارج يتحمل بنسب مختلفة مسؤولية الجرائم الدموية والتدميرية التي جرت وتجري بحق شعوبنا في فلسطين والعراق ولبنان والصومال والسودان وهو يخطط لنقل هذه الجرائم إلى سوريا والأردن ومصر والخليج ، لفرض هيمنته علينا واستلاب ثرواتنا وحقنا في تقرير مصائرنا ، ومتغافلين عن أن لامكان في آليات هذه الهيمنة الاستعمارية لشحنات السيادة الوطنية والديمقراطية والتنمية المستدامة . وفي طبيعة الحال متناسين أن هذه الصفقات بين أي طرف سوري هان عليه الضمير والوطن وبين مركز القرار الدولي الاستعماري لن تكون إلاّ صفقات إذعان لصالح الأقوى السيد في لعبة الحرب كما في لعبة الصفقات

ومع الإمعان في منزلق الصفقات الإذعانية ، سوف يفتح في المجال لمشهد تساقط مصداقيات في اتجاهين ، اتجاه من كان يخوّن النظام لتهافته على الحوار والتسويات مع الخارج ويجعل من ذلك سبباً أساسياً لإسقاطه ، واتجاه النظام ، الذي كان يخوّن كل من يستقو ، بأي شكل كان ، من المعارضة بالخارج ضده ، ويتذرع بذلك لتوسيع الاعتقالات التعسفية وإنزال العقوبات الشديدة برموز معارضة ، وإن كان معظمها يرفض أي استقواء بالخارج ، وذلك عندما نجد الاتجاهين في عربتين متوازيتين تتسابقان للإلتحاق بالخارج ، الذي بات حسب زعم أحدهما ملاذ طلاب التغيير والديمقراطية من جهة ، وملاذ طلاب ا ستقرار وأمن المنطقة وإحياء المصالح المتبادلة حسب زعم ثانيهما من جهة أخرى

ومع توسع مخاطر هذا الإمعان اللامسؤول ، تكبر أهمية المعارضة الوطنية الديمقراطية ، وتزداد مسؤوليتها في تصويب الحراك المعارض وتعزيز اللحمة الوطنية ، وتكبر أهمية التوجه بحزم نحو الطبقات الشعبية ، التي تشكل ، الحامل الاجتماعي الأساس للتغيير الوطني الديمقراطي ، والحامي الأساس بامتياز للقيم الوطنية النبيلة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إغلاق مراكز التصويت في الانتخابات البريطانية| #عاجل


.. إيران.. تعرف على مواقف جليلي وبزشكيان في ملفات السياسة الخار




.. مقابلة خاصة مع نائب وزير الخارجية التركي ياسين أكرم سرم


.. أوضاع الشرق الأوسط وحرب غزة تحظى باهتمام كبير في قمة شانغهاي




.. نتنياهو بين ضغط عائلات المحتجزين وتهديدات ائتلافه اليميني