الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إصلاح القطاع العام أم خصخصته

معتز حيسو

2007 / 7 / 11
الادارة و الاقتصاد


في عرضنا هذا سوف ننطلق من العام إلى الخاص ، لتقديرنا بأن هذا الشكل يساهم موضوعياً في إيضاح هدفنا . تتحدد المرحلة الراهنة بالعولمة التي تمثل شكلاً موضوعياً للرأسمالية في سياق حركتها التوسعية العابرة والمتجاوزة لكافة الحدود والقوانين ، لكن إذا دققنا النظر نرى بأن ما هو معولم ينحصر في : 1 ــ رأس المال المالي . ــ 2 ــ وسائل الإنتاج ، ( ويتم تصدير وسائل الإنتاج المستهلكة للطاقة ، والمنتجة للصناعات الملوثة للبيئة ، والمنتجة للصناعات المعمرة ، والتي تحتاج لقوى عاملة كبيرة و مواد أولية ضخمة ... إلى البلدان المتخلفة .). لتبقى قوى العمل الحية خارج السياق المعولم وتخضع للقيود والضوابط القطرية والقومية والإقليمية التي تحد من حركتها ، وتعامل وفق معايير محلية تتباين فيها معدلات الدخل على المستوى الدولي .
ـــ بينما تبقى البلدان الصناعية الكبرى ، والشركات العابرة للقومية والمتعددة الجنسيات تحتكر: الصناعات الفائقة التقنية ، والتكنولوجيا ، أسلحة الدار الشامل ، الاتصالات والإعلام ، الحصول على الموارد الطبيعية .
والرأسمالية المعولمة حتى اللحظة تتجلى بـ : تزايد حدة الاحتكار ، تزايد حدة تمركز الرساميل ، تزايد حدة الاستغلال لتحقيق معدلات ربح أعلى ، تزايد شدة الاستقطاب الاجتماعي ، وبالتالي تزايد معدلات الفقر والبطالة .. ، تزايد حدة التباين على المستوى الدولي ، واستخدام القوة العسكرية تنفيذاً وتحقيقاً لمصالح المتحكمين بالاقتصاد العالمي للهيمنة على ثروات العالم ونهب مقدراته .
ويعمل أصحاب القرار الاقتصادي في الدول الصناعية في سياق التبادل التجاري على فرض الانفتاح الاقتصادي على المستوى الدولي، وتحديداً على الدول النامية ، والدول التي دخلت مضمار التطور التقاني حديثاً ، بينما تحاول بعض الدول الصناعية الكبرى حتى الآن حماية بعض صناعاتها. إن الدول الصناعية بعد إن وصلت إلى مرحلة التكنولوجيا فائقة التطور فإنها تفرض الانفتاح الاقتصادي على باقي الدول ، و تلجأ أحياناً إلى الحماية مع مثيلاتها (أمريكا ــ الصين) ( تتدخل الولايات المتحدة بذريعة المحافظة على حقوق الإنسان في أشكال العمالة الصينية للحد من انخفاض الكلفة الإنتاجية ولتحجيم القدرة التنافسية لبعض الصناعات الصينية )
ـــ أما فيما يخص القطاعان العام والخاص ، فإن القطاع الخاص عموماً لم يرتقي حتى اللحظة ليكون ممثلاً ومعبراً عن مشروع صناعي وطني ، بل يتجلى في أفضل حالاته بكونه رأس مال عقاري ، ريعي ، طفيلي.. يساهم إلى درجة محدودة في رفع معدلات النمو في هذه القطاعات حصراً ، وتوظيف رأس المال الخاص في القطاعات الصناعية لا يتعدى الاشتغال في صناعات اللمسة الأخير ذات الربح المرتفع و حركة دوران رأس مال سريعة .
أما القطاع العام فإن خسارته ليست ناتجة عن بنية القطاع العام ذاته ، بل هي تجلياً لآليات عمل اقتصادية وسياسية لا ترتقي لإدارة هذا القطاع بشكل منهجي يعيد توظيف التراكم المالي الناتج عن الربح لتوسيع وتطوير القطاع الإنتاجي نفسه ، ونلاحظ بأن أرباح هذه القطاعات ، والمبالغ المخصصة لإهتلاك وسائل الإنتاج ، تذهب إلى مؤسسات وجهات أخرى داخل الدولة ، مما يؤدي إلى تردي نوعية الإنتاج و انخفاض كمياته ، وارتفاع كلفة الصيانة ... وبالتالي إلى ارتفاع أسعار الإنتاج في القطاع العام ، وتتقاطع هذه التجليات مع النهب الذي يتعرض له القطاع العام ، وانتشار البيروقراطية .. ، و انتشار ظواهر الفساد( الإداري ، المالي ، الوظيفي ...) في أغلب هذه القطاعات ، والتي باتت سمة عامة تحتاج لتجاوزها إلى تنمية اجتماعية وبشرية وسياسية شاملة .
لذلك فأن خسارة القطاع العام تتحملها جهات إدارية حولت مؤسسات القطاع العام إلى اقطاعات شخصية جمعت من خلاله ثروات غير مشروعة ، و يساهمون الآن بتحديد التوجهات الاقتصادية بما يتناسب مع مصالحهم الاقتصادية والسياسية .
وبالتالي فإن أولى المهمات المطروحة للخروج من إشكاليات القطاع العام تتجلى :
ــ استئصال الفساد المهيمن على هذه القطاعات .
ــــ تجاوز البيروقراطية والتدخلات السياسية المعيقة لتطور القطاع العام .
ــ وضع أصحاب الخبرة والكفاءة بعيداً عن تصنيفاتهم السياسية في مواقع الإدارة .
ـــ وضع خطط منهجية لإصلاح هذه القطاعات وتطويرها وإعادة هيكلتها لتحقيق أعلى إنتاجية بأقل كلفة وبأسعار منافسة ، وإيجاد الحلول العادلة للقوى العاملة الحية الفائضة.
ـــ الإبقاء على التراكم المالي في نفس القطاع ليصار إلى تطويره وتوسيعه ....
ـــ استعادة الأموال المنهوبة وتوظيفها في إعادة تأهيل وتطوير مؤسسات الدولة الإنتاجية والخدمية .... .
ـــ وضع الموارد والثروات الوطنية في سياق تنمية صناعية وبشرية .
ــــــــ أما فيما يخص القطاع الخاص فمن الواجب الإقرار بضرورة مشاركته في الحياة الاقتصادية ليساهم في رفع معدلات التوظيف الصناعي لزيادة معدلات النمو والقدرة الإنتاجية وفق خطط منهجية تحدد مشاركة القطاع الخاص في سياق خطط تنموية شاملة .
ـــ التأكيد على ضرورة الاستثمارات الوطنية والأجنبية بما يتلاءم مع الاستراتيجيات التنموية ، وفق آليات تحدد نسب الشراكة و العمالة وآليات إدخال وإخراج الرساميل والأرباح ومدة التوظيف الاستثماري، والقطاعات التي يجب العمل فيها .
ـــ ضرورة وضع قوانين إدارية وسياسية ناظمة ومشجعة للاستثمار ، وتمنع بنفس الوقت المستثمرين من الهيمنة على سياق التطور الاقتصادي .
ـــ وضع نظام ضريبي يتلاءم مع الواقع الحالي ويساهم في تطوير البني التحتية و الصناعية .
ـــ إلغاء سياسية الإعفاءات الضريبية ، وإيجاد أشكال ضريبية مناسبة .
== إن أهمية مشاركة القطاع الخاص الوطني يجب أن لا تمنعنا من التأكيد على أهمية المحافظة على دور الدولة الديمقراطية الوطنية في القطاعات الأساسية ، بكونها المعنية بشكل مباشر بالتنمية الاجتماعية ، ذلك لمعرفتنا بأن القطاع الخاص وتحديداً في بلداننا يميل إلى الاشتغال في القطاعات ذات حركة رأس مال سريعة ، إضافة إلى أنه يميل لتوظيف أمواله في القطاعات العقارية وصناعات اللمسة الأخيرة والنشاطات الطفيلية والتجارة السلعية ، ناهيك عن انخفاض مقدراته المالية ، ليبقى الحجم المالي الأكبر في مؤسسات الدولة البنكية .....
وإن الترويج بتقسيم الأدوار بين القطاعين العام والخاص وفق الصيغة التالية : القطاع العام يهتم بتطوير البنى التحتية ، وتأمين العدالة الاجتماعية ( الصحة والتعليم والضمان المعاشي للعاطلين عن العمل .... ) ، بينما يكون القطاع الخاص رائداً للتطور الصناعي ... هو مؤشر على أن أصحاب هذه الأصوات يسعون بأشكال وأسباب مختلفة للترويج بأن القطاع العام عالة على الاقتصاد الوطني وعلى تطور الحياة الإجتماعية وبالتالي يجب التخلص منه ، مع العلم بأن إمكانيات إعادة تأهيله مرتبطة بتوفر الإرادات الوطنية الصادقة ، وهذا بالضرورة لا يمنع من دراسة أوضاع بعض مؤسسات القطاع العام التي لا يمكن إصلاحها وإيجاد حلول لها ( خصخصة ، بيع ) ، إضافة إلى أنه من الضروري التأكيد على أن الصيغة المطروحة تؤكد بأن القطاع الخاص غير قادر على تطوير البنى التحتية وتوفير العدالة الاجتماعية وغير قادر على قيادة عجلة التطور و التنمية الاقتصادية، وبنفس الوقت تدلل إلى عدم رغبة القطاع الخاص بتوظيف أمواله في البنى التحتية لكونها لا تحقق تراكم مالي مرتفع . وتوزيع الأدوار بهذه الطريقة يحول مؤسسات الدولة على خادم لرأس المال الخاص ( بمعنى أن مؤسسات الدولة المعنية تعمل في توفير البنى التحتية التي تحتاج لكتلة مالية كبيرة وبنفس الوقت لا تنتج قيمه زائدة ، وتوفر المناخ المناسب للاستثمارات الخاصة ، بينما يتم توظيف رأس المال الخاص في القطاعات الإنتاجية المربحة ) . و يجب ألا نغفل عن حجم العمالة الموجودة في القطاع العام والتي سوف تتضرر من بيع القطاع العام أو خصخصته مما يساهم في تزايد نسب البطالة والفقر ويقود إلى تزايد حدة الأزمات اجتماعية والانحلال الاجتماعي والأخلاقي والقيمي ... وبالتوازي مع إعادة هيكلة الوسائل الإنتاجية يجب العمل على إيجاد حلول عادلة لمشكلة البطالة والعاملين الذين سيرمون إلى سوق البطالة.
وهذا يقودنا إلى التأكيد على أهمية مشاركة القطاع الخاص بكونه يحفز القدرة التنافسية بين القطاعين ويساهم في زيادة التطور الإنتاجي ، لكن ليس بكونه رائداً للتطور الاقتصادي المحلي بل بوصفه مساهماً مع القطاع العام وباقي المؤسسات الإنتاجية في عملية التطور ، ويجب التأكيد على ضرورة دور الدولة في تعزيز القدرة التنافسية للقطاع الخاص والعام ( المعدلات الضريبية ـ قوانين الحماية الجمركية .. ) أمام الصناعات الأجنبية .
إن العملية التشاركية بين القطاعين على قاعدة : التنمية الصناعة الوطنية ذات ميزات تنافسية ، و سيادة القانون المدني والديمقراطي الضامن للمشاركة السياسية وحقوق الإنسان والمواطنة ، يمكن أن تكون الخطوة الأولى في معالجة إشكالاتنا الراهنة .
إن الاندماج بالاقتصاد الرأسمالي المعولم وفق أوضاعنا الراهنة هو تحطيم لمجمل البنى الاقتصادية الوطنية ، والبنى الإجتماعية التي ما زالت حتى اللحظة تحافظ ظاهرياً على تماسكها ، وبالتالي فأن أي انفتاح ، أو اندماج ، أو خصخصة أو بيع للقطاع عام يجب أن يكون مدروساً من زاوية تأثير نتائجها على الواقع الاجتماعي .
إن ما حصلت عليه الطبقة العاملة في أوربا وباقي الدول الصناعية نتاج سياق تطور موضوعي أكده نضال الطبقة العاملة ، إضافة إلى عمليات النهب والشفط لموارد وثروات بلداننا ، والأموال الشخصية المودعة في البنوك الأجنبية ... ساهمت في تطور البلدان الغربية و حرمت مجتمعاتنا من إمكانيات التطور وتحقيق تراكم الرساميل الوطنية ، و بالتالي فأن واقع الطبقة العاملة في البلدان الصناعية المتطورة ، لا يعبر بالمطلق عن أشكال التجليات المستقبلية للطبقة العاملة السورية أو البلدان المتخلفة في حال كان القطاع الخاص هو قائداً للتنمية الاقتصادية ، ذلك لأسباب مختلفة أولها اختلاف الشرط الموضوعي عالمياً ، إضافة إلى واقع حال القطاع الخاص الوطني بأشكاله الراهنة .
-------------------------------------------------------------------
تنويه : كتب هذا النص في سياق الحوار مع ما طرحه الدكتور : نبيل سكر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصحفية الاقتصادية سمر الماشطة توضح موعد ارتفاع الأسعار هذا


.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 3 يوليو 2024 في محلات الصاغة




.. الإمارات والسعودية ما بعد -أفول شمس النفط- .. تنويع اقتصادي


.. تونس تستعد لانتخابات رئاسية في أكتوبر وسط أزمات سياسية واقتص




.. إنتاج الكهرباء انخفض في الفترة اللي فاتت والاستهلاك زاد..أسا