الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قطة على الجدار

رياض كاظم

2007 / 7 / 11
الادب والفن


كانت غرفة عادية تشبه غرف العزاب الابديين الذين يموتون في المنفى دون زوجة او حبيبة ، غرفة باربعة جدران وسرير ، ملابس الليلة الفائتة ملقاة على الارض ، روائح تدخين وكحول ، فراش غير
مرتب يلتصق بالجدار ، وعلى الجدار صورة قطة رسمت بطريقة بدائية ، كأن طفلا امسك بقلم الفحم وسمرها هناك ...
قطة جائعة هذا ما فكرت فيه بمجرد ان رأيتها ، اضلاعها البارزة ونظرات الحزن في عينيها تشي بانها عانت من حرمان طويل ..... على السرير ذاته اسفل الصورة يستلقي عجوز أشبه بالميت ، لا يتحرك منه شيء سوى لسانه ، لسانه السليط الذي يسوط به الحياة والناس وقطته الجائعة .
صرخ بوجهي حالما شعر بي ادخل .
- لماذا تأخرت كل هذا الوقت ... كان يجب ان تأتي منذ اعوام طويله .
اخذ يعاتبني كأنه يعرفني منذ ولادته .
- لم انتظر احدا كما انتظرتك ... هل ستأخذني اخيراً ..
هرعت ناحية النافذة وفتحتها لاطرد الرائحة العفنة ، رائحة الموت التي حولت الغرفة الى ما يشبه القبر .
قلت - سآخذك الى بيت المسنين ، هناك ستجد من يعني بك .
قال - لكني لست عجوزاً ، انظر الي ... عمري خمسون سنة فقط ، وهم لن يقبلوني هناك ، عليك ان تأخذني انت ...
نظر الي بتوسل ثم الى القطة الجائعة واخذ يغمغم .
- خذها معك حينما اموت ، لا تتركها وحيدة في هذه الغرفة فهي لا تحب الظلام .
قلت - من رسمها ؟
قال - اشتريتها من محل لبيع الحيوانات وكنت سعيدا بها كالطفل ، لكني حينما مرضت أصابها الهزال ... لم اعد قادرا على اطعامها ... خذها حينما اموت .
اغلق عينيه وتوقف تنفسه .
رائحة الموت الفاسدة طردتني الى الخارج ....
كان الجو كئيباً ومظلماً وبارداً ، فشعرت بالوحدة والخوف ، الخوف من الموت وحيداً في المنفى وسط تلك الرائحة العفنة .
لم اذهب الى غرفتي في تلك الليلة ، بقيت اتسكع في الشارع بالقرب من غرفته ، ادور حولها حتى حل الصباح ، فرأيت اشخاصاً يحملون الجثة في سيارة ويذهبون بها الى مكان ما .
غمغمت - حسنا ... لقد اخذوه الان سأذهب لانام .
وضعت يدي في جيوبي واتجهت ناحية غرفتي ، لكني شعرت بوقع خطوات خفيفة ، وحينما التفت وجدت القطة ذاتها تجري خلفي .
ابتسمت لها فقفزت بحظني ، ولعقت وجهي .
- ما اسمك يا حلوتي ؟
كانت دافئة ومتسخة بالفحم ، فكرت بانها بحاجة لحمام ووجبة طعام ....
وانا ايضا بحاجة الى حمام ووجبة ساخنة بعد تلك الليلة الحزينة .
وضعت القطة على الارض لافتح باب غرفتي ، فأطلت جارتي العجوز التي ترقب كل حركاتي وسكناتي ... وتتصل بالشرطة لاتفه سبب ... لا ادري ماذا تريد مني ؟
قالت وهي ترمق القطة بقلق .
- ماذا ستفعل بها ؟
قلت - سأعلقها على الجدار ... اليست جميلة ؟
اغلقت الباب بوجهها بعنف .
ستتصل بالشرطة حتماً ...
بعد دقائق سمعت طرقاً على الباب ... نظرت من الثقب ، لم يكن هناك احد ما .... انهم الشرطة اذاً ...
يطرقون الباب ثم يتنحون جانباً حتى لا اراهم .
- ليذهبوا الى الجحيم .. لن افتح لهم ...
قفزت القطة على السرير وهي تموء .
ازداد الطرق على الباب ، فأستلقيت على السرير الى جانبها ...
شعرت بنعاس ثقيل يطبق علي من كل جانب ...
ايدي ثقيلة تضرب الباب .
- هل انت ميت ؟
سمعت الجارة العجوز تدمدم .
- نعم انه ميت ... سأحتفظ بالقطة لنفسي .. تعالي يا حلوتي .. تعالي ... لا يجب ان تعيشي مع هؤلاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الموزع الموسيقى أسامة الهندى: فخور بتعاونى مع الهضبة في 60 أ


.. الفنان محمد التاجى يتعرض لأزمة صحية ما القصة؟




.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا


.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل