الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة انتهاك الحياة الدستورية في فلسطين

عماد صلاح الدين

2007 / 7 / 12
القضية الفلسطينية



من الناحية المبدئية وفي سياق الحديث عن القضية الفلسطينية ، فانه لا يمكن من الناحية العقلية والمنطقية أن يجري الحديث عن عملية ديمقراطية متكاملة تخدم الخيار الشعبي الفلسطيني ، لسبب بسيط وجوهري في آن وهو أن الشعب الفلسطيني يرزح تحت الاحتلال ، لذلك فالديمقراطية المنحازة لخيار الشعوب غير ممكنة والحالة هذه ، ذلك لان خيار الشعب الحقيقي سيكون متجها صوب أجندة وطنية حقيقية تريد تحقيق حقوقه وآماله ولوفي سياق حدوده الدنيا المقبولة ، وهذا بالطبع ما لا يقبل به الاحتلال والداعمون له ، لأنه يتعارض مع أهدافه وأغراضه القائمة على على مزيد من السيطرة وتوسيع الاستيطان وتكريس وجوده .

لو نظرنا إلى الوراء ، وأمعنا النظر في الانتخابات التي جرت عام 96، وهي الانتخابات الأولى بعد اتفاقات أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية ، لرأينا أنها جاءت ، وبغض النظر عن نسبة المشاركة فيها ، ارتباطا بمشروع عملية السلام في حينها ، ولتبدو وكأنها استحقاق سياسي ناجز ومتمخض عن مشروع السلام الذي قادته منظمة التحرير بزعامة الراحل ياسر عرفات. هذا من جهة، ومن جهة أخرى محاولة إضفاء نوع من الشرعية الشكلية على الاتفاقات المرحلية مع إسرائيل ، و ختاما على الاتفاق النهائي الذي كان من المزمع التوصل إليه مع نهاية المرحلة الانتقالية التي كانت مدتها خمس سنوات ، أما على ارض الواقع فإن هذه الديمقراطية لم يكن لها أي نوع جدير من الاعتبار ، وكان الأمر كله مرتبط بالشخصية التاريخية الكاريزماتية المتمثلة بالشهيد أبو عمار ، فأبو عمار كان موجودا في كل شيء ، بمعنى آخر فان السلطة التنفيذية واذرعها الأمنية الإدارية كانت هي المهيمنة ، وأما دور المجلس التشريعي والقضاء المدني كان مهشما إلى حد كبير ، والكل يذكر كيف أن قرارات التشريعي وأحكام القضاء وخاصة المحكمة العليا فيما يتعلق بالمعتقلين السياسيين وبشهادات منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية كانت لا تلاقي تنفيذا وامتثالا من قبل السلطة التنفيذية ، ولاشك أن هذا الوضع كان عبارة عن شرط أمريكي وإسرائيلي بحجة الالتزام بالاتفاقات الموقعة ، والقصد هنا الالتزام الأمني كشرط للتقدم في المفاوضات والتسوية ، وفي سبيل تكريس الحالة السابقة رفض ياسر عرفات التصديق على مشروع القانون الأساسي الذي تم إقراره في حينها بالقراءات الثلاث ، والسبب كما اشرنا أن الالتزام بالاتفاقيات الموقعة يتطلب سيطرة بل وتغول السلطة التنفيذية ، لإنفاذ متطلبات التسوية .

إذا ، عدم احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية السياسية والحياة المدنية للشعب الفلسطيني في حينها كان أمرا طبيعيا بموجب سلطة منشأة بموجب اتفاقات تغلب عليها شروط إسرائيل وأمريكا ، ومع ذلك تحمل الشعب الفلسطيني هكذا وضع وفي مقدمته قواه المعارضة وخاصة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي ، ولم تقبل الانجرار نحو المواجهة الداخلية مع السلطة الفلسطينية ، في سبيل إعطاء الفرصة لقيادة السلطة من اجل التوصل إلى الحد الأدنى من حقوق شعبنا الفلسطيني ، ونحن نتحدث هنا عن دولة كاملة السيادة على جميع الأراضي المحتلة في الرابع من حزيران عام 67 ، مع ضمان حق العودة بالاستناد إلى القرار 194 .

لكن بعدما تبين فشل مشروع التفاوض مع إسرائيل ، وتحديدا بعد كامب ديفيد الثانية ،وتبلور القناعة لدى الشعب الفلسطيني بان أمريكا وإسرائيل لم يكن غرضهما بريئا من عملية السلام ، بل إن الغرض كان منها هو تكريس الاحتلال ومد سيطرته الاستيطانية أكثر ، حتى غدت الضفة عبارة عن معازل ، والقدس خنقها الاستيطان والتهويد ، لم يعد بعد هذا مبررا لان تبقى قيادة السلطة في نفس الإطار السابق من التفاوض العبثي ، وهذا الموقف تجلى بوضوح من أبو عمار ، والذي بسببه دفع حياته.
المشكلة تكمن انه قبل استشهاد أبو عمار وبعده على وجه التحقيق تكون تيار في حركة فتح ،وهو بالطبع الذي سيطر عليها ،يقبل بالحل الأمريكي والإسرائيلي للقضية الفلسطينية ، وهو لا يرى بديلا عن أن خيار التفاوض هو الخيار الاستراتيجي لا بل التاريخي كما كان يذهب إلى ذلك الرئيس محمود عباس ، وهذا الحل المقبول هو خارطة الطريق في نهاية المطاف ، وخارطة الطريق لا تخرج كما يعرف كثيرون عن الدولة المؤقتة الممزقة الأوصال دون حق العودة ودون السيادة الحقيقية على القدس الشرقية ، ولتنفيذ هذا الخيار ومن اجل إضفاء الشرعية القانونية والسياسية عليه ، أراد فريق خارطة الطريق أن يشرك فيه أكبر عدد من الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حماس ، ولعل قصة حوارات القاهرة عام 2005 تؤكد ذلك ، فقد اتفقوا على محاور ثلاثة كان من بينها الانتخابات والتهدئة وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ، وكان الغرض المؤمل من الانتخابات هو تمرير ملف إنهاء القضية في إطار خارطة الطريق بالاستناد إلى أن حماس لن تحصل على نسبة برلمانية تعطل هذه التسوية .

ولان حماس حصلت على الأغلبية الساحقة في التشريعي ، تغيرت المواقف من الديمقراطية والتغني بها سواء من قبل أمريكا أو أوروبا أو حتى من الفريق الفلسطيني صاحب نظرية الحل التفاوضي التاريخي الاستراتيجي ، وبرأي أن هذا أمرا طبيعيا ، لأنه ليس هناك أي معنى لديمقراطية وانتخابات تحت الاحتلال ، فالاحتلال يقبل فقط بالديمقراطية التي تؤدي إلى النتائج التي ترضيه وتكون فقط على مقاس الجهة الفلسطينية التي قبلت برؤيته للحل وشروطه ، ولاشك أن هذه الجهة هي عبارة عن نخب سياسية واقتصادية وأمنية لها مصالحها الضيقة التي يوفرها الاحتلال ويرعاها لها ، وعلى هذا الأساس ، كان من غير المستغرب أن تحارب الديمقراطية الشعبية الفلسطينية التي تعيش تحت الاحتلال بكافة السبل والطرائق سياسية وأمنية واقتصادية وحتى محاولة الانقلاب الدموي عليها ، وبعد ذلك لا يسأل المرء عن الحجم الفظيع المهول في تدمير الحياة الدستورية والبرلمانية والمدنية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة ، كل شيء مباح وجائز في العمل ضد ديمقراطية شعبها رهن الاحتلال ، وإذا كان البعض يعدد الانتهاكات بحق القانون الأساسي المعدل عام 2003 ، بمخالفة نصوصه أو إلغائها أو تعديلها ، فأنا شخصيا لا استغرب أن نسمع في قادم الأيام ، أن الرئيس قرر إلغاء القانون الأساسي برمته ، تحت حجة ومسمى " واستنادا لصلاحياتنا المخولة بموجب القانون ، وتحقيقا للمصلحة العامة " ، هذه بالضبط الديمقراطية التي تمارسها الشعوب تحت الاحتلال ، والمثل العراقي ليس عنا ببعيد ، كل ما في الأمر أن الديمقراطية الفلسطينية الأخيرة أريد منها غرض بعينه ، ولسوء طالع الأمريكان والإسرائيليين ومعهم أصحاب القبول المطلق بنتائج التفاوض التاريخي والاستراتيجي ، أنها قد جاءت لتخدم غرضا آخر ، وهو وطني فلسطيني ، ولو كان غير ذلك لما أعلنت عليه كل هذه الحرب المستعرة منذ اليوم الثاني للخامس والعشرين من كانون الثاني عام 2006
بقلم : أ.عماد صلاح الدين
مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان- نابلس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقعات بتسليم واشنطن قنابل نوعية للجيش الإسرائيلي قريبا


.. غالانت: لا نسعى إلى الحرب مع حزب الله لكننا مستعدون لخوضها




.. حشود في مسيرة شعبية بصنعاء للمطالبة بدعم المقاومة الفلسطينية


.. فايز الدويري: الاحتلال فشل استخباراتيا على المستوى الاستراتي




.. ساري عرابي: رؤية سموتريتش هي نتاج مسار استيطاني طويل